للحسم مذاق الانتصار، وللحسم نكهة الشاي الساخن في عز البرد، وللحسم رائحة الحرية المغمسة بحليب الحنان، والحسم ملعقة عسل تذوب مع ندى الصباح، والحسم قبلة رقيقة على خد البراءة، والحسم نظرات أم تمشط شعر أطفالها بالمودة، وتودعهم إلى المدرسة بأمان، والحسم حلم عاشق يطل من شقوق الغيم، ويتراخى بالأمن على شواطئ الفرح، والحسم وشوشة الليل للوسادة، نامي يا صغيرتي بلا خوف أو فزع، الحسم لفظة كرامة لها مدلولها السياسي، وترددها الوجداني لدى سكان قطاع غزة، ولا يدرك مضمون لفظة الحسم إلا من اكتوى بنار بعض الصبية المارقين الذين انتشروا على مفارق الطرق، يجزون الرقاب، ويرعبون العباد، ويجوسون خلال الديار، وهم يحسبون أنفسهم في خدمة الوطن، بينما كانوا يمرغون أنف فلسطين في تراب الانقسام بين الولاء أو البلاء.
كان الحسم قراراً فلسطينياً ميدانياً نفذه رجال انخلعت أفئدتهم من الفوضى المنظمة التي أوصت فيها وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزارايس"، فجاء الحسم بمثابة عملية جراحية اضطرارية، تمت دون تخدير، ودون تحديدٍ مسبقٍ لساعة الصفر. لتنتقل غزة بالحسم من عصر الانفلات إلى عصر الاتزان.
اليوم تنام غزة بين أحضان الأمن هانئة. اليوم تضع غزة رأسها على وسائد الموج، وتسبح في بحر الأحلام. اليوم تتكحل غزة من مرود المحبة والتسامح والوئام، وقد حددت ملامح عدوها بوضوح، والفضل يرجع في ذلك إلى قرار الحسم، وفعل الحسم، وقد انزاحت لفظة الحسم عن معناها العسكري وراحت تتكسب معاني حياتية جديدة، حتى صار للفظة الحسم مدلول مبضع الجراح الذي يستأصل كل مرض عضال.
مدير مركز شرطة القرارة في محافظة خان يونس المقدم علاء عبد الرحمن، استخدم لفظة الحسم للتعبير عن رفضه لحالة الفوضى المرورية التي تضرب شوارع غزة، فقال: نحتاج إلى حسم مروري في قطاع غزة، يقضي على الفوضى، ويفضي إلى النظام.
غزة بحاجة إلى الحسم المروري الذي يسترد الشارع العام من المارة، ويعاود تخصيصه للسيارات، ويسترد الرصيف من الباعة المتجولين، ويعاود تخصيصه للمارة، ويفرض القانون الذي غيبته حالة الانفلات المروري، فما زال بعض الفتية يقود سيارة أبيه في الشارع بلا رخصة قيادة، وما انفك المنفلت مرورياً يزاحم في الطريق من التزم بقواعد السير، وما برحت العربة التي يجرها حمار تحتك بالسيارة الحديثة، وما فتئ الجسم الحديدي المتحرك المعروف باسم "التكتك" يجتاز جميع السيارات عن اليمين وعن الشمال دون استئذان، وصارت السيارات البالية التي صنعت قبل أربعين عاماً، وتوجب سحبها من الطرق، صارت تخالط سيارات القرن الواحد والعشرين، ولما تزل الشوارع تئن من الازدحام والضجيج ورائحة المازوت المحروق وعوادم السيارات التي تنفث سمومها في كل اتجاه، لقد اختنقت معظم مفارق الطرق الرئيسية في غزة، وتعطلت فيها الحركة دون أن يخشى منفلت مروري أي جهة سيادية تلاحق الخطأ، وتحاسب على التجاوز.
غزة بحاجة إلى الحسم المروري كحاجتها إلى الحسم السياسي والعسكري.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية