حكومة نتنياهو الجديدة ومآلات سقوطها!
هشام منور
تُعد حكومة بنيامين نتنياهو التي حصلت على "ثقة الكنيست" الثالثة من بين الحكومات الإسرائيلية الـ 34، التي ارتكزت عند التصويت عليها في الكنيست على 61 نائباً من أصل 120 نائباً، ومما لا شك فيه أن هناك اجماعاً على أن حكومة كهذه لن يكون بإمكانها أن تصمد طويلاً، وسيحتاج نتنياهو إلى توسيعها بكتلة أخرى على الأقل، لأنه إذا اعتمد على التناقضات بين كتل المعارضة فإن داخل حكومته تناقضات لا تقل أهمية، وستقود إلى قلاقل جدية تهدد بقاء الحكومة.
وما بدا لنتنياهو مع صدور النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية بمثابة انتصار شخصي له، بات اليوم مصدر هزيمة، أو بصيغة أدق بداية النهاية السياسية له، فليس فقط أن حكومته لن يكون بإمكانها الصمود حتى الموعد القانوني للانتخابات اللاحقة، خريف العام 2019، بل إن مكانة نتنياهو في حزبه "الليكود" شهدت اهتزازاً، وستشتد هذه الاهتزازات أكثر لاحقاً، على ضوء اتساع فريق "الخائب أملهم" في الليكود، إن كان ممن حازوا على مناصب وزارية، أو أولئك الذين بقوا خارج الحكومة، أو الذين دفع بهم نتنياهو لينسحبوا من الحياة البرلمانية كلياً.
نتنياهو ومنذ الإعلان عن التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، بعد 26 شهراً من سابقتها، ظهر كمن يمسك بالأوراق جيداً داخل حزبه، فتشكلت لائحة انتخابية قريبة جداً مما أراده، واتبع استراتيجية انتخابية شرسة ضد حلفائه الطبيعيين من أحزاب المستوطنين واليمين المتطرف، ونجح في تضخيم قوة "الليكود" بشكل فوق المتوقع، على حساب حلفائه.
وأظهرت نتائج الانتخابات أن نتنياهو قادر على تشكيل حكومة ثابتة، ترتكز على 67 نائباً من أصل 120. وبسبب التناغم السياسي الظاهر بينها، بدت احتمالات صمود الحكومة حتى الموعد القانوني للانتخابات التالية، في خريف العام 2019، أكثر من أي حكومة أخرى شكلها نتنياهو. إلا أن نتنياهو اطمأن كثيراً لنتيجة الانتخابات، دون أن يأخذ بعين الاعتبار تضارب المواقف على صعيد القضايا الداخلية، وحاجة كل واحدة من الكتل البرلمانية إلى التمسك بخط سياسي وحزبي، يضمن لها البقاء على الساحة السياسية لفترة أطول.
وعلى أساس تلك الحسابات، قرر أفيغدور ليبرمان عدم الانضمام إلى الحكومة. في حين رأى تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، الذي خسر أكبر عدد من المقاعد لصالح نتنياهو في الانتخابات الأخيرة، أن هذا هو الوقت المناسب لبدء عملية تصفية الحساب وإعادة الاعتبار لهذا التحالف، فابتز نتنياهو بقدر جعله ضعيفاً داخل حزبه "الليكود".
كما لم يأخذ نتنياهو بعين الاعتبار وجود من بقدرته التمرد عليه في "الليكود"، فقد دأب نتنياهو على تصفية كل من له احتمال بأن ينافسه على رئاسة الحزب آنيا أو حتى مستقبلاً، وهذا ما فعله مع دافيد ليفي، ثم مع سيلفان شالوم قبل سنوات، ومع جدعون ساعر الذي غادر السياسة قبل أقل من عام، وها هو يفعل الأمر ذاته مع غلعاد إردان، الذي حصل على المركز الأول في الانتخابات الداخلية في الحزب، رغم أن شخصية إردان ليست من ذلك الصنف القادر على القيادة.
يواجه نتنياهو ثلاث حلقات تشد خناقها عليه: أولاً، تركيبة الائتلاف التي تلزمه بنقض سلسلة قرارات اقتصادية و"يهودية" اتخذها في الدورة السابقة. فقد اضطر نتنياهو في تركيبة الحكومة الجديدة إلى التوجه مجدداً لكتلتي المتدينين المتزمتين "الحريديم" الذين استبعدهم من حكومته السابقة كي يطبق سياسة اقتصادية صقرية تقشفية تضرب الشرائح الفقيرة والضعيفة.
والاتفاقيات التي أبرمها "الليكود" مع الحريديم وفيها نقض للكثير من بنود سياسته الاقتصادية، إلى جانب الغاء فرض الخدمة العسكرية الإلزامية على شبانهم، دفعت رئيس حزب "يسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان إلى خارج الحكومة. قرار ليبرمان لا يعكس "مبدئية" كما يحاول عرضها، وإنما ليبرمان ينظر إلى الانتخابات المقبلة، ويراهن على كسب ثقة جمهور من اليمين المتشدد الذي يعارض "الحريديم" ويعتبرهم جمهوراً ابتزازياً يهدد مستقبلاً المشروع الصهيوني الأكبر.
أما الحلقة الثانية، فهي أن نتنياهو بدأ يدفع ثمن "غدره" لحلفائه من اليمين المتطرف واليمين الاستيطاني، بعد أن اتبع استراتيجية انتخابية هدفت إلى كسب جمهور مصوتين من اليمين، على حساب أحزاب المستوطنين، وأيضا على حساب حزب ليبرمان "يسرائيل بيتتنا".
لذا فإن ابتزاز كتلة المستوطنين "البيت اليهودي" لنتنياهو، لدى تشكيل الحكومة، والحصول على حقائب ووظائف بمستوى أكبر مما تستحق بموجب قوتها البرلمانية، كان جزءا من تصفية الحساب. ومن المؤكد أن المستوطنين فتحوا الحساب، وسيطالبون نتنياهو بالمزيد، من خلال مطالب سياسية ومالية تزيد من الضغوط عليه خلال إدارته الحكومة الجديدة.
لقد نجح نتنياهو في زيادة عدد مقاعد الليكود، بشكل فاق كل التوقعات، من 20 مقعداً في انتخابات 2013 إلى 30 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، ولكن هذا شمل عدداً من الشخصيات يفوق بكثير عدد المناصب الوزارية والبرلمانية الهامة التي تبقت لحزب الليكود بعد ما تم توزيع الحقائب والمسؤوليات على الكتل المشاركة في الحكومة.
وهذا المشهد قاد إلى اتساع حلقة "خائبي الأمل" من نتنياهو، وقد نشهد لاحقاً اصطفافات داخل حزب "الليكود" تهدف للإطاحة بنتنياهو من رئاسة الليكود، عند التوجه إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة، من هذا الفريق غلعاد إردان وسيلفان شالوم وتساحي هنغبي وآفي ديختر، ويأتيهم من خارج الكتلة البرلمانية غدعون ساعر، واصطفاف كهذا قد يجد له أسماء أخرى لاحقا.
حبل الخلاص الأكثر أماناً لنتنياهو ليثبّت حكومته لفترة أطول من باقي السيناريوهات الأخرى، هو أفيغدور ليبرمان، إلا أن الأخير صعّد هجومه على نتنياهو ووصفه بأنه "مخادع وكذّاب"، لكن في السياسة الإسرائيلية لا يوجد شيء مضمون وهناك "المصلحة"، وهذا يحتاج إلى وقت ولربما فقط بعد أن ينجز نتنياهو اقرار ميزانيتين.
وإذا ما أصر ليبرمان على موقفه، فإن المسار الآخر هو ضم "المعسكر الصهيوني"، الذي في صلبه حزب "العمل"، لكن هناك معارضة كبيرة داخل "المعسكر" للانضمام إلى حكومة نتنياهو. حتى الآن لا يبدو أن هذه الخطوة واردة في "المعسكر الصهيوني"، الذي تتسع فيه القاعدة الرافضة للانضمام، وتراهن على تعزيز قوة ومكانة "المعسكر" في المعارضة، كي يكون بديلاً جدياً للحكم في الانتخابات اللاحقة.
كل السيناريوهات التي أمام نتنياهو بمثابة حقول متفجرات مزروعة، ومهما يصمد هذا السيناريو أو ذاك، سيقف حتما على لغم يفجره، ولذا فإن الانتخابات الإسرائيلية الجديدة مسألة وقت، وقد تكون بحسب التوقعات في غضون عامين أو حتى أقل.
نتنياهو بدأ رقصة الموت السياسي الأخيرة. وحكومته الجديدة أشبه ببُرج ورقي قد ينهار في أي لحظة. فعلى مدى سنين نجح نتنياهو في القفز على الألواح العائمة كي يجتاز الأنهر السياسية، ولكنه الآن يبدو أنه وصل إلى المقطع الأكثر هيجاناً من بين الأنهر التي اجتازها، ما يجعل الألواح العائمة أكثر اهتزازاً، فإن صمد نتنياهو في الأيام الأخيرة، وعرض حكومة جديدة، إلا أن التوقعات تُجمع على أن سقوط نتنياهو وحكومته بات في المدى المنظور نسبياً.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية