حماس في الفكر الإسرائيلي (5)
علاء الريماوي
في قراءة التاريخ الحديث يتعب كثرة الاختلاف في تحليل المواقف لكن حين تعيش أنت مراحل الأحداث تنظر من مكان علي، تثبت وتنفي وتسوق الرواية الدقيقة للمستقبل.
هذا الحديث ما تحتاجه اليوم الحركة الفلسطينية من تأصيل، وكتابة وتدقيق للرواية التاريخية التي باتت تندثر مع مرور الزمن وكثرة الأحداث المتكررة.
هذه المقدمة أردتها في سياق الكتابة عن مرحلة مهمة في تاريخ حماس والقضية الفلسطينية والمرتبطة بأحداث الانقسام الفلسطيني ومسبباته وأثره على حركة حماس من وجهة نظر المؤسسة الإسرائيلية.
في متابعتي للأوراق الإسرائيلية وتناولها لمسألة الانقسام كان السلوك الإسرائيلي والغربي لا يعترف بمخرجات الاتفاق على حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت في العام 2007 فركز التعامل مع مؤسسة الرئاسة وبعض الوزراء خارج حماس مما خلق صورة وتصورا من أن الحكومة القائمة مصادرة الصلاحيات مشلولة التحرك.
برغم هذا المعطى الحقيقي كانت أصابع (إسرائيل) تدعم أطرافا فلسطينية في قطاع غزة تمولها وتفتح لها المجال لبناء قوة قادرة على حسم الأمور حيث اشترك في التأسيس لذلك كل من مصر، دولة الإمارات العربية وبعض من الدول التي تدور في ذات المخطط.
هذا العمل لم يكن بعيدا عن تخطيط رعته ( إسرائيل) حيث كشفت بعض المعطيات كم التعاون مع محمد دحلان ودعمه من خلال حجم السيطرة التابعة له في معبر إيرز وحركة الاتجار الخاصة في بعض الأصناف خاصة الرئيسية منها.
مضافا إلى ذلك وهو الأهم حجم التنسيق ومستواه مع الرجل وطاقمه بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية والتي زودت الجهاز السياسي بدورها بقدرة دحلان على حسم غزة وإنهاء ( حكم حماس ).
هذا الحكم لم يسقط بل كانت المحصلة أن سيطرت الحركة على قطاع غزة وحصلت القطيعة التي قبلتها الحركة وتعاطت معها من خلال بناء قواعد حكمها وفق رؤية أن قطاع غزة يحتاج إلى إعادة صياغة لم يتعودها من قبل، خاصة بعد أعوام الإفساد التي أصابت كل شيء.
هذه الصياغة بدا عليها لون الدم في أكثر من مرحلة حتى إستقر الأمر قبيل حرب غزة في العام 2008 التي وصلت فيها قناعة حكومة أولمرت أن الأوان حان لقطاف نتائج حصار أهلك الحرث والنسل، خاصة بعد ضغط مورس من النظام المصري طلب وبشكل رسمي من دولة الاحتلال أن وضع غزة التي أحرجه وأظهره في شكل الشريك في حصار هو رأس حربته.
هذا الطلب توافق مع قناعة غربية و(إسرائيلية ) ودور دحلاني ساهم في شن حرب أرادت رأس حماس استمرت 30 يوما أظهرت فيها المقاومة قدرة على الصمود أذهلت المؤسسة العسكرية خاصة بعد أن نجحت الداخلية بغزة بقيادة الشهيد سعيد صيام في ضبط الأوضاع الداخلية التي لا بد من أن تسجل لأهل غزة الذين ما تولوا يوم زحف وما ضربوا يوما مقاومتهم في الظهر بل على الدوام كانوا يضربون المثل في التضحية والعطاء.
هذا الصمود أدخل حكومة أولمرت في أزمة الحسم بعد قراءة بدت تطفو على السطح من أن الدخول البري سيكلف إسرائيل قرابة 30 الف قتيل مع احتمال اندلاع حرب على جبهة الشمال التي كانت فيها المقاومة اللبنانية تلوح في هذا الخيار.
أزمة أولمرت وصمود غزة أثمرت نصرا نوعيا في فشل مخطط إسرائيل الذي أعطى حماس شرعية جماهيرية أممية في حكم غزة وأظهر خصومها كأدوات في يد الاحتلال خاصة أن السلطة في رام الله فشلت في إقناع الناس بدورها أثناء الحرب.
هذه النتيجة أدخلت المعادلة الدولية إلى غزة خاصة تركيا، وقطر، وإيران وأكسبت الحركة دعما كويتيا سعوديا غير علني خاصة في تسهيل مهمة منظمات المجتمع المدني التي كان لها دور مهم في دعم صمود غزة.
هذا الواقع عجل في إنهاء حكم حزب كاديما لصالح نتنياهو الذي قبل معادلة التعاطي مع قطاع غزة عبر ما يعرف بسياسة ابتزاز الرئيس عباس من خلال دعاية عدم توفر شريك وروج لها في العالم خاصة بعد ضغط الولايات المتحدة على الكيان بضرورة العودة إلى عملية السلام.
هذه العودة كان مفتاحها برأي الدعاية الإسرائيلية عودة القطاع إلى حكم عباس والذي بذل فيه جهدا كبيرا من خلال المصريين اللذين عكفوا على بلورة مقاس لتسوية ستخرج حماس من اللعبة السياسية.
هذا المقاس رفضته حماس وتملصت منه بشكل هادئ حتى جاءت موجة الربيع العربي الذي أضاف لحماس متغيرات قوة سنتحدث عنها في الحلقة السادسة إن شاء الله.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية