حماس في ربع قرن
إياد خالد الشوربجي
تحتفل حركة حماس هذه الأيام بالذكرى الخامسة والعشرين لانطلاقتها في أجواء مختلفة كثيراً هذه المرة، فهي تحتفل أيضاً بالانتصار المتميز الذي حققته المقاومة في معركة حجارة السجيل خلال جولة العدوان الأخيرة على غزة، ويجري ذلك وسط التفاف جماهيري غير مسبوق، كذلك في ظل التحام تاريخي لقيادة الحركة في الخارج مع قيادتها في الداخل، فقد حضر إلى غزة ولأول مرة رئيس المكتب السياسي للحركة الأخ خالد مشعل ومعه اخوانه أعضاء المكتب السياسي, الجزء المحرر من أرض فلسطين المحتلة، وهذا يحدث أيضا بالتوازي مع عملية تغيير اقليمي بنيوي في المنطقة بفعل ما أنتجته الثورات العربية حتى الآن.
فترة ربع قرن في عمر الزمن لا تعني الكثير, لكنها كانت فترة كافية لتتحول فيه الحركة الى رقم هام وأساسي في معادلة الصراع، بل أصبحت هي العنوان الأبرز في دائرة الحدث، خصوصاً حول ما يجري في فلسطين وتحديداً في غزة، الذي كان ولايزال عاملاً باعثاً وطليعياً للحركة الشعبية الثورية في المحيط العربي في سعيها نحو التحرر والنهضة.
صحيح ان البداية الرسمية للحركة كانت في أواخر العام 1987, لكن البداية الحقيقية هي أقدم من ذلك بكثير, فهي تمتد إلى ثلاثينيات القرن الماضي, حيث بدأ انتشار فكر الإخوان المسلمين في فلسطين.
ولو عدنا بالذاكرة إلى بداية الانطلاق وما قبله وحاولنا عمل مقارنات سريعة مع وضع الحركة في هذه الأيام، لكان الفارق كبيراً والبون شاسعاً, فقد بدأت الحركة بقليل من الرجال، الذين حملوا الفكرة بإمكانات متواضعة، فلا مال ولا سلاح تقريباً, إلا سلاح الدعوة التي نشروها في أوساط الجماهير, تلقتها مجموعة من الناس بقبول حسن.
وكانت ثورة الحجارة في الانتفاضة الأولى بيئة مناسبة للانتشار الواسع في أوساط الشباب المتحمس لمقاومة الاحتلال والمؤمن بالمنهج الإسلامي، تمكنت الحركة خلالها من بناء جسم تنظيمي ممتد ومتجذر.
أعقب ذلك انتكاسة كبرى تعرضت لها الحركة في ظل حكم السلطة الفلسطينية التي جاءت على خلفية اتفاق اوسلو في العام 1993، فكانت فترة من الملاحقة والاعتقال والقمع والإقصاء الكامل للحركة.
أخذت الحركة بالنهوض من جديد مع اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000، والتي تميزت بالطابع العسكري، وكان على أثرها جلاء الاحتلال الصهيوني عن أرض غزة عام 2005، والذي كانت المقاومة وعلى رأسها حماس سبباً رئيساً في حدوثه.
ثم جاءت انتخابات العام 2006، فحدث الفوز، فالتنكر للنتائج، فالحصار، فالمناكفة الداخلية، فالمواجهة، فالحسم فالانقسام، في تطور دراماتيكي سريع ومتلاحق، أعقب ذلك تصعيد نوعي في جولات العدوان من قبل المحتل الصهيوني، كان أبرزها الحرب على غزة 2008-2009، في جولة من العنف والتدمير غير المسبوق.
خرجت الحركة على إثر هذه الحرب أكثر قوة وصلابة واعداداً وقدرة على التكتيك والمناورة، وهذا ما ظهرت نتائجه خلال جولة العدوان الأخير على غزة، والذي حدث بعد اغتيال نائب القائد العام لكتائب القسام الشهيد أحمد الجعبري رحمه الله.
القائد الجعبري كان واحداً ضمن قافلة طويلة من الشهداء، قادةً وافراداً، قدمتها الحركة خلال مسيرتها الجهادية الطويلة، هذا فضلاً عن آلاف الجرحى والمعتقلين والمبعدين، وهم من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني والامة العربية.
تجربة حماس تجربة فريدة ومثيرة، لا بد من الوقوف عليها بعد مرور ربع قرن من عمر الحركة، وذلك من خلال نظرة تحليلية معمقة، وتقييم موضوعي لكل مكونات هذه التجربة، ومحطاتها التاريخية المختلفة، والوقوف على النجاحات وكذلك الإخفاقات التي حدثت في مسار الحركة، وعلى كافة الصعد السياسية والعسكرية والأمنية والدعوية وغيرها، فهناك قضايا وملفات كثيرة يمكن أن تكون عناويناً للبحث والتحليل، فلدينا على سبيل المثال وليس الحصر تجربة الحكم، والمقاومة، والمسار السياسي، والشراكة الوطنية، والسلم المجتمعي، والعلاقات الإقليمية والخارجية، والبناء والتنمية، وغيرها الكثير مما يمكن تقييمه ومعرفة مقدار النجاح والفشل فيه.
يمكن عمل ذلك وتوظيفه ليس فقط على مستوى الحركة، بل أيضاً على مستوى فصائل العمل الوطني وكذلك للقوى السياسية العاملة على الساحة العربية، لا بل على مستوى الدول العربية، لمن أراد أن يستفيد من تجربة الحركة ويستخلص العبر ويقِّوم المسار.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية