خطوات منفردة باتجاه المصالحة!
لمى خاطر
منذ انتهاء العدوان على غزة، وانتصار المقاومة في معركة (حجارة السجيل) غدت حركة حماس أكثر ثقة بنفسها، وأكثر إدراكاً لخصوصية دورها الوطني، كحركة كبيرة وجامعة، راسخة الجذور وثابتة الخطوات، ومؤهلة لإدارة أوضاع الفلسطينيين في كل بقعة محررة أو خارج سيطرة الاحتلال.
ومما ترتّب على ذلك أيضا مسارعة حماس لرأب الصدع الفلسطيني الداخلي في غزة، حيث تحكم وتملك أن تغيّر، فكان أن اتخذت الحركة سلسلة خطوات تشي بتسامحها وحرصها على إرساء قواعد جديدة للعلاقات الداخلية مبنية على التفاهم وحسن النية والترفّع عن المناكفات الكيدية، ودون انتظار مقابل. وكان أن تم تتويج سلسلة الخطوات الحمساوية تلك بسماحها بمهرجان انطلاقة فتح وتوفيرها كل مقوّمات نجاحه بعد منح حركة فتح تسهيلات غير محدودة لتنظيمه، وبعد أن تم استقبال رموز الحركة القادمين من الضفة بشكل رسمي من قبل رئيس الوزراء إسماعيل هنية.
ما فعلته حماس في غزة أضيف إلى رصيدها دون شك، وأعاد تصويب الأوضاع الميدانية، وهو أمر ستكون له آثاره الطيبة على الوضع العام في غزة في المدى المنظور، وستكون حماس الكاسب الأبرز منه باعتبارها التنظيم الحاكم والحامل عبء المقاومة وحماية المقاومين ورعاية مشروعها.
ولعلّ حماس حين لم تنتظر المقابل من حركة فتح في الضفة كانت تدرك أن الأخيرة لا تملك أمرها في هذه القضية، بدليل أن اعتقال الأجهزة الأمنية للناشطين ضد الاحتلال ما زال على حاله، وكأن سلوك الأجهزة في الضفة ما زال خارج كل حسابات المصالحة وكل بوادر حسن النية التي ينبغي تقديمها بين يدي الأجواء الجديدة!
يخطئ كثيرون حين يقزّمون مسألة الخلاف الفلسطيني الداخلي، ويحسبون أن المصالحة لا تنتظر سوى الكفّ عن الحرد السياسي والاقتناع بضرورتها، ويخطئ من يسقط موضع الاحتلال من حساباته، وينسى أن هذا الأخير لن يقبل أن تتخلى سلطة الضفة عن التزاماتها له بحفظ أمن الإسرائيليين، مع ما يتطلبه ذلك من اجتهاد دائم في ملاحقة نشطاء حماس، التي ترى المخابرات الإسرائيلية أنها تخطط لإشعال انتفاضة جديدة في الضفة!
وبالتالي؛ فمن يتحدث عن المصالحة أو يتمناها لا يجوز أن ينادي بها قبل المطالبة بتخلي السلطة عن مشروع التنسيق الأمني، والذي بسببه لا زالت السلطة عاجزة عن تقديم أية مبادرة إيجابية تخدم المصالحة وتخفف من الاحتقان الداخلي.
فليس ثمة طرفان فلسطينيان متخاصمان، بل إن منشأ الخصومة هو ذلك التشويه الذي طال دور السلطة وأجهزة أمنها، وحوّلها بعد كل هذه السنين إلى ملحق أمني يخدم سياسات الاحتلال، وأجبرها بأن تظلّ حريصة على الالتزام بدورها هذا حتى لو ضحّت بهويّتها الوطنية، وحتى وهي تغرق في بحر من الأزمات المالية، إذ يبدو أن الشأن الأمني عصيّ على التغير أو التأثّر بالأزمات، فبوصلته هي الأوضح، ومهامه لا زالت (مقدسة) حتى لو أفلست السلطة سياسياً ومالياً. ألم يقل الجنرال الأمريكي دايتون ذات يوم: "إن هذه الاجهزة تم بناؤها لتعمل أكثر مقابل أن يعمل الجيش الإسرائيلي أقلّ"؟!
إذن؛ ثمة مشكلة كبيرة تبدو عصية على الحلّ، تتعلق بالعقيدة الأمنية لهذه الأجهزة، ومتطلبات هذه العقيدة تنعكس سلباً على إمكانية إحداث انفراجة كبيرة في العلاقة بين فتح وحماس في الضفة الغربية، وهنا أرجو ألا تغامر حماس بتوقيع أي اتفاق جديد يخصّ المصالحة قبل حلّ الإشكالية الأمنية في الضفة، وقبل التأكد من أن هناك قابلية لدى قيادة السلطة للتراجع عن مشروع التنسيق الأمني وإنهاء كل متعلقاته من خطوات ميدانية، وإلا فإن المقاومة ستكون ضحية هذه المصالحة، لا حماس كتنظيم فقط !
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية