دلالات التضخيم الإسرائيلي للمقاومة في غزة
د. عدنان أبو عامر
تطالعنا وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ أسابيع في تصريحات متتالية لقادة عسكريين حول اعتبارهم الهدوء على حدود قطاع غزة "خداعاً"، وأنّ اكتشاف نفق العين الثالثة يُدلل على ما يشغل بال حماس عن "إسرائيل" هذه الأيام، واعتبار اكتشافه ضربة استراتيجية لحماس، التي تستثمر في الأنفاق جزءًا كبيرًا من ميزانيتها وقدراتها البشرية.
وتواصل آلة الدعاية الإسرائيلية بالقول إنّ اهتمام حماس بالأنفاق يقابله اهتمام من الجيش بمكافحتها حيث يعتبرها هدفه الأول، وقد تم انتداب جميع أذرع أجهزة الأمن لتركيز جهودها على اكتشافها، والبحث عن حلول لهذه المعضلة، وأنّ حماس آخذة في التطور طوال الوقت وبشكل ملحوظ، وأنّ النفق الأخير كان مثيراً للإعجاب من كل النواحي نظراً لطوله وعمقه وعرضه وقوته، والأهم الرغبة الجامحة في حفر هكذا نفق، خاصة مع استخداماته المُتعددة كالدخول لعمق المنطقة الصهيونية، واختطاف الجنود أو المستوطنين، أو إدخال المسلحين للسيطرة على البيوت في إحدى البلدات القريبة، أو إدخال مسلحين لتفجير أنفسهم بعيداً عن غزة، في قلب "تل أبيب" أو القدس.
الخطورة في التصريحات الإسرائيلية الأخيرة ضد حماس في غزة، ما تعتبره التحدي الحالي الذي يواجهه الجيش الكامن في كيفية تغيير أسلوب التفكير والعمل، فالقوات العسكرية موجهة للنظر دائماً للأمام، وهكذا أنفاق تفاجئهم من خلفهم، تستوجب كسر العادة بعدم القيام بنشاطات اعتيادية طوال الوقت تُمكِّن الطرف الآخر من رسم خططه على هذا الأساس، وهذا الأسلوب أثبت نجاعته أثناء عملية "عامود السحاب"، وجنّب الجيش الكثير من المشاكل.
وهنا تركز المواقف الإسرائيلية حول ما قالت إنها خطط لحماس للمس بقواتها المتواجدة بالقرب من السياج الأمني، وخطف الجنود عبر الأنفاق، لكن كُل الخطط فشلت بفضل العمل التكتيكي الذي مارسه الجيش، لكنها تحذر أنّ هذا لا يعني بأنها ستنجح دائماً في إحباط هكذا أعمال، ولذلك فالقوات دائماً على أهبة الاستعداد، حتى أنّ درجة التنبيه لخطورة الخطف في القطاع تصل حد التلقين بكيفية التصرف في حال حدوثها.
التهويل الإسرائيلي يصل ذروته في الآونة الأخيرة حين يشير إلى أنّ حماس ستدخل المواجهة القادمة عندما تشعر بالجاهزية فقط، وليس قبل ذلك، ولهذا فهي بحاجة لترميم تشكيلاتها التنفيذية، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى، فمشاكل الأنفاق تلزمها العمل على تعميق قدراتها في التصنيع الذاتي، خاصة صواريخ "8 إنش"، تشبه ما أطلقته تجاه "تل أبيب" والقدس في المعركة الأخيرة.
وهنا تعتبر معظم الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية أنّ الهدوء الحالي في قطاع غزة من شأنه أن ينتهي في أية لحظة، لأنّ المعركة الأخيرة علمتنا أننا لا نعلم متى سنضطر للدخول في معركة؟، ولذلك تم الإعلان بصورة مفاجئة أن فرقة غزة في قيادة المنطقة الجنوبية التابعة للجيش ستجري ولأول مرة في تاريخها تدريباً شاملاً بمشاركة 7 ألوية، وعلى جدول أعمالها محاكاة حرب شوارع في غزة، والطريق إلى هناك ستمر عبر المدن الصهيونية كعسقلان، حيث ستشهد هجوماً لسلاح المشاة والمدرعات.
ولا تفتأ المحافل العسكرية الإسرائيلية من إطلاق التهديدات شديدة اللهجة تجاه غزة، والقول إنه إذا ضربت "إسرائيل" ستضرب غزة، وإذا لم ينم سكان النقب بهدوء، فلن ينعم سكان القطاع بذلك، لأنّ معادلة الجيش هذه الأيام تقضي أن الهدوء سيقابل بالهدوء، وإطلاق الصواريخ سيرد عليه بالصواريخ، مع وجود رد على كل صاروخ يطلق من غزة، وأنّ طبيعة تلك الردود حالياً سطحية حتى لا يصعد الموقف.
وقد أعلنت إسرائيل مؤخرا أن مدى مناورة الجيش داخل أراضي القطاع تقلص بعد الحرب الأخيرة من 300-100 متر فقط، والمرة الوحيدة التي عمل فيها أبعد من ذلك قبل أسبوعين بعد دخوله لتفجير نفق العين الثالثة، وطالما بقيت الأمور هادئة فسيحافظ على تفاهمات الحرب الأخيرة في نوفمبر 2012.
أخيرا..إذا كانت إسرائيل تعتقد ان حماس في غزة مُنشغلة بالعِبر والدروس من الحرب الأخيرة، كي تفهم ما الذي أضر بخططها في المرة الماضية؟، وما الذي بإمكانهم فعله لتجنب ذلك في المرة القادمة؟، فإنّها تجري تدريباتها، وتُطور وسائلها، وتستعد لساعة الصفر، لأنّ هذه لعبة عقول، وفيها يتعلم كل طرف ما الذي يدور في عقل الطرف الآخر، بما في ذلك من أخطاء، في ضوء تعهدها في الآونة الأخيرة بأنّها ستفاجئ العدو في المرة القادمة..وإن سأل القارئ في نهاية المقال عن توقعات كاتب السطور المستقبلية للتطورات على جبهة غزة، فإن الجواب ببساطة: "هنا غزة..حيث الرمال المتحركة"!
د. عدنان أبو عامر
تطالعنا وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ أسابيع في تصريحات متتالية لقادة عسكريين حول اعتبارهم الهدوء على حدود قطاع غزة "خداعاً"، وأنّ اكتشاف نفق العين الثالثة يُدلل على ما يشغل بال حماس عن "إسرائيل" هذه الأيام، واعتبار اكتشافه ضربة استراتيجية لحماس، التي تستثمر في الأنفاق جزءًا كبيرًا من ميزانيتها وقدراتها البشرية.
وتواصل آلة الدعاية الإسرائيلية بالقول إنّ اهتمام حماس بالأنفاق يقابله اهتمام من الجيش بمكافحتها حيث يعتبرها هدفه الأول، وقد تم انتداب جميع أذرع أجهزة الأمن لتركيز جهودها على اكتشافها، والبحث عن حلول لهذه المعضلة، وأنّ حماس آخذة في التطور طوال الوقت وبشكل ملحوظ، وأنّ النفق الأخير كان مثيراً للإعجاب من كل النواحي نظراً لطوله وعمقه وعرضه وقوته، والأهم الرغبة الجامحة في حفر هكذا نفق، خاصة مع استخداماته المُتعددة كالدخول لعمق المنطقة الصهيونية، واختطاف الجنود أو المستوطنين، أو إدخال المسلحين للسيطرة على البيوت في إحدى البلدات القريبة، أو إدخال مسلحين لتفجير أنفسهم بعيداً عن غزة، في قلب "تل أبيب" أو القدس.
الخطورة في التصريحات الإسرائيلية الأخيرة ضد حماس في غزة، ما تعتبره التحدي الحالي الذي يواجهه الجيش الكامن في كيفية تغيير أسلوب التفكير والعمل، فالقوات العسكرية موجهة للنظر دائماً للأمام، وهكذا أنفاق تفاجئهم من خلفهم، تستوجب كسر العادة بعدم القيام بنشاطات اعتيادية طوال الوقت تُمكِّن الطرف الآخر من رسم خططه على هذا الأساس، وهذا الأسلوب أثبت نجاعته أثناء عملية "عامود السحاب"، وجنّب الجيش الكثير من المشاكل.
وهنا تركز المواقف الإسرائيلية حول ما قالت إنها خطط لحماس للمس بقواتها المتواجدة بالقرب من السياج الأمني، وخطف الجنود عبر الأنفاق، لكن كُل الخطط فشلت بفضل العمل التكتيكي الذي مارسه الجيش، لكنها تحذر أنّ هذا لا يعني بأنها ستنجح دائماً في إحباط هكذا أعمال، ولذلك فالقوات دائماً على أهبة الاستعداد، حتى أنّ درجة التنبيه لخطورة الخطف في القطاع تصل حد التلقين بكيفية التصرف في حال حدوثها.
التهويل الإسرائيلي يصل ذروته في الآونة الأخيرة حين يشير إلى أنّ حماس ستدخل المواجهة القادمة عندما تشعر بالجاهزية فقط، وليس قبل ذلك، ولهذا فهي بحاجة لترميم تشكيلاتها التنفيذية، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى، فمشاكل الأنفاق تلزمها العمل على تعميق قدراتها في التصنيع الذاتي، خاصة صواريخ "8 إنش"، تشبه ما أطلقته تجاه "تل أبيب" والقدس في المعركة الأخيرة.
وهنا تعتبر معظم الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية أنّ الهدوء الحالي في قطاع غزة من شأنه أن ينتهي في أية لحظة، لأنّ المعركة الأخيرة علمتنا أننا لا نعلم متى سنضطر للدخول في معركة؟، ولذلك تم الإعلان بصورة مفاجئة أن فرقة غزة في قيادة المنطقة الجنوبية التابعة للجيش ستجري ولأول مرة في تاريخها تدريباً شاملاً بمشاركة 7 ألوية، وعلى جدول أعمالها محاكاة حرب شوارع في غزة، والطريق إلى هناك ستمر عبر المدن الصهيونية كعسقلان، حيث ستشهد هجوماً لسلاح المشاة والمدرعات.
ولا تفتأ المحافل العسكرية الإسرائيلية من إطلاق التهديدات شديدة اللهجة تجاه غزة، والقول إنه إذا ضربت "إسرائيل" ستضرب غزة، وإذا لم ينم سكان النقب بهدوء، فلن ينعم سكان القطاع بذلك، لأنّ معادلة الجيش هذه الأيام تقضي أن الهدوء سيقابل بالهدوء، وإطلاق الصواريخ سيرد عليه بالصواريخ، مع وجود رد على كل صاروخ يطلق من غزة، وأنّ طبيعة تلك الردود حالياً سطحية حتى لا يصعد الموقف.
وقد أعلنت إسرائيل مؤخرا أن مدى مناورة الجيش داخل أراضي القطاع تقلص بعد الحرب الأخيرة من 300-100 متر فقط، والمرة الوحيدة التي عمل فيها أبعد من ذلك قبل أسبوعين بعد دخوله لتفجير نفق العين الثالثة، وطالما بقيت الأمور هادئة فسيحافظ على تفاهمات الحرب الأخيرة في نوفمبر 2012.
أخيرا..إذا كانت إسرائيل تعتقد ان حماس في غزة مُنشغلة بالعِبر والدروس من الحرب الأخيرة، كي تفهم ما الذي أضر بخططها في المرة الماضية؟، وما الذي بإمكانهم فعله لتجنب ذلك في المرة القادمة؟، فإنّها تجري تدريباتها، وتُطور وسائلها، وتستعد لساعة الصفر، لأنّ هذه لعبة عقول، وفيها يتعلم كل طرف ما الذي يدور في عقل الطرف الآخر، بما في ذلك من أخطاء، في ضوء تعهدها في الآونة الأخيرة بأنّها ستفاجئ العدو في المرة القادمة..وإن سأل القارئ في نهاية المقال عن توقعات كاتب السطور المستقبلية للتطورات على جبهة غزة، فإن الجواب ببساطة: "هنا غزة..حيث الرمال المتحركة"!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية