دور الجامعات في نجدة الأسرى...بقلم : د. عبد الستار قاسم

السبت 08 أكتوبر 2011

دور الجامعات في نجدة الأسرى
د. عبد الستار قاسم


دعم الأسرى الفلسطينيين والعمل على تسريحهم من المعتقلات عبارة عن واجب وطني مقدس، ويجب توظيف مختلف الجهود العامة والخاصة لتحقيق الإفراج عنهم.

تهتم الأمم كثيرا بأسراها على اعتبار أنهم من رواد النضال والكفاح من أجل الحرية والاستقلال، وهم مصدر فخر واعتزاز للناس جميعا، وهم الذين تتوجه نحو مساعدتهم مختلف قطاعات الشعب وفئاتهم، وتعتبر مسألة تحريرهم من أولوياتها سواء كان في ظروف السلام أو ظروف الحرب.

إنهم عنوان أساسي في الصراع ضد الغزاة والمحتلين والمستعمرين، وهم الذين يجعلون فجر الحرية أقرب فأقرب. والأمم التي لا تكترث بمناضليها وأسراها إنما هي التي غابت عنها مشاعر العزة والكرامة، وتفتتت إلى فئات ومصالح خاصة تتغذى في كثير من الأحيان على المصالح العامة.

من علامات الكرامة الفلسطينية التي تشهد على الحياة النابضة للشعب هي الإصرار على سلوك مختلف السبل حتى لا يطول عمر الأسير الفلسطيني في السجون الصهيونية. تشكل هذه العلامات رموزا لمدى حرص الشعب والأحزاب والفصائل الفلسطينية على أبناء الوطن، وتخليصهم من نير الأسر والاعتقال، وتدلل على مدى الالتزام بالقضايا الوطنية والإصرار على انتزاع الحقوق.

وإذا شاء مراقب أن يقيم مدى التزام الفلسطينيين بقضاياهم، فإن أمامه متغير الأسرى كأحد أهم مواضيع الدراسة والبحث التي تعطي نتائج هامة عن هذا الالتزام.

لا تنفصل الجامعات عن الجهود الوطنية في تحرير الأسرى، والعمل على رعايتهم حتى وهم في الأسر. لكل مؤسسة وطنية، ولكل حزب وفصيل واجبات تجاه الأسرى، ولم تتلكأ المؤسسات العلمية عن القيام بدورها بهذا الخصوص في البلدان التي عانت من القهر والاستعباد والاستعمار.

كغيرها من الجامعات، لعبت الجامعات الفلسطينية دورا تجاه الأسرى، ومن المهم أن تعمل على تطويره لتكون عاملا هاما نحو تحريرهم بأقصى سرعة ممكنة من قضبان الزنازين.

مهام أمام الجامعات

بإمكان الجامعات مساعدة الأسرى على عدة محاور ولتحقيق أهداف الرقي بهم علميا والإفراج عنهم سريعا، وألخص هذه المهام بالتالي:

أولا: رعاية الأسرى علميا وهم في الأسر
وذلك بتثقيفهم حول أهمية الحصول على شهادة توجيهي حقيقية، وتحذيرهم من الغش. على الجامعات أن توضح لجميع الأسرى أنها لن تقبل طلابا حاصلين على شهادة التوجيهي وهم في السجون ما لم تؤكد دوائر التربية والتعليم سلامة تقديم الامتحان. في نفس الوقت، تقوم الجامعات بدعم جهود إيصال الكتب اللازمة للأسرى، وتضغط من أجل ترتيب زيارات تعليمية لمدرسين بين الحين والآخر لمساعدة الأسرى في استيعاب الدروس. أي أنه من المطلوب أن تشكل كل جامعة لجنة خاصة بدعم الأسرى علميا، والبحث عن سبل توسيع هذا الدعم بحيث يلتزم بالمعايير العلمية، وبالرقي بالمستوى العلمي للأسرى.

ثانيا: برنامج تأهيل جامعي
من الممكن أن تساهم الجامعات بمساعدة الأسرى من خلال برنامج تأهيل خاص تطوره بهدف وضع المحررين في جو جديد يتناسب مع أجواء التحصيل العلمي وذلك من أجل تطوير قدرات من هو بحاجة قبل الالتحاق بالجامعة.
من المعروف في علم النفس أنه ليس من السهل أن ينتقل المرء من ظروف معينة إلى ظروف جديدة بصورة مفاجئة، ومن الأفضل أن يمر بمرحلة إعداد حتى لا تحصل صدمة نفسية أو اجتماعية أو علمية. مثل هذا البرنامج التأهيلي يساعد المحررين على التدرج في استيعاب المرحلة الجديدة. إنما يجب أن تكون الجامعات واضحة تماما أمام نفسها وأمام الآخرين في القيم العلمية والأكاديمية والأخلاقية التي تتمسك بها.
أي أن الجامعة التي يراعي مدرسوها أقاربهم وأصدقاءهم وأبناء فصيلهم بالعلامات لا تصلح لتقديم معايير لأحد، ولا يصلح منها تطوير برامج استيعابية.
هذا أمر يتطلب من الجامعات إحداث تغيير جوهري في بناها الإدارية والأكاديمية لتكون قدوة ومثلا يحتذى.

ثالثا: تحريض الفصائل
قصرت الفصائل الفلسطينية كثيرا في مسألة العمل الجاد نحو تحرير الأسرى إلى درجة أن أحد القيادات الفلسطينية وصف الأسرى بأنهم شهداء مع وقف التنفيذ؛ على اعتبار أنه ليس بالإمكان إجبار إسرائيل على تسريحهم.

وباستعراض سياسة الفصائل الفلسطينية وسياسة منظمة التحرير الفلسطينية، لا نجد أن من ضمن استراتيجية العمل الفلسطيني المقاوم العمل على تحرير الأسرى، واتباع أساليب ميدانية من أجل النيل من إسرائيل وفرض تسريح الأسرى عليها.

وباستثناء حركة حماس، لا نجد حتى الآن لدى الفصائل الفلسطينية المقاومة أن هناك سياسة محكمة تهدف إلى تحرير الأسرى، وحتى أن سياسة حماس تلاقي الكثير من العثرات. حصلت حالات تبادل أسرى بين الفصائل وإسرائيل في أعوام، على سبيل المثال، 1979، 1983، 1985؛ وحصل تسريح لأسرى على إثر توقيع اتفاقية طابا، وغير ذلك.

لكن هذا التسريح لم يكن ضمن استراتيجية اتبعتها الفصائل، وكانت دائما على هامش العمل العسكري المقاوم. الآن هناك أسير صهيوني بيد حركة حماس، ولا مفر في النهاية أمام إسرائيل إلا الموافقة على التبادل.

من وظائف الجامعات أن تتابع هموم المجتمعات التي تتواجد فيها، ومن المفروض أن الجامعات الفلسطينية في طليعة المؤسسات التي تبحث في الشؤون الفلسطينية وأساليب ووسائل تحرير الأرض واستعادة الحقوق.

فمن المفروض أن تقوم الجامعات بدراسات استراتيجية تبين مواطن قوة الشعب ومواطن ضعفه، ومواطن قوة العدو ومواطن ضعفه، وان تضع التوصيات والحلول المناسبة لما يعتور الشعب من هوان ومشاكل، وما يواجههه من مهمات وأهداف يريد تحقيقها.

لم تتبن جامعاتنا استراتيجيات علمية لتوضح الطريق أمام صناع القرارات بخصوص الأسرى، وعدد المدرسين القادرين على القيام بمهمة التوعية والتوضيح قصروا في أعمالهم، وفضلوا الانزواء. صحيح أن الأمر ينطوي على مخاطر أمنية، لكن لم يكن من الضروري أبدا القيام بمهمات علنية، أو تقديم دراسات على شاشات التلفاز.

الأمم التي تقع تحت نير الاحتلال أو الاستعمار تفضل قضاء حوائجها بالكتمان, قام بعض المدرسين الجامعيين ببعض الدراسات حول المسائل الأمنية وطرق العمل في مواجهة الاحتلال، لكن كان واضحا أن الفصائل ليست مغرمة بالقراءة، وأن القيادات ليست معنية بالبحث العلمي أو بالتفكير العلمي.

لكن هذا لا يمنع من المواصلة، وتقديم المواد العلمية التي يمكن أن تساعد الفصائل الفلسطينية على اتباع الخطوات الميدانية الضرورية للضغط على إسرائيل من أجل تحرير الأسرى.

رابعا: الشرح على المستوى العالمي
الجامعات الفلسطينية مؤهلة تماما لمواجهة العالم بحقيقة النضال الفلسطيني من أجل الحرية والتحرير، وتقع على عاتقها مسؤولية شرح المعاناة الفلسطينية وتوضيح الأسباب التي تدعو الفلسطينيين لمقاومة الاحتلال.

من المفروض ألا تستكين الجامعات لمقولات الإرهاب وأن الفلسطينيين عبارة عن إرهابيين تجب ملاحقتهم، وعليها أن تدافع عن حقوق الناس، وتشرح للعالم مختلف الأوضاع، وألا تستسلم لإرادة الغير في صياغة معاني المفاهيم والمصطلحات.

من عمل الجامعات وأساتذة الجامعات تبيان الحقائق حول مختلف القضايا الفلسطينية ومن ضمنها قضية الأسرى، وأن يوضحوا أن الأسرى عبارة عن أسرى الحرية وليسوا مجرمين ومخربين كما يدعي الصهاينة ومن يؤيدهم من أهل الغرب والعرب.

هناك أسرى على المستوى العالمي يحظون بدعم دول وجمعيات حقوق إنسان، ويجدون من يرافع عنهم من أجل نيل حرياتهم، والجامعات الفلسطينية تستطيع أن تساهم في هذا المضمار من أجل أن يزداد الضغط على إسرائيل.

ومن المؤسف أن جنديا صهيونيا معتديا ويمارس الاحتلال والقتل يحظى على الساحة الدولية بدعم وتأييد في حين أن آلاف المعتقلين الفلسطينيين قلما يجدون من يحمل قضاياهم بجرأة وشجاعة على المستوى الدولي.

في هذا المجال، تستطيع الجامعات تخصيص جناح من مبانيها كمتحف للحركة الأسيرة، تعرض فيه إبداعات الأسرى الفنية والثقافية، وتبين الوجه الحضاري الذي يتميز به المناضلون الفلسطينيون.

أسست جامعة القدس متحفا لمثل هذه الأعمال، لكن هذا لا يعني ألا تقوم الجامعات الأخرى بذات العمل بخاصة أن الزوار من مختلف أنحاء العالم يتقاطرون إلى الجامعات الفلسطينية.

توثيق معاناة الأسرى
تملك الجامعات الفلسطينية الطاقات العلمية المختلفة لمتابعة معاناة الأسرى الفلسطينيين وآلامهم بمنهجية علمية، وذلك من أجل نشر الممارسات الصهيونية ضدهم سواء أثناء التحقيق أو بعد ذلك.

تقوم إسرائيل بممارسات بشعة جدا ضد الأسرى من مختلف الأعمار، وضد الرجال والنساء، ومن المهم أن تتبنى الجامعات تصنيف الممارسات وتوثيقها، ونشرها على المستوى العالمي عبر مختلف وسائل الإعلام. قصرت جامعاتنا فيما يتعلق بالكثير من الأمور المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وبقيت، إلى حد كبير، على الحياد فيما يتعلق بحقوق الأسير الفلسطيني وجرائم الصهاينة ضده.

تدرس بعض الجامعات الفلسطينية مادة حقوق الإنسان، لكن يبدو أنه يغيب عن بال العديد ولو جزئيا أن حقوق الأسير الفلسطيني تقع على رأس الأولويات، وأنها تنتهك من قبل الذين يقولون إنهم يدافعون عن حقوق الإنسان

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية