دولة فلسطينية أم محمية سلام فياض؟!

دولة فلسطينية أم محمية سلام فياض؟! بقلم: لمى خاطر

الجمعة 10 يوليو 2009

دولة فلسطينية أم محمية سلام فياض؟
بقلم: لمى خاطر

كان من أكثر الأمور غرابة التي استرعت انتباه المتابعين للشأن الفلسطيني في خطاب فياض قبل نحو أسبوعين في جامعة القدس – أبو ديس تأكيده أن الدولة الفلسطينية ستقوم (أو ستكتمل) في مدى عامين من الآن كحد أقصى!
 
ومبعث الغرابة كان بالدرجة الأولى ليس تأكيد فياض الكبير وإصراره على أن وعده سيرى النور قبل الموعد المحدد،بل عدم توضيح الرجل للآليات التي ستنتهج لذلك خاصة وأنه في الخطاب ذاته لم يتطرق للمقاومة من قريب أو بعيد كخيار ممكن أو مقبول ولو من باب التلويح الأجوف به كبديل تلقائي لفشل مسار التسوية في حال وصل مشروعه المعبر بالضرورة عن سياسة فتح وفريق المقاطعة إلى طريق مسدود!
 
ورغم أن فياض عقد لقاءً بعد خطابه بأسبوع مع مجموعة من الكتاب والصحفيين المسبحين – في معظمهم – بحمده والمنظرين لسياساته في رام الله ليشرح لهم أبعاد الخطاب ومراميه إلا أنه لم يفلح في الإجابة عن السؤال الكبير الذي ظل قائماً حول شكل وطبيعة دولته الموعودة أو حول السبيل الموصل إليها، خاصة وأن أي عاقل أو جاهل بأبجديات السياسة الفلسطينية بات على قناعة تامة بأن تلك الدولة لا يمكن أن تمنح لفتح فياض نظير جهودها (الجبارة) في ملاحقة المقاومة في الضفة، لأن ثمن التنفيذ الحرفي والاحترافي للالتزامات الأمنية للاحتلال تجبيه فتح رواتبَ وامتيازاتٍ ودعماً للبقاء قوية في الضفة في مواجهة حماس!
 
غير أن كل ذلك الإبهام زال بعد تصريحات فياض خلال مشاركته في مؤتمر حول الشرق الأوسط في أمريكا قبل يومين حين رد على سؤال لرئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية (جيمس ولس) حول مصير المستوطنين في الضفة قائلاً: إن الدولة الفلسطينية الموعودة التي يطمح لها ستستوعب أي يهودي يرغب بالعيش فيها وستتيح له العيش بأمان والتمتع بجميع الحقوق المدنية التي يحظى بها المواطن الفلسطيني!
 
هذا التصريح الخطير جداً لم يكن مجرد زلة لسان، ففياض (مضرب المثل فتحاوياً في المهنية وحسن التخطيط والإدارة) لا يمكن أن يصدر عنه تصريح غير مدروس أو غير معبر عن قناعاته، خاصة حين يقدمه بين يدي صناعه وداعميه!
 
الرجل باختصار قدم الحل الصارخ لإشكالية الاستيطان الصهيوني في الضفة التي تشكل المعيق الأبرز أمام قيام الدولة الفلسطينية، فماذا تريد أشد الحكومات الصهيونية تطرفاً أكثر من مبادرة مجانية تأتيها على طبق من ذهب من فريق المقاطعة وتعفيها من هاجس تفكيك المستوطنات الذي ما انفك يؤرق رموزها، وتجعلها غير مضطرة للحد من التوسع الاستيطاني أفقياً وعموديا؟! بل أكاد أجزم أن مبادرة من هذا الطراز ما كانت لتخطر لها في أحلامها،تماماً كما كانت عمليات تصفية المقاومين في قلقيلية حدثاً فاق أكثر الأحلام الصهيونية وردية كما صرح بعض رموز الكيان! غير أنه يبدو علينا توقع أي شيء في زمن فتح فياض حيث الانحطاط الوطني بلغ مداه على جميع المستويات!
 
المفارقة أن مبادرة فياض الخطيرة تلك جاءت في ظل الإصرار الصهيوني على الاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية كشرط للموافقة على إقامة دولة فلسطينية، وتنامي دعوات طرد فلسطينيي الـ 48 إلى مناطق الضفة الغربية. فإن كانت الرؤية الفتحاوية الجديدة كما عبر عنها فياض ومن قبل قريع بلهجة مشابهة تقضي بقبول المستوطنين الصهاينة في الدولة الفلسطينية ومعاملتهم كرعايا لها يتمتعون بجميع الحقوق المدنية فما الذي أبقاه المفاوض الفلسطيني من أوراق لطرحها على مائدة سيده (وليس نظيره) الصهيوني عندما يحين أوان البت في تفاصيل الحل أو الوضع النهائي؟!
 
هل سيكون التخلي عن القدس عاصمة لتلك الدولة أو التنازل عن حق عودة اللاجئين والقبول بتسوية ترقيعية له أصعب من شرعنة الاستيطان وقبول المستوطنين كرعايا في الدولة الموعودة؟! مع كل ما سيتضمنه ذلك من تبعات تتعلق بأمنهم داخل مستوطناتهم وحقهم في التنقل عبر طرق آمنة، وهو ما سيتناقض مع أبسط معايير السيادة!
 
إن كان من حق فياض أن يروج لمشروعه الساقط وطنياً وأن يحظى بتمجيد فتح له وزمرة الكتاب والإعلاميين الذين تحللوا من أي حس أو اعتبار وطني وباتوا مجرد ملمعين لوجه فياض ومواقفه السياسية والأمنية والإدارية، فلا يحق لفياض (ذي الجلد السميك الذي لا تضيره اتهامات العمالة كما قال بنفسه) ولا للنظام الحاكم في رام الله أن يفرض على الوعي الفلسطيني مسمى الدولة أو (المشروع الوطني) الذي أصبح في عرف قطعان السذج والمنتفعين إلهاً مقدساً يباح دوس كل ما يعترض طريقه، وعلى تلك الزمرة وتحديداً فياض (من باب الصدق مع الذات قبل أي شيء آخر ومراعاة استحقاقات سماكة الجلد) أن تجهر بحقيقة مشروعها، وهو مشروع جاوز حدود العمالة بمراحل وصار القائمون عليه مجرد أدوات لا ترسي فقط دعائم الحلم الصهيوني وتعزف على وتر أكثر السياسات الصهيونية تطرفاً، بل تتبرع كذلك بكفاية الاحتلال مؤونة التفكير بآليات للتراجع عن سياساته العدوانية على الأرض أو حتى الكف عنها..!
 
فهنيئاً ( للفلسطينيين الجدد) بمحمية سلام فياض الموعودة، ولكن عليهم منذ الآن استحداث علم فلسطيني جديد لها ونشيد وطني جديد كذلك يناسب شكلها وقامة قادتها الواطئة، لأن التجديد الشامل في الفكر والسياسة وعلى الأرض يقتضي نزع آخر أقنعة الحياء الوطني والكف عن المتاجرة بفلسطين تحت لوائها الذي خضب بالدماء قبل أن يغدو رمزاً للعملاء والخونة والساقطين!
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية