دولة فلسطين غير العضو.. والذاكرة القصيرة للسلطة!
فراس أبو هلال
في إطار ترويجها المستميت لفكرة التوجه للأمم المتحدة والحصول على صفة ‘دولة غير عضو’ لفلسطين، قالت منظمة التحرير الفلسطينية ـ هل يذكر أحد هذا الاسم بالمناسبة؟- وقالت السلطة، وقال المدافعون عن الفكرة ان هذه الصفة ستمكن الفلسطينيين من الانضمام لمؤسسات أممية ووكالات تابعة للأمم المتحدة، لا يستطيع الفلسطينيون من دون هذه العضوية الانتساب إليها.
وقد أضاف بعض المتحمسين فائدة أخرى من هذه العضوية، وهي أنها ستعطي الفرصة لـ’الدولة’ الوليدة للتوجه إلى مؤسسات حقوقية ومحاكم دولية بهدف تقديم دعاوى ضد جرائم الاحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي قالت مصادر دبلوماسية وإعلامية انه لن يحدث، خصوصا أن بعض الدول التي صوتت لصالح القرار كانت قد اشترطت على الفلسطينيين الامتناع عن التوجه للمحاكم الدولية ضد ‘إسرائيل’ مقابل تصويتها إلى جانبهم.
بالطبع نفت المصادر الفلسطينية هذه ‘المزاعم’ في ذلك الوقت، وأكدت أنها ستحتفظ بحقها باستخدام كل الميزات التي سيحصل عليها الفلسطينيون بعد حصولهم على هذه الصفة، واتهمت من يروجونها بمحاولة الانتقاص من هذا ‘الانتصار الوطني’.
ولكن السلطة الفلسطينية التي يبدو أنها تراهن على ‘الذاكرة القصيرة’ للناس، خالفت هذه التأكيدات وبأسرع مما توقع أكثر الفلسطينيين تشاؤما، وقدمت وعدا للإدارة الأمريكية بعد ستة أشهر من ‘الإنجاز العظيم’ ليس فقط بعدم ملاحقة ‘إسرائيل’ قضائيا، بل حتى بعدم السعي لمجرد الانضمام لمؤسسات ووكالات الأمم المتحدة، بحجة تقديم مبادرات ‘حسن نية’ لواشنطن، ولتأكيد التزام السلطة ‘بإعطاء فرصة لدفع المسيرة السلمية’.
وقد ارتكبت السلطة الفلسطينية بهذا الوعد خطأ مزدوجا، فهي أولا تتخلى عن حق الفلسطينيين وليس حقها كسلطة بالانضمام إلى المؤسسات الدولية، خصوصا أن حصول فلسطين على صفة دولة ‘غير عضو’ صوّر باعتباره انجازا لفلسطين ولشعبها وليس للسلطة، وبالتالي فإن من حق من قيل لهم ان ‘الدولة’ ستعطيهم الفرصة للانضمام إلى المؤسسات الدولية أن يحصلوا على هذه الفرصة، والا يتم التلاعب بحقهم بهذه البساطة وبهذه السرعة وبهذا الثمن.
أما الخطأ الثاني الذي ترتكبه السلطة، فهو استمرارها بالمسار العبثي القائم على تقديم كل ما تملكه من أوراق – قليلة بالأصل- بشكل مجاني ومن دون الحصول على مقابل، إذ أننا إذا تجاوزنا الرفض المبدئي لتخلي السلطة عن حق الشعب الفلسطيني بالمراكمة على ‘إنجاز? الدولة، فإن المطلوب على الأقل أن تمارس قيادة السلطة السياسة والتفاوض بحرفية، بحيث لا تقدم مثل هذه الورقة من دون أن تحصل على ‘تنازلات’ من الجانب الأمريكي أو من جانب دولة الاحتلال.
ومن الواضح أن السلطة تعتقد أن ذاكرة الفلسطينيين لن تسعفهم لتذكر الوعود التي قطعتها عندما قررت التوجه إلى الأمم المتحدة، ولهذا فإنها تقدم على هذه الخطوة من دون وجل، وتضيفها إلى خطوات أقل ما يمكن أن توصف بها أنها مهازل دبلوماسية، كان آخرها إقدام السلطة على سحب مشاريع القرارات التي تقدمت بها لإدانة ‘إسرائيل’ في اليونسكو، ومحاولتها الترويج لسحب هذه القرارات على أنها إنجاز يسجل لصالحها.
وفي إطار الحديث عن المهازل الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية، بل للمجموعة العربية برمتها، لابد أن يذكر هنا أن قرار محكمة لاهاي في عام 2004 بعدم قانونية بناء جدار العزل العنصري، لم تجر له أي متابعة قانونية، ولم يبن عليه بالتوجه إلى الأمم المتحدة مثلا ولا أي مؤسسة من مؤسساتها، فيما لا يزال الفلسطينيون والعرب يذكرون – على خلاف ما تعتقد السلطة – أن تقرير غولدستون الشهير أصبح طي الكتمان هو الآخر.
من نافلة القول ان المسار الدبلوماسي والقانوني لا يعول عليه كثيرا في القضايا المتعلقة بدولة الاحتلال، لأنها تحظى برعاية أمريكية وبمواقف أوروبية مائعة، ولكن هذا المسار يمكن أن يمثل خطوات صغيرة يستطيع الفلسطينيون والعرب أن يبنوا عليها، ليحققوا المزيد من العزلة السياسية على تل أبيب في العالم، وهو من أكثر الأسلحة التي تخشاها ‘إسرائيل’، حسب تصريحات قادتها المتكررة.
ويبقى القول إن السلطة الفلسطينية التي تعلن كل يوم التزامها بالمسار السلمي وبـ’النضال’ الدبلوماسي، لا تترك أي فرصة لتقديم الدليل تلو الآخر على فشلها في هذا المسار، وعلى فقدانها للأدوات ‘الحرفية’ للعمل السياسي التفاوضي، من خلال تقديمها الهدايا المجانية لأمريكا و’إسرائيل’، مراهنة بذلك على ما تعتقد أنه ذاكرة قصيرة للشعب الفلسطيني والعربي، وهو رهان أثبت الثورات الشعبية العربية أنه خاسر بلا شك.
فراس أبو هلال
في إطار ترويجها المستميت لفكرة التوجه للأمم المتحدة والحصول على صفة ‘دولة غير عضو’ لفلسطين، قالت منظمة التحرير الفلسطينية ـ هل يذكر أحد هذا الاسم بالمناسبة؟- وقالت السلطة، وقال المدافعون عن الفكرة ان هذه الصفة ستمكن الفلسطينيين من الانضمام لمؤسسات أممية ووكالات تابعة للأمم المتحدة، لا يستطيع الفلسطينيون من دون هذه العضوية الانتساب إليها.
وقد أضاف بعض المتحمسين فائدة أخرى من هذه العضوية، وهي أنها ستعطي الفرصة لـ’الدولة’ الوليدة للتوجه إلى مؤسسات حقوقية ومحاكم دولية بهدف تقديم دعاوى ضد جرائم الاحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي قالت مصادر دبلوماسية وإعلامية انه لن يحدث، خصوصا أن بعض الدول التي صوتت لصالح القرار كانت قد اشترطت على الفلسطينيين الامتناع عن التوجه للمحاكم الدولية ضد ‘إسرائيل’ مقابل تصويتها إلى جانبهم.
بالطبع نفت المصادر الفلسطينية هذه ‘المزاعم’ في ذلك الوقت، وأكدت أنها ستحتفظ بحقها باستخدام كل الميزات التي سيحصل عليها الفلسطينيون بعد حصولهم على هذه الصفة، واتهمت من يروجونها بمحاولة الانتقاص من هذا ‘الانتصار الوطني’.
ولكن السلطة الفلسطينية التي يبدو أنها تراهن على ‘الذاكرة القصيرة’ للناس، خالفت هذه التأكيدات وبأسرع مما توقع أكثر الفلسطينيين تشاؤما، وقدمت وعدا للإدارة الأمريكية بعد ستة أشهر من ‘الإنجاز العظيم’ ليس فقط بعدم ملاحقة ‘إسرائيل’ قضائيا، بل حتى بعدم السعي لمجرد الانضمام لمؤسسات ووكالات الأمم المتحدة، بحجة تقديم مبادرات ‘حسن نية’ لواشنطن، ولتأكيد التزام السلطة ‘بإعطاء فرصة لدفع المسيرة السلمية’.
وقد ارتكبت السلطة الفلسطينية بهذا الوعد خطأ مزدوجا، فهي أولا تتخلى عن حق الفلسطينيين وليس حقها كسلطة بالانضمام إلى المؤسسات الدولية، خصوصا أن حصول فلسطين على صفة دولة ‘غير عضو’ صوّر باعتباره انجازا لفلسطين ولشعبها وليس للسلطة، وبالتالي فإن من حق من قيل لهم ان ‘الدولة’ ستعطيهم الفرصة للانضمام إلى المؤسسات الدولية أن يحصلوا على هذه الفرصة، والا يتم التلاعب بحقهم بهذه البساطة وبهذه السرعة وبهذا الثمن.
أما الخطأ الثاني الذي ترتكبه السلطة، فهو استمرارها بالمسار العبثي القائم على تقديم كل ما تملكه من أوراق – قليلة بالأصل- بشكل مجاني ومن دون الحصول على مقابل، إذ أننا إذا تجاوزنا الرفض المبدئي لتخلي السلطة عن حق الشعب الفلسطيني بالمراكمة على ‘إنجاز? الدولة، فإن المطلوب على الأقل أن تمارس قيادة السلطة السياسة والتفاوض بحرفية، بحيث لا تقدم مثل هذه الورقة من دون أن تحصل على ‘تنازلات’ من الجانب الأمريكي أو من جانب دولة الاحتلال.
ومن الواضح أن السلطة تعتقد أن ذاكرة الفلسطينيين لن تسعفهم لتذكر الوعود التي قطعتها عندما قررت التوجه إلى الأمم المتحدة، ولهذا فإنها تقدم على هذه الخطوة من دون وجل، وتضيفها إلى خطوات أقل ما يمكن أن توصف بها أنها مهازل دبلوماسية، كان آخرها إقدام السلطة على سحب مشاريع القرارات التي تقدمت بها لإدانة ‘إسرائيل’ في اليونسكو، ومحاولتها الترويج لسحب هذه القرارات على أنها إنجاز يسجل لصالحها.
وفي إطار الحديث عن المهازل الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية، بل للمجموعة العربية برمتها، لابد أن يذكر هنا أن قرار محكمة لاهاي في عام 2004 بعدم قانونية بناء جدار العزل العنصري، لم تجر له أي متابعة قانونية، ولم يبن عليه بالتوجه إلى الأمم المتحدة مثلا ولا أي مؤسسة من مؤسساتها، فيما لا يزال الفلسطينيون والعرب يذكرون – على خلاف ما تعتقد السلطة – أن تقرير غولدستون الشهير أصبح طي الكتمان هو الآخر.
من نافلة القول ان المسار الدبلوماسي والقانوني لا يعول عليه كثيرا في القضايا المتعلقة بدولة الاحتلال، لأنها تحظى برعاية أمريكية وبمواقف أوروبية مائعة، ولكن هذا المسار يمكن أن يمثل خطوات صغيرة يستطيع الفلسطينيون والعرب أن يبنوا عليها، ليحققوا المزيد من العزلة السياسية على تل أبيب في العالم، وهو من أكثر الأسلحة التي تخشاها ‘إسرائيل’، حسب تصريحات قادتها المتكررة.
ويبقى القول إن السلطة الفلسطينية التي تعلن كل يوم التزامها بالمسار السلمي وبـ’النضال’ الدبلوماسي، لا تترك أي فرصة لتقديم الدليل تلو الآخر على فشلها في هذا المسار، وعلى فقدانها للأدوات ‘الحرفية’ للعمل السياسي التفاوضي، من خلال تقديمها الهدايا المجانية لأمريكا و’إسرائيل’، مراهنة بذلك على ما تعتقد أنه ذاكرة قصيرة للشعب الفلسطيني والعربي، وهو رهان أثبت الثورات الشعبية العربية أنه خاسر بلا شك.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية