ربع قرن على تأسيس حماس...ماذا بعد؟!(2/5)
سري سمّور
( 2)مسألة غض الطرف!
هناك مسألة لا بد من إثارتها خاصة أن الإعلام الصهيوني ما زال يعلكها، وهناك أصوات فلسطينية تنساق وتردد نـفس النغمة، إما بدافع المناكفة، أو غير ذلك؛ وهي أن سلطات الاحتلال غضت الطرف عن حماس ولم تـقم بتوجيه ضربة قاضية لها قبل أن تكبر وتتمدد، وذلك بهدف توفير بديل سياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأود أن ألفت النظر أن ثمة أشخاص بسبب هذه القناعة يكنّون لحماس كرها شديدا، وربما اصطدموا مع أنصارها جسديا قبل ربع قرن أو أقل؛وكي لا نبقى ندور في حلقة مفرغة أرى بأن حماس ليست مسئولة عن سوء تـقديرات المؤسسة الصهيونية الأمنية حتى يكون إخفاق هذه المؤسسة وضعف قراءتها للأمور عارا يلاحق حماس، ونـقيصة تستحق الهجاء، فعلى فرض صحة هذا الكلام فالذنب ليس ذنب حماس؛ ومن ناحية أخرى فإن المخابرات الصهيونية حين اندلعت الانتفاضة وانطلقت حماس كانت في حالة إرباك، وقد عابت على إيهود باراك الذي كان على رأس مؤسسة الاستخبارات عدم توقعه لاندلاع الانتفاضة، وقد اعتادت المخابرات ملاحقة خلايا سريّة وناشطين سياسيين لهم ملفات مكتملة نظرا لأن تنظيماتهم عمرها سنين طويلة ولها فروع ومتخصصين لملاحقتها، بعكس تنظيم حماس الوليد، الذي كان يتطلب منهم جهدا وبعض الوقت لتتبلور لديهم فكرة عنه.
والأمر الأهم أن نشطاء حماس لم يسلموا من الملاحقات، وبالنسبة لعددهم وعمر حركتهم فإن وجودهم في السجون منذ البداية على خلفية الانتفاضة وفعالياتها يعتبر ربما أكثر من العادي، مع العلم أن وجود «الجماعة الإسلامية» التي تمثل الاتجاه الإسلامي داخل السجون كان قد بدأ منذ السبعينيات، وقد برز من مؤسسي الجماعة في السجون(إضافة إلى الشيخ أحمد ياسين ورفاقه) الشهيدان نصر جرار وأحمد الجعبري، والنائب المقدسي عن حماس الشيخ محمد أبو طير وغيرهم.
ولا يفوتنا أنه في العام 1988م أبعدت سلطات الاحتلال إلى لبنان كلا من الشيخ محمد صيام و الشيخ خليل القوقا على خلفية النشاط في حماس والانتفاضة، ويعتبر إبعاد رمزين لحركة عمرها أقل من عام ضربة قوية...بالنسبة لإعلام الكيان لن يتوقف حتى آخر رمق عن ترديد هذه المعزوفة السخيفة، ولكن أرجو على المستوى الفلسطيني(والعربي طبعا) الكف عن السير وراء هذا الكلام حفاظا على الموضوعية والمنطق.
(3)إصدار الميثاق
في صيف العام 1988م أصدرت حركة حماس ميثاقها الذي وضحت فيه أفكارها ورؤاها وتصوراتها ومستقبل علاقاتها مع الجميع، ويمكن -لمن أراد- الرجوع لنصوص الميثاق فهي متوفرة الآن وبكثرة، إلا أن نسخة قديمة من الميثاق قرأتها وقتها لفتت نظري لاحقا لأنها تعرّف حماس على أنها «الجناح العسكري للإخوان المسلمين في فلسطين» وقد سألت الأستاذ المرحوم ناجي صبحة أحد قادة العمل الإسلامي في فلسطين عن كون كتائب القسام الجناح العسكري لحماس فهل القسام جناح عسكري لجناح عسكري؟أجابني –رحمه الله- بأنهم في الإخوان لم يكونوا يتصورون أن تحظى الحركة الجديدة بكل هذا التأييد والزخم في الشارع...على كل حال النسخة المعتمدة حاليا لا يوجد بها هذه العبارة، بل تنص المادة الثانية فيها على أن «
حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة، في التصور والاعتقاد، في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع، في القضاء والحكم، في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام، في الغيب والشهادة، وفي باقي مجالات الحياة.»...وبهذه المادة زال كثير من اللغط حول الحركة ومرجعيتها لأنه قيل الكثير في الشارع، فهناك من اعتبر أنها من أذرع المنظمة، وهناك من اعتبرها من أجنحة إيران، وهناك فعلا من عرف أنها تتبع الإخوان المسلمين.
وتوجد مطالبات حاليا بتعديل الميثاق، نظرا لتطور الحركة وتغير الظروف ، ولأن إسرائيل تستغله لتشويه صورة حماس، لدرجة أنها ترجمته إلى عدة لغات من بينها اللغة الصينية، وفوجئت وأنا أحضر لهذا المقال أن موقعا باللغة العربية لوزارة خارجية الكيان ينشر مواد مختارة بهدف تشويه الحركة، وأرى أن الميثاق بحاجة إلى تطوير لا تعديل وأن هناك بعض العبارات والأفكار جاءت تأثرا بنظرية مسئولية اليهود عن كل مشكلات الأرض، وتضخيم لدورهم هم والحركة الماسونية، وقد دحض الراحل د.عبد الوهاب المسيري-رحمه الله- هذه النظرية أو التصور، وحماس وحزب الله يعتمدون كتابات المسيري خاصة موسوعته «اليهود واليهودية والصهيونية» كمرجعية تاريخية وفكرية وسياسية يؤخذ بها، كما أن هناك عبارات كانت صالحة زمن الحرب الباردة التي انتهت، وسآخذ عينة فقط وهي المادة الثانية والعشرين والمندرجة تحت عنوان «القوى التي تدعم العدو» حيث جاء في هذه المادة «خطَّط الأعداء منذ زمن بعيد، وأحكموا تخطيطهم كي يتوصلوا إلى ما وصلوا إليه، آخذين بالأسباب المؤثرة في مجريات الأمور، فعملوا على جمع ثروات مادية هائلة ومؤثرة، سخروها لتحقيق حلمهم، فبالأموال سيطروا على وسائل الإعلام العالمية:
من وكالات أنباء، وصحافة، ودور نشر، وإذاعات، وغير ذلك. وبالأموال فجَّروا الثورات في مختلف بقاع العالم، لتحقيق مصالحهم وجني الثمار، فهم من وراء الثورة الفرنسية والثورة الشيوعية ومعظم ما سمعنا ونسمع عن ثورات هنا وهناك.وبالأموال كوَّنوا المنظمات السرية التي تنتشر في مختلف بقاع العالم، لهدم المجتمعات، وتحقيق مصالح الصهيونية، كالماسونية، ونوادي الروتاري، والليونز، وأبناء العهد وغير ذلك، وكلها منظمات تجسسية هدامة، وبالأموال تمكنوا من السيطرة على الدول الاستعمارية، ودعوها إلى استعمار كثير من الأقطار، لكي يستنزفوا ثروات تلك الأقطار وينشروا فيها فسادهم. وأما عصبة الأمم وعن الحروب المحلية والعالمية حدِّث ولا حرج، فهم من خلف الحرب العالمية الأولى، حيث تم لهم القضاء على دولة الخلافة الإسلامية، وجنوا الأرباح المادية، وسيطروا على كثير من موارد الثروة، وحصلوا على وعد بلفور، وأنشأوا عصبة الأمم المتحدة ليحكموا العالم من خلال تلك المنظمة، وهم من خلف الحرب العالمية الثانية، حيث جنوا الأرباح الطائلة من تجارتهم في مواد الحرب، ومهدوا لإقامة دولتهم، وأوعزوا بتكوين هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بدلاً من عصبة الأمم المتحدة، ولحكم العالم من خلال ذلك وما من حرب تدور هنا أو هناك إلا وأصابعهم تلعب من خلفها».
هنا لا بد من إعادة نظر في هذه المادة؛ فالثورة الفرنسية كانت ضد الظلم والاستبداد، وبهذا نمدح الأعداء إذ نجعلهم وراءها، ونشكك في ثورات العرب الحالية بأنهم وراءها، أما بخصوص قدرتهم على النفاذ إلى المنظمات الدولية فهذا أمر متعلق بضعف قدرة الآخرين فيها، وإجمالا هذه المادة تضخم من حجمهم، ومن قدرتهم على التأثير أكثر مما ينبغي.
إلا أن الدعوة إلى تعديل الميثاق لا تشمل بأي حال المواد التي تنص على أن فلسطين أرض وقف إسلامي ، وألا حق للصهاينة الغزاة فيها من بحرها إلى نهرها، أو الانتقاص من مركزية فكرة الجهاد والمقاومة، وهو ما يطالب به الأعداء، وبعض منتحلي الواقعية السياسية.
وجدير بالذكر أن حماس خطت خطوات كثيرة تعتبر تطويرا غير مكتوب لهذا الميثاق، وبقي تطوير النص المكتوب، نظرا لتطور النهج السياسي.
(4)المعركة الإعلامية
الإعلام معركته لا تـقل عن المعركة العسكرية، بل قد تكون معركته أكثر صعوبة وتعقيدا، مع أن أصوات انفجاراتها الحناجر، ودماءها المداد، وأسلحتها الكاميرات والأقلام وأجهزة الكمبيوتر وغيرها، وقد خاضت حماس المعركة الإعلامية، وكانت البدايات صعبة للغاية؛ فحماس حركة جديدة، ونشأت من حركة الإخوان التي يوجد في المجتمع من يسخر منها ويسمي أفرادها «الإخونجية» كنوع من السخرية والتهكم والازدراء، وإمكانيات حماس المادية في البدايات كانت متواضعة جدا، وأدوات الإعلام ووسائله قبل 25 سنة لم تكن متنوعة وحرّة مثل اليوم، فلم يكن هناك إنترنت، ولا فضائيات، وكان للنصوص المطبوعة هيبتها واحترامها حدّ التصديق من عامة الجمهور، وكان الجمهور الفلسطيني مغرما بمتابعة الإذاعة الإسرائيلية العربية، والعبرية لمن يتقنها، وإذاعات مثل مونت كارلو(كانت مقرّبة جدا من منظمة التحرير)، وإذاعة لندن، ويتابع الجمهور التلفزيون الإسرائيلي بكثافة، والتلفزيون الأردني والسوري؛ وقد لعب التلفزيون الإسرائيلي دورا خبيثا بحيث أنه كان يأتي على ذكر حماس وما تصرّح به وما يصدر عنها، وهذا بالطبع له مردود سلبي، وحاول مرة الإيحاء بأن حماس تقوم بالاعتداء على الكنائس، وقد تصدت حماس لهذا الإدعاء ببيان دعا لمشاركة المسيحيين احتفالاتهم بالعيد بالزيارة والتواصل، وكان واضحا أن التلفزيون الإسرائيلي معني بخلق فتنة بين فتح وحماس، وحماس والجبهات، بأخباره المدروسة من مؤسسة الأمن التي يتبع لها، وتـقاريره الخبيثة؛ وأتذكر مرة تـقريرا بثه برنامج «الأسبوع في ساعة» وكان من أكثر البرامج متابعة محليا عن علاج الأشخاص الذين يتلبسهم الجن، وزعم التقرير أن من أسماهم «متطرفون من حركة حماس» يقومون بهذه المهمة...ومع ذلك كان على قيادة حماس ألا تـقاطع الإعلام الصهيوني لأنها أدركت أن الشعب يتابعه، وأنه يمكن من خلاله شرح بعض الأمور، مع أن هذا الإعلام كان أحيانا يبتر بعض الجمل ويخضع بعض التصريحات للتأويل.
أما الصحافة المطبوعة فهي خاضعة للرقابة العسكرية الصهيونية، وهي إما تابعة أو مقرّبة من خصوم حماس السياسيين، أو تتبع طبقة اجتماعية فلسطينية لها ارتباطاتها بهذه الدولة العربية أو تلك، كما أن عناصر الاتجاه الإسلامي كانوا يتوجهون إلى دراسة الطب والهندسة والعلوم والشريعة، وقليل منهم كان يتجه إلى الصحافة، مما جعل الصحافيين التابعين للحركة قلة، وبعضهم غير مدرب أو غير مختص.
ولهذا حرصت الحركة على إصدار بيان شهري يوضح رأيها في شتى المسائل، ويعلق على، أو ينفي ما تردده وسائل الإعلام، واعتمدت فترة على صحف الحركة الإسلامية في الداخل(صوت الحق والحرية، والصراط) حيث كانت تـقوم بقص صفحات مختارة منها وتعلقها في المساجد وبعض المؤسسات التعليمية، وكان سعرها زهيد عموما، ولكن هذا كان له متاعبه أيضا؛ لأن الشيخ عبد الله نمر درويش(قبل انشطار الحركة) كانت له مواقف مثيرة للجدل، وقد أكد لي الأستاذ ناجي صبحة أنه(درويش) هكذا منذ زمن طويل، وكان له مقال طويل في تلك الصحف، يضاف له لقاءاته المتلفزة المثيرة للحرج الذي كان يصيب حماس أحيانا، ناهيك عن أخبار وتغطيات غير دقيقة وفيها أخطاء كبيرة محرجة، وأحيانا لم يكونوا يغطون أخبارا مهمة لحماس، مثل فوزها في بعض المواقع...وهنا كانت أيضا مجلة «فلسطين المسلمة» التي أشرف على إدارتها وتحريرها آنذاك كل من ياسر الزعاترة وخالد الحروب، وكانت تصدر من لندن، وكانت أكثر رصانة في تغطية الحدث في الضفة والقطاع، ولكن أيضا كانت فيها العديد من الأخبار غير الدقيقة، كما أنها شهرية(عمرها حاليا 30 سنة وما زالت موجودة) والجمهور بحاجة إلى إعلام مستمر يواكب ماكينة الإعلام اليومي المتلفز...على كل كان أكثر ما أفاد حماس من حيث التغطية الإعلامية على مستوى العالم هو الإبعاد إلى مرج الزهور، وهو ما سآتي عليه لاحقا بمشيئة الله...في الجزء الثالث بعون المولى سأناقش الإعلام الحمساوي ما بعد مرحلة التعتيم...يتبع
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية