رفع الحصار بالأفعال لا بالأقوال ... بقلم : د. أيمن أبو ناهية

الأحد 22 ديسمبر 2013

رفع الحصار بالأفعال لا بالأقوال

د. أيمن أبو ناهية

حصار غزة المفروض اليوم على الفلسطينيين جريمة بكل المقاييس، ويُصنف الضعف المصاحب لهذا الحصار، والصمت المؤلم على المستويين الإقليمي والدولي أنه كارثة فوق الكارثة؛ فالجرح النازف، والضعف السياسي، والافتراق الداخلي كل ذلك مدعاة للحسرة والألم.

المشاهد الناطقة داخل القطاع تصور المشهد: مجموعة من النساء والرجال، والشيوخ والشباب، والمرضى والمعوزين يعيشون في ظلام دامس، وشح في المواد الغذائية، ونقص بل انعدام للدواء، جُثث تُحمل، وأخرى تتهاوى، وربما عز الكفن، وأغلقت المقابر، وماذا بعد أن يستصرخ الناس: أنقذونا، ولو بتكفين موتانا، أو بحفر القبور لشهدائنا؟!

فقد قلت في مقال سابق: إن حصار ما يقارب مليوني إنسان بقطاع غزة وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء، فحين يموت الأطفال جوعًا؛ فأي وضعٍ هذا؟!، هل الأموات هناك فقط أم من يصمت حيال هؤلاء هم الموتى؟!

فحين يتدنى سقف المطالب ليصل إلى أكفانِ الموتى أو توفير الأسمنت للمقابر، وحين يصرخ الصغار من قلة الخبز، ويموت المرضى من قلة الدواء، وحين تُبلل دموع الشيوخ الثرى وهم يستصرخون إخوانهم لمد يد العون لهم، ويتحسرون على مستقبل أبنائهم وبناتهم؛ فتلك كارثة ربما لم يشهد التاريخ مثلها، وحين تغرق غزة وتنهار المنازل على رؤوس أصحابها و(...) و(...)؛ فتلك مؤشرات على قرب انفجار لا يعلم نهايته إلا الله.

فدعوة مجلس وزراء الخارجية العرب التي أطلقوها في بيان صدر في ختام الاجتماع الطارئ للمجلس، الذي عقد بمقر الجامعة العربية السبت الماضي، إلى رفع الحصار المفروض على قطاع غزة للعام السابع على التوالي؛ هي من باب رفع العتب من الناحية الأخلاقية إزاء ما أصاب قطاع غزة من أضرار جسيمة جراء المنخفض الجوي.

إنه الحصار الظالم، ومنطقة الكوارث من الدرجة الأولى في غزة الصامدة، فيمكن أن نقول كل شيء عن حصار غزة، لكن ماذا يمكن أن نُقدم على صعيد الواقع للمحاصرين؟، هكذا يكون التحدي، وهذا هو الذي يقلق العدوَ الغاشم.

إننا الأمة العربية نستطيع أن نعمل ونتحرك باتجاهات متعددة، على الصعيد الرسمي، والشعبي، وعلى صعيد الإغاثة، والإعلام، وعلى أصعدة إصلاح الجبهاتِ وسد الثغور، وبناء المستقبل، ومد الجسور، نستطيع أن نصنع من المحن منحاً، ومن الآلام آمالاً، ومن الظلمات نوراً، ومن الموت حياة، ومن الخوف أمنًا.

إن هذه المآسي توقظ الهمم، وتستدعي رصيدَ الأخوة، فكم من غارق في همومه الشخصية فجاءت هذه الكوارث لتوقظ فيه حمية الدين وتشعره بالولاء للمؤمنين!، وهذا مكسب، وكم من مخدوع بأبجديات الغرب، ومكوناته الثقافية وقيمه الحضارية من دعاوى: (الحرية والديمقراطية، ومحكمات العدل، ومجلس الأمن (...) وغيرها)؛ فجاءت هذه المآسي لتمحوها من الذاكرة، وتثبت إرهابَ، وظلمَ، وجور، ولا إنسانية هؤلاء القوم، ولتقود قيمَ حضارتِهم "المزعومة" إلى مزبلة التاريخ وإلى غير رجعة!، فكم تهيئ هذه المصائب والمحن من فرصٍ لوحدة الصف العربي، والفلسطيني خص نص، واجتماعِ الكلمة، وتجاوزِ الخلافات والاتهامات، لاسيما أن الأشقاء يصبحون ويمسون على عدو مشترك لا يفرق بين راية "فتحية" و"حماسية" وغيرها!

لكنها المرحلية في التنفيذ والأفعال لا الأقوال، فالدول العربية بمقدورها أن تصنع شيئاً لهذا الحصار، فهو لا يمس غزة فقط بل يتأثر به كل الجوار العربي؛ فهو يهدد مستقبلهم ويعكر عليهم أمنهم، ويضعف هيبتهم، وإذا أعطوا بيدٍ شيئاً من المكاسبِ للآخرين فلابد أن يأخذوا ثمنَه أو يزيد باليدِ الأخرى، وإذا كان للغرب مصالح عندهم ينبغي أن يُلوحوا بهذه المصالح، حين يُهدد إخوانُهم وجيرانُهم بالموتِ البطيء.

إن الأمة العربية بقادتها، وبهيئاتها، ومنظماتها قادرة على صُنع شيء بل أشياء إزاء هذا الحصارِ الظالم، ولا حاجة لاستدعاء منظماتِ الغرب والطوافِ بها لحل المشكلةِ وفك الحصار، ومن يأمن الذئب على غنمه؟!، ومن يتحاكم إلى قاضٍ هو الخصمُ والحكم؟ !

وإن الإعلامَ العربي له دور كبير ويستطيع أن يصنع الرأي العام، ويحرك المشاعر، ويضبط المسار، فلا نريد إعلامًا هابطًا، إعلاماً يرقص ويغني والأمة تنزف جرحاً، أو إعلاميين لا تعنيهم قضايا الأمة، ولا مستقبل مقدساتها؛ فأولئك أرقام هامشية في إعلام الأمة، وأولئك نسوا الله، ومن نسي الله نسيه الله.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية