روح الشهيد جرادات وقود انتفاضة الأسرى
د. أيمن أبو ناهية
إن استشهاد الأسير عرفات جرادات على أيدي أجهزة الاستخبارات "الشين بيت" الإجرامية في سجن مجدو، حيث تعرض لتعذيب شديد -حسب نتائج التشريح الأولية- ظهرت آثاره على أطرافه ورقبته ووجهه وعموده الفقري وآثار دموية حول فمه وأنفه، وليس إثر نوبة قلبية كما تدعي سلطات الاحتلال، هو مؤشر خطير على حياة باقي الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون ومعتقلات الاحتلال، وقد فاجأنا استشهاد الأسير جرادات بعد أسبوع من اعتقاله، وكنا نعتقد أن حياة الأسرى المضربين عن الطعام هي التي في خطر دائم، ومتوقع استشهادهم في أي لحظة، نظراً لسوء حالتهم الصحية بسبب إضرابهم المفتوح عن الطعام احتجاجًا على سياسة القمع التي تنتهجها مصلحة السجون ومعاملتها السيئة للأسرى.
فالأسير جرادات، لم يكن هو الشهيد الأول ولا الشهيد الأخير في إحصائيات شهداء التعذيب في السجون الإسرائيلية، فقد سبقه قائمة طويلة من الأسرى الذين استشهدوا في سجون الاحتلال نتيجة للتعذيب القاسي والمميت، فمنذ العام 1967 وحتى اليوم استشهد 203 شهداء، عدد كبير منهم (39 أسيراً) استشهدوا في الفترة ما بين 1967 وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى في عام 1987، ونذكر منهم الشهداء عون العرعير ومحمد الخواجا وخليل أبو خديجة، فيما استشهد 23 شهيداً خلال الانتفاضة الأولى حتى منتصف عام 1994 منهم خضر الترزي وإبراهيم الراعي وعطية الزعانين ومصطفى العكاوي وخالد الشيخ علي، و6 شهداء منهم استشهدوا في الفترة ما بين منتصف عام 1994 حتى نهاية عام 2000، ونذكر منهم الشهيدين عبد الصمد حريزات ومعزوز دلال، وهناك المئات أيضاً استشهدوا بعد التحرر نتيجة لآثار السجن والتعذيب أي أنهم خرجوا من السجون جثثاً تتحرك، وأموات لا تقدر على السير.
وعلى صعيد المعايير الدولية التي يحظر بموجبها التعذيب، هنالك العديد من النصوص الصريحة والواضحة بهذا الشأن والتي جاءت على شكل إعلانات أو قرارات أو اتفاقيات، فأول هذه الإعلانات هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نصت المادة الخامسة منه صراحة على أنه: "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الإحاطة بالكرامة".
فسلطات الاحتلال تمثل حالة فريدة من حيث ممارسة التعذيب قانوناً ما بين دول العالم، بحيث لا يوجد دولة أخرى في العالم تشرع التعذيب سوى "إسرائيل"، فقامت بتشريع التعذيب بتاريخ 8 نوفمبر 1987 فيما صادق الكنيست الإسرائيلي على التوصيات الواردة في تقرير لجنة لنداو العنصرية. وابتداء من عام 1996 أصدرت محكمة العدل العليا واللجنة الوزارية التابعة لشؤون المخابرات مجموعة قرارات تعطي فيها الضوء الأخضر لجهازي "الشين بيت" و"الشاباك" باستخدام التعذيب، وهناك أكثر من 77 أسلوب تعذيب يمارس ضد المعتقلين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ونادراً أن لا يتعرض من يعتقل لأحد أشكال التعذيب مع الملاحظة أن عدداً كبيراً من الأسرى يتعرضون لأكثر من نوع من أنواع التعذيب في آن واحد، حيث إن (99%) من المعتقلين تعرضوا للضرب، فيما (92%) منهم تعرضوا للوقوف لمدة طويلة، و(89%) تعرضوا للشبح، فيما (68%) وضعوا في الثلاجة، بالإضافة لأساليب التعذيب الأخرى ومنها أسلوب الهز العنيف، والشبح المتواصل بأشكال مختلفة، وإسماع الموسيقى الصاخبة، والحرمان من النوم، وغرف العملاء، والضرب المؤلم، والتعذيب باستخدام الماء البارد، والتعذيب النفسي، والعزل، والوقوف فترات طويلة، والحشر داخل ثلاجة، والضرب والصفع على المعدة، وتكبيل اليدين والقدمين سوية على شكل موزة، والحرمان من الطعام، والحرمان من النوم … الخ.
وليس كل من تعرض للتعذيب نجا من الموت ليحدثنا عما تعرض له، لكن هناك الكثير مِمَن نَجوا تحدثوا وبمرارة عما تعرضوا له، وهناك من لا يزالون متأثرين من ذلك رغم مرور سنوات طوال على تحررهم ولا يتسع المجال هنا للحديث عن تلك التجارب والمعاناة. فكثيرة هي الأدلة والأمثلة التي من الممكن أن نسوقها ونذكرها والتي تثبت تورط الاحتلال الإسرائيلي وجهاز مخابراته باستخدام أبشع أنواع وصور التعذيب.
ومن اللافت للنظر أن إقدام سلطات الاحتلال على هذه الجريمة النكراء بقتل الأسير الشهيد جرادات، ما هي إلا لإحباط معنويات الأسرى المضربين عن الطعام، وكسر إرادتهم الوطنية كي تجعل منه عبرة لهم ولذويهم كي يفكوا إضرابهم، وهي أيضا رسالة إلى الرئيس الأمريكي أوباما قبل مجيئه إلى المنطقة، كي تفهمه بأنها تنتهج نفس سياسة بلاده ضد السجناء العراقيين والأفغان في سجون "أبو غريب" و"غونتنامو"، كما هي ورقة ضغط على السلطة كي تساومها لابتزازها من جديد بما يتعلق بربط الإفراج عن أموال الضرائب والعودة إلى سابق عهده من المفاوضات، لإفشال المصالحة. لكن ما تفاجأ به الاحتلال أنه بمثل هذه الصور البشعة لم ينل شيئاً من عزيمة وصمود الأسرى، وعلى السلطة أن "لا تمشي على استحياء" ولا تنجر وراء أكاذيب وألاعيب الاحتلال ومساوماته الباخسة خوفا من تفجير انتفاضة الأسرى التي انطلقت شرارتها الأولى.
د. أيمن أبو ناهية
إن استشهاد الأسير عرفات جرادات على أيدي أجهزة الاستخبارات "الشين بيت" الإجرامية في سجن مجدو، حيث تعرض لتعذيب شديد -حسب نتائج التشريح الأولية- ظهرت آثاره على أطرافه ورقبته ووجهه وعموده الفقري وآثار دموية حول فمه وأنفه، وليس إثر نوبة قلبية كما تدعي سلطات الاحتلال، هو مؤشر خطير على حياة باقي الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون ومعتقلات الاحتلال، وقد فاجأنا استشهاد الأسير جرادات بعد أسبوع من اعتقاله، وكنا نعتقد أن حياة الأسرى المضربين عن الطعام هي التي في خطر دائم، ومتوقع استشهادهم في أي لحظة، نظراً لسوء حالتهم الصحية بسبب إضرابهم المفتوح عن الطعام احتجاجًا على سياسة القمع التي تنتهجها مصلحة السجون ومعاملتها السيئة للأسرى.
فالأسير جرادات، لم يكن هو الشهيد الأول ولا الشهيد الأخير في إحصائيات شهداء التعذيب في السجون الإسرائيلية، فقد سبقه قائمة طويلة من الأسرى الذين استشهدوا في سجون الاحتلال نتيجة للتعذيب القاسي والمميت، فمنذ العام 1967 وحتى اليوم استشهد 203 شهداء، عدد كبير منهم (39 أسيراً) استشهدوا في الفترة ما بين 1967 وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى في عام 1987، ونذكر منهم الشهداء عون العرعير ومحمد الخواجا وخليل أبو خديجة، فيما استشهد 23 شهيداً خلال الانتفاضة الأولى حتى منتصف عام 1994 منهم خضر الترزي وإبراهيم الراعي وعطية الزعانين ومصطفى العكاوي وخالد الشيخ علي، و6 شهداء منهم استشهدوا في الفترة ما بين منتصف عام 1994 حتى نهاية عام 2000، ونذكر منهم الشهيدين عبد الصمد حريزات ومعزوز دلال، وهناك المئات أيضاً استشهدوا بعد التحرر نتيجة لآثار السجن والتعذيب أي أنهم خرجوا من السجون جثثاً تتحرك، وأموات لا تقدر على السير.
وعلى صعيد المعايير الدولية التي يحظر بموجبها التعذيب، هنالك العديد من النصوص الصريحة والواضحة بهذا الشأن والتي جاءت على شكل إعلانات أو قرارات أو اتفاقيات، فأول هذه الإعلانات هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نصت المادة الخامسة منه صراحة على أنه: "لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الإحاطة بالكرامة".
فسلطات الاحتلال تمثل حالة فريدة من حيث ممارسة التعذيب قانوناً ما بين دول العالم، بحيث لا يوجد دولة أخرى في العالم تشرع التعذيب سوى "إسرائيل"، فقامت بتشريع التعذيب بتاريخ 8 نوفمبر 1987 فيما صادق الكنيست الإسرائيلي على التوصيات الواردة في تقرير لجنة لنداو العنصرية. وابتداء من عام 1996 أصدرت محكمة العدل العليا واللجنة الوزارية التابعة لشؤون المخابرات مجموعة قرارات تعطي فيها الضوء الأخضر لجهازي "الشين بيت" و"الشاباك" باستخدام التعذيب، وهناك أكثر من 77 أسلوب تعذيب يمارس ضد المعتقلين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ونادراً أن لا يتعرض من يعتقل لأحد أشكال التعذيب مع الملاحظة أن عدداً كبيراً من الأسرى يتعرضون لأكثر من نوع من أنواع التعذيب في آن واحد، حيث إن (99%) من المعتقلين تعرضوا للضرب، فيما (92%) منهم تعرضوا للوقوف لمدة طويلة، و(89%) تعرضوا للشبح، فيما (68%) وضعوا في الثلاجة، بالإضافة لأساليب التعذيب الأخرى ومنها أسلوب الهز العنيف، والشبح المتواصل بأشكال مختلفة، وإسماع الموسيقى الصاخبة، والحرمان من النوم، وغرف العملاء، والضرب المؤلم، والتعذيب باستخدام الماء البارد، والتعذيب النفسي، والعزل، والوقوف فترات طويلة، والحشر داخل ثلاجة، والضرب والصفع على المعدة، وتكبيل اليدين والقدمين سوية على شكل موزة، والحرمان من الطعام، والحرمان من النوم … الخ.
وليس كل من تعرض للتعذيب نجا من الموت ليحدثنا عما تعرض له، لكن هناك الكثير مِمَن نَجوا تحدثوا وبمرارة عما تعرضوا له، وهناك من لا يزالون متأثرين من ذلك رغم مرور سنوات طوال على تحررهم ولا يتسع المجال هنا للحديث عن تلك التجارب والمعاناة. فكثيرة هي الأدلة والأمثلة التي من الممكن أن نسوقها ونذكرها والتي تثبت تورط الاحتلال الإسرائيلي وجهاز مخابراته باستخدام أبشع أنواع وصور التعذيب.
ومن اللافت للنظر أن إقدام سلطات الاحتلال على هذه الجريمة النكراء بقتل الأسير الشهيد جرادات، ما هي إلا لإحباط معنويات الأسرى المضربين عن الطعام، وكسر إرادتهم الوطنية كي تجعل منه عبرة لهم ولذويهم كي يفكوا إضرابهم، وهي أيضا رسالة إلى الرئيس الأمريكي أوباما قبل مجيئه إلى المنطقة، كي تفهمه بأنها تنتهج نفس سياسة بلاده ضد السجناء العراقيين والأفغان في سجون "أبو غريب" و"غونتنامو"، كما هي ورقة ضغط على السلطة كي تساومها لابتزازها من جديد بما يتعلق بربط الإفراج عن أموال الضرائب والعودة إلى سابق عهده من المفاوضات، لإفشال المصالحة. لكن ما تفاجأ به الاحتلال أنه بمثل هذه الصور البشعة لم ينل شيئاً من عزيمة وصمود الأسرى، وعلى السلطة أن "لا تمشي على استحياء" ولا تنجر وراء أكاذيب وألاعيب الاحتلال ومساوماته الباخسة خوفا من تفجير انتفاضة الأسرى التي انطلقت شرارتها الأولى.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية