سيناء.. الخاصرة الضعيفة لمصر وغزة و(إسرائيل)
د. عدنان أبو عامر
تخرج هذه السطور إلى حيز النور، وقد عدت من سيناء بعد أن علقت لأسبوع في الأراضي المصرية، وتم إنهاء حادثة خطف جنود الجيش المصري بعملية عسكرية تخللها تفاوض مع الخاطفين.
وهو ما يجعلني في طريق خروجي من غزة متجهاً لمصر، في كل رحلة أسافر فيها، أتأمل في شبه جزيرة سيناء الممتدة على مساحة أكثر من 60 ألف كم2، وتمثل 6% من مساحة مصر، ويسكنها 554 ألف نسمة، وتمتلك حدوداً على البحرين المتوسط والأحمر وقناة السويس وخليج العقبة، وتلقب بـ"أرض الفيروز".
لكن الخاصية الأكبر التي تجذب أي مار لهذه المنطقة الشاسعة الفراغ الجغرافي الملموس، مع تجمعات سكنية متناثرة هنا وهناك من القبائل البدوية، تعيش ظروفاً اقتصادية غاية في القسوة، مما يدفع أبناءها للعمل في مجال التهريب والمخدرات والأسلحة، وأخيراً العمليات المسلحة المعادية للدولة.
• المنطقة الرخوة
بعض التقديرات في مصر ترى أن اتفاقية "كامب ديفيد" كان لها دور كبير بتحويل سيناء لمنطقة بعيدة عن سيطرة الدولة، لأنها منعت تسليح الجيش فيها، مما أفسح المجال لدخول عناصر أجنبية إليها، وزاد الأمر خطورة عقب الثورة، وسقوط مبارك، بحيث تراخت قبضة الدولة كثيراً، مقابل زيادة نفوذ المجموعات المسلحة والقبائل البدوية، ولذلك صدرت دعوات متكررة في الأشهر الأخيرة بتعديل الاتفاقية مع (إسرائيل).
تزداد المطالبات بعد أن شهدت سيناء منذ اندلاع الثورة في يناير 2011، العديد من الحوادث الأمنية التي استهدفت الجنود المصريين تارة، و(إسرائيل) تارة أخرى، وتهريب بعض المسلحين إلى غزة تارة ثالثة، مما دفع جميع الأطراف لمنح هذه المنطقة "الرخوة" أهمية أمنية خاصة، ورعاية استخبارية من طراز خاص.
على الصعيد المصري، وقعت عمليات متتابعة كالهجوم على قسم العريش والأمن المركزي والقوات الدولية وحوادث خطف وقتل الجنود في رفح، في منطقة ذات طبيعة جغرافية معقدة تساعد منفذي العمليات على الاختباء والتخفي بسهولة، مما دفع بالدولة للزج بقوات عسكرية معززة كبيرة من الجيش، وعدم الاكتفاء بالدوريات الأمنية والوحدات الشرطية، وإلا تحولت إلى منطقة مستباحة، كما أعلن مجدي بسيوني مساعد وزير الداخلية الأسبق.
وما يجعل سيناء من المناطق الأكثر سخونة في مصر من الناحية الأمنية، بجانب طبيعتها الجغرافية، قربها من حدود (إسرائيل)، مما يعني أن الخبرة العملياتية للجيش تجعله بحاجة لتنفيذ عملية متواصلة مؤلّفة من جمع معلومات استخباراتيّة، واعتقال المطلوبين، ونشاطات تنفيذيّة وهجوميّة لإحباطها.
• خيارات (إسرائيل)
(إسرائيل) من جهتها لا تبدو أقل تضرراً من حالة التسيب الأمني الحاصلة في سيناء، نظراً لاقترابها اللصيق بها، ووجود مدن أساسية مثل إيلات على مشارفها، ومرافق سياحية عديدة، مما يجعلها أكثر قلقاً من الناحيتين الأمنية والعسكرية.
فقد أكد رئيس الهيئة الأمنية والسياسية في وزارة الدفاع "عاموس غلعاد" ضرورة التنسيق الأمني مع مصر لضبط الوضع الأمني بسيناء، لأن الحوادث الأمنية المتكررة فيها تعيد للأذهان المخاطر الكامنة من حالة عدم الاستقرار التي تسود المنطقة، واصفاً المجموعات المسلحة المتواجدة هناك بامتلاك معلومات استخبارية دقيقة، وكفاءة عملياتية، وجاهزية عسكرية عالية.
وقد دأبت (إسرائيل) على تحذير مصر بأنها إن لم تقم ببسط سيطرتها على سيناء في القريب العاجل, فستجد نفسها في وضع يشابه برميلاً من البارود، لأن نشاطات التنظيمات المسلحة قد تؤدي لزعزعة الأوضاع في الدولة بكاملها، داعية إياها لنشر قوات كوماندو داخلها، وسمحت بنشر 7 فرق عسكرية، وعدم الاكتفاء بنشر رجال شرطة وجنود عاديين.
ورغم ذلك، هناك قناعات سائدة لدى أوساط في (إسرائيل) بأن الجيش المصري لن يتمكن من ضبط سيناء، أو السيطرة عليها، وما يفعله الآن عمليات محدودة استعراضية، ولن يتجاوز عملية موضعية عابرة، سرعان ما تذهب بطريقها، ويبقى الوضع الأمني كما هو، لأن لديها خبرة سنوات طويلة في مكافحة الخلايا الفلسطينية، والحرب ما زالت مستمرة، دون أن يوجه أي منهما للآخر الضربة القاضية!
لكن الأمر الجدير بالتوقف في غمرة الانشغال المصري بضبط الوضع الأمني في سيناء، ما أعلنته وزارة الداخلية المصرية عن كشف شبكة تجسس تعمل في ذات المنطقة لصالح (إسرائيل).
وهو ما دفع بهيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية للإعلان عن إحباط أكثر من 10 مخططات مسلحة معادية في سيناء خلال الأشهر الأخيرة، بما فيها إطلاق صواريخ أو تنفيذ عمليات، بعد أن كانت توصف إلى أمد قريب بـ"جنة عدن الساحرة"، ويتدفق إليها عشرات آلاف الإسرائيليين.
ومع ذلك، فإن خيارات (إسرائيل) في التعامل مع سيناء، قد لا تخرج عن ثلاثة: إما ترك الحدود الجنوبية مع مصر في يد الجماعات المسلحة، ما يعني تحول سيناء إلى جبهة ساخنة تستنزفها مثل قطاع غزة، أو دعم الجيش المصري لفرض سيطرته على سيناء، رغم تشكيكها بنجاحه التام، وربما التدخل عسكريًّا في سيناء لفرض الأمن بنفسها، بما قد يتضمن إعلان وفاة معاهدة السلام مع مصر، وهو ما يعني هدية مجانية للإخوان المسلمين وحماس والجماعات الجهادية! وكلها كما نرى خيارات مكلفة وذات ثمن فادح.
فور فوز حماس في الانتخابات التشريعية التي شهدها شهر يناير 2006 ، قررت (إسرائيل) إغلاق الخطوط التي تمر عبرها الإمدادات إلى غزة، مما اضطر الحركة للبحث عن منافذ تجارية ومالية وعسكرية بديلة، ولذلك أقامت علاقات وطيدة مع بدو سيناء الغاضبين من إهمال الدولة لهم، وقد أكدت حماس أكثر من مرة رغبتها بفرض الأمن في سيناء.
لكن ما يخيف حماس فعلاً أن تزايد الحوادث الأمنية في سيناء يمنح فرصة لخصومها بتوجيه الاتهام لها بسبب الأنفاق على الحدود مع غزة، ولذلك جاء رد الفعل الأولي فور اختطاف الجنود المصريين السبعة قيام العشرات من الضباط والعساكر المصريين بإغلاق معبر رفح، ومنع الآلاف من الفلسطينيين من مغادرة غزة أو العودة إليها، وهو ما تراه حماس عقاباً للفلسطينيين على شأن مصري داخلي.
أخيراً..فإن سيناء التي تعيش هذه الأيام ظروفاً أمنية غاية في التوتر، وانتشاراً عسكرياً مصرياً غير مسبوق، ستبقى ساحة لتعارض مصالح كل القوى على أرضها، وعدم استعدادها للقبول بحلول وسط، فالبدو لن يرضوا مرة أخرى بتهميشهم، الحكومة لن تقبل مطالبهم الانفصالية، وحماس ترفض إغلاق أبواب سيناء التي تمثل شريان الحياة الوحيد لها، و(إسرائيل) لا تستطيع تأمين حدودها لقطاع تحكمه حماس ودولة يقودها الإخوان!
د. عدنان أبو عامر
تخرج هذه السطور إلى حيز النور، وقد عدت من سيناء بعد أن علقت لأسبوع في الأراضي المصرية، وتم إنهاء حادثة خطف جنود الجيش المصري بعملية عسكرية تخللها تفاوض مع الخاطفين.
وهو ما يجعلني في طريق خروجي من غزة متجهاً لمصر، في كل رحلة أسافر فيها، أتأمل في شبه جزيرة سيناء الممتدة على مساحة أكثر من 60 ألف كم2، وتمثل 6% من مساحة مصر، ويسكنها 554 ألف نسمة، وتمتلك حدوداً على البحرين المتوسط والأحمر وقناة السويس وخليج العقبة، وتلقب بـ"أرض الفيروز".
لكن الخاصية الأكبر التي تجذب أي مار لهذه المنطقة الشاسعة الفراغ الجغرافي الملموس، مع تجمعات سكنية متناثرة هنا وهناك من القبائل البدوية، تعيش ظروفاً اقتصادية غاية في القسوة، مما يدفع أبناءها للعمل في مجال التهريب والمخدرات والأسلحة، وأخيراً العمليات المسلحة المعادية للدولة.
• المنطقة الرخوة
بعض التقديرات في مصر ترى أن اتفاقية "كامب ديفيد" كان لها دور كبير بتحويل سيناء لمنطقة بعيدة عن سيطرة الدولة، لأنها منعت تسليح الجيش فيها، مما أفسح المجال لدخول عناصر أجنبية إليها، وزاد الأمر خطورة عقب الثورة، وسقوط مبارك، بحيث تراخت قبضة الدولة كثيراً، مقابل زيادة نفوذ المجموعات المسلحة والقبائل البدوية، ولذلك صدرت دعوات متكررة في الأشهر الأخيرة بتعديل الاتفاقية مع (إسرائيل).
تزداد المطالبات بعد أن شهدت سيناء منذ اندلاع الثورة في يناير 2011، العديد من الحوادث الأمنية التي استهدفت الجنود المصريين تارة، و(إسرائيل) تارة أخرى، وتهريب بعض المسلحين إلى غزة تارة ثالثة، مما دفع جميع الأطراف لمنح هذه المنطقة "الرخوة" أهمية أمنية خاصة، ورعاية استخبارية من طراز خاص.
على الصعيد المصري، وقعت عمليات متتابعة كالهجوم على قسم العريش والأمن المركزي والقوات الدولية وحوادث خطف وقتل الجنود في رفح، في منطقة ذات طبيعة جغرافية معقدة تساعد منفذي العمليات على الاختباء والتخفي بسهولة، مما دفع بالدولة للزج بقوات عسكرية معززة كبيرة من الجيش، وعدم الاكتفاء بالدوريات الأمنية والوحدات الشرطية، وإلا تحولت إلى منطقة مستباحة، كما أعلن مجدي بسيوني مساعد وزير الداخلية الأسبق.
وما يجعل سيناء من المناطق الأكثر سخونة في مصر من الناحية الأمنية، بجانب طبيعتها الجغرافية، قربها من حدود (إسرائيل)، مما يعني أن الخبرة العملياتية للجيش تجعله بحاجة لتنفيذ عملية متواصلة مؤلّفة من جمع معلومات استخباراتيّة، واعتقال المطلوبين، ونشاطات تنفيذيّة وهجوميّة لإحباطها.
• خيارات (إسرائيل)
(إسرائيل) من جهتها لا تبدو أقل تضرراً من حالة التسيب الأمني الحاصلة في سيناء، نظراً لاقترابها اللصيق بها، ووجود مدن أساسية مثل إيلات على مشارفها، ومرافق سياحية عديدة، مما يجعلها أكثر قلقاً من الناحيتين الأمنية والعسكرية.
فقد أكد رئيس الهيئة الأمنية والسياسية في وزارة الدفاع "عاموس غلعاد" ضرورة التنسيق الأمني مع مصر لضبط الوضع الأمني بسيناء، لأن الحوادث الأمنية المتكررة فيها تعيد للأذهان المخاطر الكامنة من حالة عدم الاستقرار التي تسود المنطقة، واصفاً المجموعات المسلحة المتواجدة هناك بامتلاك معلومات استخبارية دقيقة، وكفاءة عملياتية، وجاهزية عسكرية عالية.
وقد دأبت (إسرائيل) على تحذير مصر بأنها إن لم تقم ببسط سيطرتها على سيناء في القريب العاجل, فستجد نفسها في وضع يشابه برميلاً من البارود، لأن نشاطات التنظيمات المسلحة قد تؤدي لزعزعة الأوضاع في الدولة بكاملها، داعية إياها لنشر قوات كوماندو داخلها، وسمحت بنشر 7 فرق عسكرية، وعدم الاكتفاء بنشر رجال شرطة وجنود عاديين.
ورغم ذلك، هناك قناعات سائدة لدى أوساط في (إسرائيل) بأن الجيش المصري لن يتمكن من ضبط سيناء، أو السيطرة عليها، وما يفعله الآن عمليات محدودة استعراضية، ولن يتجاوز عملية موضعية عابرة، سرعان ما تذهب بطريقها، ويبقى الوضع الأمني كما هو، لأن لديها خبرة سنوات طويلة في مكافحة الخلايا الفلسطينية، والحرب ما زالت مستمرة، دون أن يوجه أي منهما للآخر الضربة القاضية!
لكن الأمر الجدير بالتوقف في غمرة الانشغال المصري بضبط الوضع الأمني في سيناء، ما أعلنته وزارة الداخلية المصرية عن كشف شبكة تجسس تعمل في ذات المنطقة لصالح (إسرائيل).
وهو ما دفع بهيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية للإعلان عن إحباط أكثر من 10 مخططات مسلحة معادية في سيناء خلال الأشهر الأخيرة، بما فيها إطلاق صواريخ أو تنفيذ عمليات، بعد أن كانت توصف إلى أمد قريب بـ"جنة عدن الساحرة"، ويتدفق إليها عشرات آلاف الإسرائيليين.
ومع ذلك، فإن خيارات (إسرائيل) في التعامل مع سيناء، قد لا تخرج عن ثلاثة: إما ترك الحدود الجنوبية مع مصر في يد الجماعات المسلحة، ما يعني تحول سيناء إلى جبهة ساخنة تستنزفها مثل قطاع غزة، أو دعم الجيش المصري لفرض سيطرته على سيناء، رغم تشكيكها بنجاحه التام، وربما التدخل عسكريًّا في سيناء لفرض الأمن بنفسها، بما قد يتضمن إعلان وفاة معاهدة السلام مع مصر، وهو ما يعني هدية مجانية للإخوان المسلمين وحماس والجماعات الجهادية! وكلها كما نرى خيارات مكلفة وذات ثمن فادح.
فور فوز حماس في الانتخابات التشريعية التي شهدها شهر يناير 2006 ، قررت (إسرائيل) إغلاق الخطوط التي تمر عبرها الإمدادات إلى غزة، مما اضطر الحركة للبحث عن منافذ تجارية ومالية وعسكرية بديلة، ولذلك أقامت علاقات وطيدة مع بدو سيناء الغاضبين من إهمال الدولة لهم، وقد أكدت حماس أكثر من مرة رغبتها بفرض الأمن في سيناء.
لكن ما يخيف حماس فعلاً أن تزايد الحوادث الأمنية في سيناء يمنح فرصة لخصومها بتوجيه الاتهام لها بسبب الأنفاق على الحدود مع غزة، ولذلك جاء رد الفعل الأولي فور اختطاف الجنود المصريين السبعة قيام العشرات من الضباط والعساكر المصريين بإغلاق معبر رفح، ومنع الآلاف من الفلسطينيين من مغادرة غزة أو العودة إليها، وهو ما تراه حماس عقاباً للفلسطينيين على شأن مصري داخلي.
أخيراً..فإن سيناء التي تعيش هذه الأيام ظروفاً أمنية غاية في التوتر، وانتشاراً عسكرياً مصرياً غير مسبوق، ستبقى ساحة لتعارض مصالح كل القوى على أرضها، وعدم استعدادها للقبول بحلول وسط، فالبدو لن يرضوا مرة أخرى بتهميشهم، الحكومة لن تقبل مطالبهم الانفصالية، وحماس ترفض إغلاق أبواب سيناء التي تمثل شريان الحياة الوحيد لها، و(إسرائيل) لا تستطيع تأمين حدودها لقطاع تحكمه حماس ودولة يقودها الإخوان!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية