شهداء الأرقام! ... بقلم : صلاح حميدة

الخميس 31 مايو 2012

شهداء الأرقام!

صلاح حميدة


أن تكون تحت الاحتلال فأنت بالنّسبة له رقم فقط، أنت منزوع الانسانيّة، لست إلا مخلوقاً له رقم، وعندما ينظر إليك فمن خلال تزايد ولاداتك بالأرقام، وتصاب جولدامائير – رئيسة وزراء الاحتلال السّابقة - بالعصبيّة والحزن عندما ترى كلّ يوم أرقام مواليد الفلسطينيين، وتبني دولة الاحتلال جداراً لسجن الفلسطينيين داخله خوفاً من أرقامهم المتصاعدة في أرضهم، وفي القدس والدّاخل الفلسطيني تنظر دولة الاحتلال للفلسطيني كأرقام متصاعدة ترعب ساستها في صحوهم ونومهم، وإذا كان الفلسطيني في سجون الاحتلال فهو أيضاً رقم، وعليه أن ينسى اسمه ويبقى رقماً إلى أن يخرج من السّجن ذو الجدران إلى السّجن الأكثر رحابة تحت الاحتلال مع أهله وذويه وعائلته الأكبر، الشّعب الفلسطيني، لا يعيش إنسانيّته إلا مع رفقائه في المعاناة، ومن يتعاطفون معه، وباختلائه بنفسه في عزل السّجن، أو بوَصلَة من التّفكير، أو بنضاله ضدّ الاحتلال ليكون إنساناً كامل المواصفات وله تلك الحقوق الّتي أقرّتها الشّرائع السّماويّة والقوانين الأرضيّة، والتي يحوّلها الاحتلال إلى كابوس بمحاولاته المستمرّة لتحويله إلى كائن بلا إرادة يحمل رقم، فالفلسطيني بنضاله ومقاومته للاحتلال يعبّر ويدافع عن إنسانيّته.

عنصريّة الاحتلال تلاحق الفلسطيني حتّى في موته، فالفلسطيني عندم يستشهد أثناء مقاومته للاحتلال، أو في مجزرة مدبّرة منه يختطَف جثمانه ويدفن إمّا في أماكن مجهولة، أو في ما يسمّى بمقبرة الأرقام في منطقة الغور الفلسطيني شمال مدينة بيسان المحتلّة، وسياسة الدّفن بهذه الطّريقة ملازمة لتصرّف الاحتلال منذ مجازر عام 1948م، فشهداء مجزرة دير ياسين لا يعرف مكان دفنهم بدقّة حتّى الآن، ولم يحظوا بدفن لائق من قبل ذويهم، ولا يزال الاحتلال يرفض كشف ما جرى بحقّهم وهم أحياء وبعد أن قتلهم، بل هناك الكثير من المفقودين والمقتولين من الفلسطينيين والعرب الّذين لا يعرف مصيرهم ولا أين دفنوا، وتتجاوز ممارسات الاحتلال العنصريّة تجاه شهداء وموتى العرب والفلسطينيين إلى مقابرهم، حيث تستهدف مقابرهم وتنبش ويقام مكانها شوارع وساحات ومؤسّسات، في استهتار واضح بآدميّتهم وكرامتهم.

تمّ احتجاز مئات جثامين شهداء المقاومة الفلسطينيّة منذ عشرات السّنوات من قبّل الاحتلال، وكان يتمّ الإفراج عنهم من خلال تبادل الأسرى، أو من خلال مبادرات نتاج لضغوطات دوليّة وحقوقيّة أو لتنفيس الاحتقان عندما يحدث انسداد سياسي، وكان هؤلاء الشّهداء معتقلين في " مقبرة الأرقام" حيث الفلسطيني "رقم" وهو حيّ وهو ميّت "رقم" كذلك، ولا يعتبر إنساناً في نظر الاحتلال، ويهدف الاحتلال من خلال ذلك لإشفاء الغليل من الشّهداء الّذين قاوموه، والتّلذّذ برؤية أهاليهم يتألّمون لعدم دفنهم أبنائهم بعد استشهادهم، ويسعى كذلك لإيصال رسالة لمقاومين آخرين بإمكانيّة احتجاز جثامينهم عند مقاومتهم له إذا استشهدوا، بل هناك من يبقى غير معروف المصير، ويخبر أهله أنّه سيتم تسليم جثمان إبنهم لهم، ومن ثمّ يتراجع الاحتلال عن التّسليم، ويبقي على غموض وضع هؤلاء الشّهداء هل هم أحياء أم شهداء؟ وهل اعتقلوا أحياء ثمّ قتلوا تحت التّعذيب في ما يطلق عليه "المعتقل السّرّي"، حيث يعذّبون وتجرى عليهم تجارب من قبل خبراء في علم النّفس وفي الأسلحة الكيماويّة والبيولوجيّة، كما يتكَهَّن بعض المهتمّين بالشّأن الفلسطيني، مثل الأخوين عادل وعماد عوض الله من مدينة البيرة والمناضلين أنيس ورمزي من قرية عين عريك قضاء رام الله، وكذلك ما جرى مع أحد الشّهداء الّذين تمّ تسليمهم حديثاً من مدينة نابلس، الّذي كان الاحتلال ينفي وجوده حيّاً أو ميّتاً، وفجأة يعلن الاحتلال أنّه سيسلّمه لأهله في هذه الدّفعة شهيداً.

يعامل الاحتلال - منذ وطئت أقدامه أرض فلسطين - الفلسطينيين بعنصريّة ويتعامل مع مشاعرهم ومطامحهم وآمالهم وأمنياتهم باستعلاء وساديّة، ولكنّ الشّعب الفلسطيني أثبت بصموده وصبره أنّ هذه السّياسة لم ولن تؤدّي غرضها بكسر إرادته الهادفة لنيل الحرّيّة والتّحرّر من الاحتلال، وإن كان ثبت شيء من سياسة " ترقيم الفلسطيني" فهوّ أنّ الشّعب الفلسطيني أثبت لكل المتآمرين والمعادين والمتخاذلين أنّه هو "الرّقم الصّعب" الّذي لم ولن يستطيعوا هضم حقوقه وتجاوزها أحد.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية