صخرة إسرائيل وصخرة إنجلترا
أمجد عرار
في مارس/آذار من العام الماضي كشفت الأجهزة الأمنية في لبنان منظومة تجسس "إسرائيلية" متطورة في محيط قرية قريبة من الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. غرابة الخبر حينها لم تكمن في الكشف بحد ذاته، إذ إن الغبي والمأجور وراعي "عنزة ولو طارت" هم فقط من يظنّون أو يحاولون دفن الحقيقة الجازمة القائلة إن "إسرائيل" لا تعمل ليلاً ونهاراً لمد أصابعها في أي مكان تصل إليه للتجسس والتخريب والقتل وشحن الفتنة ومساعدة "أبطالها".
كان وجه الغرابة في شكل عملية التجسس، إذ تبيّن أن المنظومة كانت عبارة عن شكل مموّه لصخرة احتوت على تقنية شاملة للتجسس مرتبطة بطائرات استطلاع تلتقط الصور مباشرة منها. حينها، أبدى كثيرون استغرابهم، وربما إعجابهم، بما ظنوا أنها تقنية متطورة مبتكرة في التجسس، وتجاهلوا، بقصد أو من دونه، التقنية المضادة التي مكّنت المقاومة والأجهزة اللبنانية من كشفها وغيرها من الوسائل وشبكات الجواسيس الذين تم كشفهم وزجهم في السجن لمحاكتهم. ولو غاب الغطاء الطائفي البغيض لرأينا المزيد من عمليات الكشف عن هذه الحثالة وأساليبها.
مهما يكن من أمر، فهناك مستجد طازج يطرح فرضية منطقية بأن "إسرائيل" سرقت الفكرة ولم تكن صاحبتها، إذ إن مسؤولاً سابقاً في الحكومة البريطانية اعترف قبل يومين بأن بلاده تجسّست على روسيا بوساطة صخرة وهمية كانت تحتوي على معدات إلكترونية. لكن المسؤول البريطاني اعترف أيضاً أن موسكو كشفت أمر الصخرة و"غرشت" عنها إلى أن جاء الوقت المناسب لتكشف أن دبلوماسيين بريطانيين استخدموا تلك الوسيلة لتلقي المعلومات ونقلها، وأيضاً لتنظيم عملية تمويل وتوجيه الحركات التي تلبس ثوب الديمقراطية وحقوق الإنسان في روسيا التي كانت "حملاً وديعاً" بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأصبحت مستبدّة عندما تململت لتعيد للعالم توازنه المفقود.
وعندما أنشأت موسكو قانوناً يقيّد حصول المنظمات غير الحكومية الروسية على التمويل من حكومات أجنبية، كان مصير العديد من تلك المنظمات الإغلاق، سواء لعدم انطباق مواصفاتها مع القانون، أو بالإغلاق الذاتي باعتبار أن العديد منها مجرد وسائل للارتزاق والتغطية على نشاطات أخرى مأجورة، سواء في روسيا أو في غيرها، والشواهد أكثر من أن تعد وتحصى، مهما كابر وعاند أصحاب ربطات العنق والحقائب الأنيقة.
ليس هناك ما يدل على ارتباط بين صخرة "إسرائيل" في لبنان وصخرة إنجلترا في روسيا، لكن من نافل القول والاستنتاج إن الأم الأولى لهذا الكيان تزوّده بوسائل القتل والتجسس إلى جانب أمريكا، مثلما زوّدته فرنسا بأسلحة الدمار الشامل، ويصمت العالم كذلك على جرائمها ويحرم الفلسطينيين من حقوقهم.
التجسس ظاهرة قديمة تتطور مع التكنولوجيا، وليس هناك أي احتمال لتوقّفها، وهي إحدى ثوابت الصراع السياسي والاقتصادي والأمني طالما كان في هذا العالم قوى تسعى إلى النفوذ والسيطرة والاستعمار، وتجد ضعاف نفوس من اللاهثين وراء المال والمكاسب والمناصب، وطالما هناك قوى تقاومها وترفض الخنوع وتسف الثرى على أن تبيع نفسها وتتحوّل إلى مماسح مراحيض للأجنبي.
وإذا كان المستعمر يلجأ إلى تمويه وسائله في صخرة، فإن هناك من يملكون إرادة أصلب من الصخرة، وعيوناً أقوى من الرادار، وقرون استشعار تكتشف أحابيل المحتلين والمستعمرين وأدواتهم الرخيصة، حتى لو تمكّنت تلك الأدوات من الاختباء خلف وسائل التمويه من صخور وأقلام ومنظمات وهمية وشعارات براقة، لأن شعاع الحقيقة وشمس الوطن قادران على إذابة الثلج ليظهر ما تحته ولو بعد حين.
صحيفة الخليج الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية