ظئر رؤوم خيرٌ من أمٍ سئوم
بقلم : المهندس الأسير وصفي قبها
كثيرة هي الأمثال الشعبية في مجتمعنا الفلسطيني التي تتردد في العادة على أقلام الكتاب والباحثين وعلى ألسنة المتحدثين حيث تشيع هذه الأمثال بين الناس بصورها البلاغية المختلفة ليتم توظيفها للتعبير عن المواقف ووجهات النظر بصورة مختصرة وبأقل الكلمات عدداً .
إن هذه الأمثال تأتي كأقوال مأثورة أو حكم سائرة ومتداولة ، وهي ثمرة لتجارب متراكمة داخل المتجمعات وخبرة طويلة في الحياة ، وهي تعبير عن مواقف وأحداث فيها من العبر بحيث يُستَدل بها في مواقف أخرى مشابهو وتشكل منارات يهتدي بها الناس في حياتهم اليومية ، ولا شك أن هذه الأمثال وبما تعبر عنه توضح وتفسر ما خفي وغمض من المدلولات ، لذلك تجيء هذه الأمثال خلاصات لتجارب كثيرة ومتشبعة وشاملة لتوظف وتسلط الضوء على الجوانب الغامضة من المواقف لتكشفها على حقيقتها لذلك فهي مصابيح وشموع التجربة المجتمعية وكل مجتمع ينفرد بأمثاله التي تميزه وتنبع من قيمه وعاداته وتقاليده ، وقد تكون هناك أمثال تتقاطع بين المجتمعات في مساحات مشتركة من التجربة الحياتية حتى ولو تمَّ تقديمها بصيغة أو صورة بلاغية مختلفة ويمكن أن تتبادل المجتمعات وتوظف أمثال بعضها البعض .
ومن الأمثلة المتداولة في مجتمعنا الفلسطيني " ظئر رؤوم خيرٌ من أمٍ سئوم " وهذا المثل الذي يضرب في عدم الشفقة وقلة الاهتمام ، والظئر هي المُرضع وليس شرطاً أن تكون أمَّاً ، وجمعها أظار ، والرؤوم هي صيغة المبالغة من رائِم ( جمعها روائِم ) والتي تعني المحبة والعاطفة على الرضيع ، وفي نفس السيان يُقال رَئِمَ الجرح إذا انضم والتأم بعد أن يعالجه ويداويه حتى يبرأ ويلتئم ، وعندما تَرئٍمُ الأنثى ولدها عندما تحبه وتعطف عليه وتكفله بالرعاية والعناية وهي في هذه الحالة رؤوم .
أما على النقيض من ذلك فكلمة سَئيمَ الشيء : سآمه : ملَّ الشيء ، فهو سئيم وهي سَئيمة ، أسأمه ، أملَّه ، وصيغة المبالغة سؤوم وهو من يبلغ منه السؤم والجفاء وعدم الاهتمام والحرص مبلغاً بفقد العطف والحنان والحب والرعاية والعناية .
أسوق هذا المثل وأنا أتابع الكثيرين من كوادر وقيادات الأخوة في حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح ، وهم يتحدثون عن أنهم " أم الولد " في إشارة على حرصهم على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أكثر من غيرهم وتحديداً حماس ، وهنا لا بد من الإشارة أن الأمومة عقب ميلاد عسير قد تجعل الأم على مفترق طريق ومنعطف خطير وخاصة أن الأمومة لها استحقاقات وعلى الأم واجبات تجاه رضيعها وولدها ، فالحب والعطف والحنان والرعاية وسعة الصدر وتفهم حاجات الولد ، والسهر عليه عندما يصيبه مغص أو مرض ، وتوفر له الرضاعة الطبيعية ومن صدرها وعلى مدار سنوات الرضاعة المطلوبة والمستحقة ، وأن لا تلجأ إلى الحليب الصناعي كبديل لحليب صدرها الأمر الذي قد تخالطه بعض الملوَِثات التي تؤثر سلباً على صحة الولد ، وتؤثر أيضاً على نموه الطبيعي فترافقه على مدار سنوات عمره أمراض قد تكون مستعصية تؤدي بحياته .
ومن يتابع القضية الفلسطينية وفصائل العمل الوطني واهتماماتها وتضحياتها وما تقدمه لشعبها وقضيته ، وتحمله من هموم والآم ، يدرك حقيقة من هي أم الولد الحقيقية ، ولو افترضنا جدلاً أن حركة فتح هي أم الولد وأقرتَّ لها حماس بذلك ، فالسؤال الذي يطرح نفسه ما طبيعة هذه الأم وكيف تتعامل مع ولدها ؟
إن فتح هي الأم السئوم التي تركت الولد وهجرته وتخلت عنه لأنها لم توفر له الرضاعة الطبيعية والعناية المطلوبة والمتابعة المستحقة بل ذهبت بعيداً عنه لتعيش حياتها الخاصة وتغرق في عالم الامتيازات الشخصية وفي عالم المال والأعمال والترف الدنيوي في إطار الأنا الشخصية والأنا التنظيمية الفتحاوية التي يعبر عنها بعض كوادرها وبعنجهية وعجرفة لا تليق بهم كمناضلين ، وكأنه لا يوجد في الساحة الفلسطينية غير فتح ، هذه العنجهية وهذه الأنا تتجاهل دور الإخوان المسلمين في الجهاد وقبل ميلاد فتح ، وأن العشرات من المؤسسين وممن التحق بفتح جاءوا من محاضن الإخوان ولأسباب تتعلق بظروف العمل والملاحقة ، فأبو جهاد أبو إياد أبو يوسف النجار وكمال عدوان وغيرهم وغيرهم والرئيس الراحل أبو عمار يدركون فضل الإخوان عليهم ، هذه الحركة والجماعة التي خرجت من رحمها حماس ، لم نسمع أحد يعاير فتح أين كنتم عام 1948 ؟ ولم نسمع أحد من الإخوان المسلمين يعاير فتح بأن ميلادها وانطلاقتها جاءت متأخرة ، كما يتبجح البعض ويعاير حماس أن انطلاقتها جاءت متأخرة ، ويتجاهل انجازات حماس الجهادية خلال مسيرتها والتي فاقت غيرها من الفصائل مجتمعة والمقام لا يساعد على التفصيل .
إن فتح وبعقليتها الاقصائية والاستئصالية لا تؤسس لمصالحة وطنية ولا تؤسس لشراكة فلسطينية حقيقية ، فالشعب الفلسطيني يريد من يعامله بحنان وعطف الأم ، يريد من يرحمه ويخفف عنه ظلم الاحتلال الذي يقترف بحقه الجريمة تلو الأخرى ، الشعب الفلسطيني يريد من يدافع عنه ويحميه من الاحتلال ، لا من ينسق لملاحقة المجاهدين والمناضلين ، فهل حقاً تجسد فتح التي يستند على جدارها الحكومة والسلطة في الضفة الغربية وأجهزتها الأمنية " أم الولد " في الوقت الذي تشكل فتح 95% من مؤسسات الحكومة والسلطة وأجهزتها الأمنية سواء كانوا كادر أو عناصر أو مؤيدين ، حيث يتم استبعاد وإقصاء كل من هو غير فتحاوي عن المؤسسات والأجهزة ، هذه هي الحقيقة ، فأين الأم التي تتمتع بالمهنية والشفافية والموضوعية ، أين هذه الأم عن العدالة والمساواة بين أبناء الشعب الذي تدعي أمومته ؟ أين هذه الأم عندما تختفي من الشوارع وتُخلي الساحة لقوات الاحتلال الإسرائيلي لتعتقل وتقتل وتهدم وهي مكتوفة الأيدي ؟ بل ما هذه الأم التي تقوم بنفس الدور الذي يقوم به الاحتلال حيث تكمل المهمة بالملاحقة والاعتقال والتعذيب الذي وصل إلى حد الموت في بعض الحالات ؟ أين حرصها على الشعب الفلسطيني ؟ فإذا سلمنا مكرهين للأمر الواقع بأن هناك حكمة لعدم الاصطدام مع الاحتلال وتبرير الاختباء والاختفاء أمام ظهوره في الشوارع الفلسطينية ، فهل من الحكمة أن تلاحق فتح وسلطتها أبناء الشعب الفلسطيني والتضييق عليهم حياتهم وتلاحقهم بالاعتقال والتحقيق والتعذيب الذي وصل حد الموت ؟ هل هذه هي الأمومة ؟.
فهل الأمومة أيها الأخوة في فتح أن تنتظر أجهزة الأمن التي غالبيتها من فتح على المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي لتعتقل المجاهدين المفرج عنهم من سجون الاحتلال وقبل أن تكتمل فرحة الأهل بهذا الإفراج ؟ هل الحنان والعطف أيها الأخوة أن تَُسْقى الأمهات والأطفال من أبناء الشعب الفلسطيني من نفس الكأس التي يسقيهم منها الاحتلال ؟!!.
هل الأمومة أن يتنقل الأسرى المحررين من جمر الاحتلال إلى نار السلطة ، ومن فرحة الإفراج التي لم تكمل إلى جحيم التحقيق والتعذيب ! لماذا أيها القادة ؟ أين أنتم يا أم الولد ؟ لماذا كتب على ابن حماس أن ينتقل من سجن إلى سجن ومن قيد إلى قيد ؟ لماذا الاستيلاء والسيطرة على مؤسسات المتجمع المدني ؟ لماذا مصادرة أموال الأخر الفلسطيني ؟ لماذا مصادرة سلاح المقاومة ؟ هل الحجة عدم تكرار ما حصل في غزة !؟ ومن هو المسئول عن ما حصل في غزة ؟ .، لماذا الحكم على النتائج والحالات بعيداً عن الأسباب والظروف التي أدت إلى ما أدت إليه ؟ من الذي خلق أجواء الكراهية والحقد في الساحة الفلسطينية ؟.
إن أم الولد هي التي تهتم بأمن الجميع دون تمييز على أساس الانتماء السياسي ، إن أم الولد التي توفر الحماية للجميع وتتعامل معهم على قدم المساواة .
أم الولد أيها الأخوة في فتح لا تحرك الأخر الفلسطيني من حقه بالحصول على وظيفته ومصدر رزقه بكرامة ، أم الولد لم تفصلين الموظفين وتقصيهم وتحرمهم من مصدر رزقهم لمجرد شبهة الانتماء لحماس ، أم الولد لا تمنع الراية الخضراء والسوداء الموشحة بلا إلا الله محمد رسول الله ، فحتى الأسرى المحررون من سجون الاحتلال تُداهَمّ سُرادِنَ استقبال التهاني وتصادر مظاهر الفرح من رايات خضراء وسوداء ، هذا إذا حالفهم الحظ ولم يتم اعتقالهم واختطافهم عن المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال .
أم الولد أيها السادة لا تلتقي القيادة الإسرائيلية الجولة تلو الأخرى في ظل تغوَّل الاستيطان فَيَستغِل الاحتلال ذلك كغطاء سياسي وأخلاقي أمام العالم دون أن يحرك ساكن كما كان يحصل في اللقاءات مع أولمرت وليفين .. ومن العجب أن تظهر أم الولد لتحملِّ الانقسام مسئولية الاستيطان ، أما خمسة عشر عاماً من المفاوضات العبثية فلا علاقة لها بالاستيطان ، فمصادرة أراضي جبل أو غنيم على سبيل المثال وإقامة مستوطنة ما يطلق عليها ( هارحوماه ) من وجهة نظر الأم سببه الانقسام ، هكذا تبرر أم الولد ، ومن حق الشعب أن يسأل ماذا فعلت أم الولد على مدار سنوات المفاوضات العجاف ؟! هل فككت وأُزيلت المستوطنات فجاءت حماس لتعيدها للاحتلال ليعاد بناؤها من جديد ؟ هل أقيمت الدولة المستقلة فجاءت حماس لتنقلب وتعيدها للاحتلال ؟ هل أطلق سراح الأسرى جميعاً ، فأعادت حماس اعتقالهم من أجل سواد عيون الاحتلال وأمنه ؟ هل عاد اللاجئون من الشتات والمنافي فتدخلت حماس لتشردهم مرة أخرى ، وهنا نسأل أين فتح واتفاقاتها فيما يتعلق بمعبدي كنيسة المهد ؟ .
يمكن لفتح أن تحمل حماس كل ما تريد ، وأن تجعل منها شماعة في وسائلها الإعلامية وفي خطابها ، وأن تتنكر للحقائق والوقائع ، وأن تغمض عينيها عن ما يجري حولها ، بل بإمكان فتح أن تدفن رأسها في الرمال كالنعامة ، لكن الولد قد قرر ومن خلال صناديق الاقتراع من هي أمَّه ، لقد أكدت فحوصات الحامض النووي الوطني ومن خلال صناديق الاقتراع في البلديات والتشريعي أن حماس هي الأم الرؤوم ، حماس هي الظئر الرؤوم ، أما من يصر على الإبقاء على المئات من أبناء الشعب الفلسطيني في سجونه هو الذي تنكر للولد ويعمل على تعميق الجرح ، وإن من يحرم أبناء الشعب الفلسطيني من حقه بالحصول على وثائق السفر هو من يعمل على زيادة الكراهية ، إن من يحارب حماس لأنها حماس ومهما كانت حجته ، فهي حجة واهية ، هو الذي يشوه موازييك النسيج الوطني الفلسطيني .
إن الحضن الدافئ ، هو حضن الأم الرؤوم والظئر الرؤوم وليس حضن الأم السئوم بحقدها الأعمى والدفين ، فلو عاد سليمان عليه السلام واحتكمت حماس وفتح إليه لتحديد من هي أم الولد ، فأنا على يقين تام أن حماس هي أم الولد بحنانها وعطفها وصدرها وحضنها الدافئين ، هي أم الولد بعطائها وتضحياتها وصبرها رغم الحصار الذي يساهم فيه القريب والبعيد ، هي أم الولد لأن العالم كل حاصرها وهذا دليل صدق أمومتها للولد ، بقي هناك دليل آخر أن فتح هي أم الولد ، فإذا ما افترضنا جدلاً أنها أم الولد ، فإنها أم سئوم وأن حماس هي الظئر الرؤوم ، والمثل يقول : ظئر رؤوم خير من أم سئوم .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية