عباس بين مسارين كلاهما مسدود
نقولا ناصر
تبدو دبلوماسية مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية تتخبط سياسياً هذا الأسبوع بين مسارين عربي وأميركي كلاهما مجرب ومسدود، يلتقيان على هدف تحريك المفاوضات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنهما لا يتقاطعان ولا حتى يسيران في خطين متوازيين، بل يبدو المسار الأميركي منهما وكأنما يستهدف استباق وإجهاض المسار الذي أقرته قمة الدوحة العربية الأخيرة قبل أن ينطلق، بينما يبدو مفاوض المنظمة كأنما هو منحاز إلى المسار الأميركي، بالرغم من أن التجربة التاريخية الحديثة قد أثبتت عقم المسارين كليهما.
إذ من المقرر وصول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى دولة الاحتلال مساء اليوم السبت ليلتقي الرئيس محمود عباس غدا الأحد في العاصمة الأردنية عمان التي سوف يغادرها عباس بعد ذلك إلى الدوحة لحضور اجتماع اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية التي ستبحث تنفيذ قرار القمة العربية الأخيرة بإرسال وفد عربي برئاسة قطر إلى العواصم الأميركية والأوروبية وغيرها بالإضافة إلى الأمم المتحدة ل"إقناعهم" بالتحرك ل"إقناع" دولة الاحتلال باستئناف المفاوضات الثنائية مع مفاوض منظمة التحرير.
ولا يفوت المراقب هنا ملاحظة أن زيارة كيري الجديدة هي الثالثة له خلال أسبوعين، ما حدا بتقرير للأسوشيتدبرس يوم الأربعاء الماضي إلى تشبيهها ب"دبلوماسية المكوك" التي انتهجها سلفه الأسبق هنري كيسنجر التي قادت قبل ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن إلى معاهدة الصلح مع دولة الاحتلال فأخرجت مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بمعاهدة ما زالت تنتقص من سيادتها على أرضها حتى الآن، ولا يفوته كذلك المقارنة بين الاستباق الأميركي لقمة الدوحة وبين الاستباق الأميركي لاجتماع لجنة المتابعة العربية هذا الأسبوع بزيارات مماثلة، وسط مؤشرات إلى أن مفاوض منظمة التحرير قرر اختيار المسار الأميركي على المسار العربي.
فاختلاف عباس المعلن مع قرار قمة الدوحة بعقد قمة عربية مصغرة للمصالحة الفلسطينية بقيادة مصر لا يمكن فصله عن انفتاح مسار أميركي يغنيه عن جهود أي وفد عربي لإقناع الولايات المتحدة باستخدام مساعيها الحميدة لدى دولة الاحتلال لتحريك المفاوضات. وفي هذا السياق لا يفوت المراقب كذلك ملاحظة أنه بينما كان "الإنجاز الحقيقي الوحيد" لزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة للمنطقة هو تطبيع العلاقات التركية مع دولة الاحتلال وبدء عملية "مصالحة" بينهما، كما كتب سفير سريلانكا السابق في واشنطن ايرنست كوريا في مقال له مؤخرا، فإن المسار الأميركي الذي فتحه أوباما ويتابعه كيري لمفاوض المنظمة قد تحول عمليا إلى السبب الرئيسي في المماطلة في تنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية وفي عدم التجاوب مع قرار قمة الدوحة بعقد قمة عربية مصغرة لهذا الغرض.
ولأن المقال الذي نشره سفير فلسطين في العاصمة الأميركية، معن رشيد عريقات، في الثاني من الشهر الجاري لا يمكنه إلا أن يكون تعبيرا عن الموقف الرسمي للمنظمة، فإن التقييم الايجابي الذي منحه لنتائج زيارة أوباما الأخيره رسالة واضحة بانفتاح مفاوض المنظمة على المسار الأميركي، ف"عملية تطبيع العلاقات قد بدأت" بين إدارة أوباما وبين قيادة المنظمة "نتيجة للزيارة"، و"الانتظار لم يعد خيارا" لاستئناف المفاوضات والتوصل إلى سلام في ضوء الاضطرابات التي تجتاح "الشرق الأوسط"، و"هذا هو ما ينوي عمله وزير الخارجية جون كيري خلال الأسابيع القليلة المقبلة"، وبناء عليه، وبعد أن ذكر عريقات بإنشاء لجنة ثنائية أميركية – فلسطينية في تسعينيات القرن العشرين الماضي كانت تجتمع مرتين سنويا قبل أن تتوقف اجتماعاتها عام ألفين، قال إن "رفع العلاقات مع الشعب الفلسطيني يمكنه أن يعزز إلى حد كبير ليس فقط آفاق السلام بل ايضا الثقة" المتبادلة، في دعوة واضحة إلى استئناف اجتماعات تلك اللجنة، وفي مؤشر آخر إلى عودة مفاوض المنظمة للرهان العقيم على الولايات المتحدة.
إن الرسالة التي بعثت بها حوالي مائة شخصية من القيادات اليهودية والصهيونية الأميركية إلى رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء الماضي تحثه فيها على اتخاذ "خطوات ملموسة لبناء الثقة .. تستجيب لدعوة" أوباما لاستئناف المحادثات مع الجانب الفلسطيني هي مؤشر ثالث يصب في ذات الاتجاه.
لكن الخبر الذي نشرته صحيفة هآرتس العبرية أمس الأول الخميس ونسبته إلى مسؤولين رفيعي المستوى أحدهما فلسطيني والآخر إسرائيلي بأن عباس "سوف يعلق كل الإجراءات من جانب واحد في وكالات الأمم المتحدة" كي يعطي كيري "وقتا لإعادة بدء جولة جديدة من المحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية" هو خبر إن صدق سوف يكون مؤشرا قاطعا لا لبس فيه إلى عودته للرهان على الحرث في البحر الأميركي، عودة سوف توفر على قمة الدوحة مهمة إرسال وفد إلى العاصمة الأميركية لم يعد لإرساله لزوم، وبانتظار التأكيد المتوقع لهذا التوجه بعد اجتماع عباس وكيري في العاصمة الأردنية غدا الأحد فإن مهمة عباس في اجتماع لجنة المتابعة العربية سوف تكون إقناعها بتفويض مهمتها إلى كيري على الأرجح، ومن المؤكد أن قمة الدوحة التي اتخذت قرار إرسال هذا الوفد "رفعا للعتب" الفلسطيني لن تكون بحاجة إلى أي إقناع للتخلي عن مهمة فشلت في أمثالها مرارا ولم تكن تتوقع أي نجاح لها في محاولتها الجديدة.
في مقال له قبل أيام، حذر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، من أن "إدارة العلاقة" العربية "مع الغرب والدول الكبرى .. يجب أن لا يكون على حساب القضية الفلسطينية ودور العرب فيها"، ما يعني صراحة وضمنا أنها تجري الآن على حساب فلسطين وقضيتها، وحث على "ضرورة رفع سقف الموقف العربي" في الصراع مع دولة الاحتلال و"مراجعة الاستراتيجية العربية القائمة" و"طي صفحة المشاريع والمبادرات التي أكل الدهر عليها وشرب" و"البدء والبحث في تغيير الاستراتيجية العربية تجاه الصراع" مع دولة الاحتلال والمقاومة وحركاتها، فتحريم "عدم تزويد المقاومة بالسلاح يلزم أن يصبح اليوم ممكنا"، و"هذا يقتضي كبداية تغيير اللغة السياسية" فلا يصح "أن تبقى المبادرات هي المبادرات ذاتها والمشاريع هي المشاريع ذاتها والمواقف هي المواقف ذاتها".
لكن ما يجري الآن يؤكد بأن الحال العربي والفلسطيني باق على حاله من دون أي تغيير.
فالمسار العربي لا يزال مرتهنا للمسار الأميركي وكلاهما يحدد مسار منظمة التحرير ومفاوضيها، وبالرغم من التفاوت الظاهري بين المسارات الثلاث فإنها في الواقع مسار واحد يحاصر رؤية حماس ورئيس مكتبها السياسي لمسار عربي وفلسطيني جديد يخرج الوضع العربي والقضية الفلسطينية من الدائرة الأميركية المغلقة التي يدوران فيها منذ سنين، وهو ما يقتضي بدوره بحث حماس والمقاومة عن مقاربة جديدة للتعامل مع المسارات الثلاث التي تحاصرهما، مقاربة تقتضي بدورها مراجعة توفق بين رؤية حماس الطموحة، كما عبر مشعل عنها، وبين وضعها موضع التطبيق في علاقاتها العربية.
نقولا ناصر
تبدو دبلوماسية مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية تتخبط سياسياً هذا الأسبوع بين مسارين عربي وأميركي كلاهما مجرب ومسدود، يلتقيان على هدف تحريك المفاوضات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنهما لا يتقاطعان ولا حتى يسيران في خطين متوازيين، بل يبدو المسار الأميركي منهما وكأنما يستهدف استباق وإجهاض المسار الذي أقرته قمة الدوحة العربية الأخيرة قبل أن ينطلق، بينما يبدو مفاوض المنظمة كأنما هو منحاز إلى المسار الأميركي، بالرغم من أن التجربة التاريخية الحديثة قد أثبتت عقم المسارين كليهما.
إذ من المقرر وصول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى دولة الاحتلال مساء اليوم السبت ليلتقي الرئيس محمود عباس غدا الأحد في العاصمة الأردنية عمان التي سوف يغادرها عباس بعد ذلك إلى الدوحة لحضور اجتماع اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية التي ستبحث تنفيذ قرار القمة العربية الأخيرة بإرسال وفد عربي برئاسة قطر إلى العواصم الأميركية والأوروبية وغيرها بالإضافة إلى الأمم المتحدة ل"إقناعهم" بالتحرك ل"إقناع" دولة الاحتلال باستئناف المفاوضات الثنائية مع مفاوض منظمة التحرير.
ولا يفوت المراقب هنا ملاحظة أن زيارة كيري الجديدة هي الثالثة له خلال أسبوعين، ما حدا بتقرير للأسوشيتدبرس يوم الأربعاء الماضي إلى تشبيهها ب"دبلوماسية المكوك" التي انتهجها سلفه الأسبق هنري كيسنجر التي قادت قبل ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن إلى معاهدة الصلح مع دولة الاحتلال فأخرجت مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بمعاهدة ما زالت تنتقص من سيادتها على أرضها حتى الآن، ولا يفوته كذلك المقارنة بين الاستباق الأميركي لقمة الدوحة وبين الاستباق الأميركي لاجتماع لجنة المتابعة العربية هذا الأسبوع بزيارات مماثلة، وسط مؤشرات إلى أن مفاوض منظمة التحرير قرر اختيار المسار الأميركي على المسار العربي.
فاختلاف عباس المعلن مع قرار قمة الدوحة بعقد قمة عربية مصغرة للمصالحة الفلسطينية بقيادة مصر لا يمكن فصله عن انفتاح مسار أميركي يغنيه عن جهود أي وفد عربي لإقناع الولايات المتحدة باستخدام مساعيها الحميدة لدى دولة الاحتلال لتحريك المفاوضات. وفي هذا السياق لا يفوت المراقب كذلك ملاحظة أنه بينما كان "الإنجاز الحقيقي الوحيد" لزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة للمنطقة هو تطبيع العلاقات التركية مع دولة الاحتلال وبدء عملية "مصالحة" بينهما، كما كتب سفير سريلانكا السابق في واشنطن ايرنست كوريا في مقال له مؤخرا، فإن المسار الأميركي الذي فتحه أوباما ويتابعه كيري لمفاوض المنظمة قد تحول عمليا إلى السبب الرئيسي في المماطلة في تنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية وفي عدم التجاوب مع قرار قمة الدوحة بعقد قمة عربية مصغرة لهذا الغرض.
ولأن المقال الذي نشره سفير فلسطين في العاصمة الأميركية، معن رشيد عريقات، في الثاني من الشهر الجاري لا يمكنه إلا أن يكون تعبيرا عن الموقف الرسمي للمنظمة، فإن التقييم الايجابي الذي منحه لنتائج زيارة أوباما الأخيره رسالة واضحة بانفتاح مفاوض المنظمة على المسار الأميركي، ف"عملية تطبيع العلاقات قد بدأت" بين إدارة أوباما وبين قيادة المنظمة "نتيجة للزيارة"، و"الانتظار لم يعد خيارا" لاستئناف المفاوضات والتوصل إلى سلام في ضوء الاضطرابات التي تجتاح "الشرق الأوسط"، و"هذا هو ما ينوي عمله وزير الخارجية جون كيري خلال الأسابيع القليلة المقبلة"، وبناء عليه، وبعد أن ذكر عريقات بإنشاء لجنة ثنائية أميركية – فلسطينية في تسعينيات القرن العشرين الماضي كانت تجتمع مرتين سنويا قبل أن تتوقف اجتماعاتها عام ألفين، قال إن "رفع العلاقات مع الشعب الفلسطيني يمكنه أن يعزز إلى حد كبير ليس فقط آفاق السلام بل ايضا الثقة" المتبادلة، في دعوة واضحة إلى استئناف اجتماعات تلك اللجنة، وفي مؤشر آخر إلى عودة مفاوض المنظمة للرهان العقيم على الولايات المتحدة.
إن الرسالة التي بعثت بها حوالي مائة شخصية من القيادات اليهودية والصهيونية الأميركية إلى رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء الماضي تحثه فيها على اتخاذ "خطوات ملموسة لبناء الثقة .. تستجيب لدعوة" أوباما لاستئناف المحادثات مع الجانب الفلسطيني هي مؤشر ثالث يصب في ذات الاتجاه.
لكن الخبر الذي نشرته صحيفة هآرتس العبرية أمس الأول الخميس ونسبته إلى مسؤولين رفيعي المستوى أحدهما فلسطيني والآخر إسرائيلي بأن عباس "سوف يعلق كل الإجراءات من جانب واحد في وكالات الأمم المتحدة" كي يعطي كيري "وقتا لإعادة بدء جولة جديدة من المحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية" هو خبر إن صدق سوف يكون مؤشرا قاطعا لا لبس فيه إلى عودته للرهان على الحرث في البحر الأميركي، عودة سوف توفر على قمة الدوحة مهمة إرسال وفد إلى العاصمة الأميركية لم يعد لإرساله لزوم، وبانتظار التأكيد المتوقع لهذا التوجه بعد اجتماع عباس وكيري في العاصمة الأردنية غدا الأحد فإن مهمة عباس في اجتماع لجنة المتابعة العربية سوف تكون إقناعها بتفويض مهمتها إلى كيري على الأرجح، ومن المؤكد أن قمة الدوحة التي اتخذت قرار إرسال هذا الوفد "رفعا للعتب" الفلسطيني لن تكون بحاجة إلى أي إقناع للتخلي عن مهمة فشلت في أمثالها مرارا ولم تكن تتوقع أي نجاح لها في محاولتها الجديدة.
في مقال له قبل أيام، حذر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، من أن "إدارة العلاقة" العربية "مع الغرب والدول الكبرى .. يجب أن لا يكون على حساب القضية الفلسطينية ودور العرب فيها"، ما يعني صراحة وضمنا أنها تجري الآن على حساب فلسطين وقضيتها، وحث على "ضرورة رفع سقف الموقف العربي" في الصراع مع دولة الاحتلال و"مراجعة الاستراتيجية العربية القائمة" و"طي صفحة المشاريع والمبادرات التي أكل الدهر عليها وشرب" و"البدء والبحث في تغيير الاستراتيجية العربية تجاه الصراع" مع دولة الاحتلال والمقاومة وحركاتها، فتحريم "عدم تزويد المقاومة بالسلاح يلزم أن يصبح اليوم ممكنا"، و"هذا يقتضي كبداية تغيير اللغة السياسية" فلا يصح "أن تبقى المبادرات هي المبادرات ذاتها والمشاريع هي المشاريع ذاتها والمواقف هي المواقف ذاتها".
لكن ما يجري الآن يؤكد بأن الحال العربي والفلسطيني باق على حاله من دون أي تغيير.
فالمسار العربي لا يزال مرتهنا للمسار الأميركي وكلاهما يحدد مسار منظمة التحرير ومفاوضيها، وبالرغم من التفاوت الظاهري بين المسارات الثلاث فإنها في الواقع مسار واحد يحاصر رؤية حماس ورئيس مكتبها السياسي لمسار عربي وفلسطيني جديد يخرج الوضع العربي والقضية الفلسطينية من الدائرة الأميركية المغلقة التي يدوران فيها منذ سنين، وهو ما يقتضي بدوره بحث حماس والمقاومة عن مقاربة جديدة للتعامل مع المسارات الثلاث التي تحاصرهما، مقاربة تقتضي بدورها مراجعة توفق بين رؤية حماس الطموحة، كما عبر مشعل عنها، وبين وضعها موضع التطبيق في علاقاتها العربية.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية