عباس يتنازل من 44% إلى 22%
د. عبد الستار قاسم
ينتظر عدد كبير من الناس ما أصبح يعرف باستحقاق أيلول ظنا منهم أن الفرج قد اقترب وأن الدولة الفلسطينية باتت قاب قوسين أو أدنى رغم أنف أمريكا وإسرئيل.
وهناك أناس يسألون بجد عن الإنجاز العظيم الذي سيتم تحقيقه في أيلول، وكأنهم لم يجربوا الوعود والتمنيات والجميل من الكلام؛ أو كأنهم لا يعرفون أن الأمم المتحدة هي التي صادقت على التآمر الغربي ضد شعب فلسطين، وأنها هي أداة الدول القوية وعلى راسها الولايات المتحدة لشرعنة الحروب والاعتداءات على الآخرين.
في أيلول، سيتحرك السيد محمود عباس (أبو مازن) نحو الأمم المتحدة ليأتي لنا بدولة. طبعا لن يأتي أبو مازن بشيء، على الرغم من أنه سيسبب، إن ذهب، بعض الإزعاج الديبلوماسي والإعلامي للكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وبعد ذلك سيبدأ يفكر بحركة جديدة يتسلى بها هو ومن حوله من المستشارين، ويلهي بها شعبه.
أبو مازن سيذهب إلى الأمم المتحدة ليطلب دولة على الأرض المحتلة عام 1967، أي على الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي أرض تساوي حوالي 22% من مساحة فلسطين الانتدابية. في حين هناك قرار صادر عن الأمم المتحدة بإقامة دولة عربية على 44% من مساحة فلسطين الانتدابية ولم يتم تطبيقه.
أصدرت الجمعية العامة عام 1947 قرار التقسيم غير الشرعي والمرفوض جملة وتفصيلا رقم 181 الخاص بتقسيم فلسطين، وقضت بإنشاء دولتين: واحدة يهودية على حوالي 54% من الأرض، والثانية عربية على حوالي 44% منها. والقارئ لإعلان الاستقلال الصادر عام 1988 يجد أنه يقيم دولة فلسطينية على فلسطين الانتدابية وفق القرار رقم 181.
هذا علما أن إعلان الاستقلال هذا غير شرعي لأنه لم يلغ أولا إعلان الاستقلال الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في غزة في 1/تشرين أول/1948، والذي أنشأ حكومة برلمانية اسمها حكومة عموم فلسطين. بذهابه إلى الأمم المتحدة، أبو مازن سيخالف تماما إعلان الاستقلال لعام 1948، وسيخالف إعلان الاستقلال لعام 1988، وسيتنازل عن 22% من الأرض التي خصصها قرار 181 لإقامة الدولة العربية. فلماذا يذهب؟إذا كان أبو مازن مؤمنا بأن الأمم المتحدة ستحقق له شيئا، فالأولى به أن يطالبها بتنفيذ قرارها لعام 1947.
ما يفعله حقيقة هو القفز عن قرار يعطيه حقا، وليتنازل عنه لصالح سراب. هو يعلم وكما يعلم من يصفقون له أن إقامة دولة فلسطينية حقيقية لن يتأتى عن طريق الأمم المتحدة، وكل ما سيفعلونه هو إبطال المفعول القانوني الدولي للحق الذي أعطاه قرار التقسيم لعام 1947.
هو يذهب ليقول إنه لا يريد 44%، وإنما يكتفي ب 22%. عمل أبو مازن هذا يعبر عن قلة حيلة، وعن عدم رغبة في السير بطريق متطلبات التحرير. إقامة الدولة وتحرير فلسطين، يتطلب بالتأكيد أكثر بكثير من هذا، بل يتطلب الابتعاد عن الأمم المتحدة التي هي أداة الأقوياء المستعمرين. وعمله ينسجم تماما مع تقاليد القيادات الفلسطينية في إدارة الظهر للمواثيق والعهود التي يقطعها الفلسطينيون على أنفسهم، ويقسمون على تنفيذها. لقد سبق لنا أن دسنا على الميثاق الوطني الفلسطيني مرارا وتكرارا منذ عام 1969، حتى أن المجلس الوطني الفلسطيني، الذي من المفروض أن يكون حارسا على الميثاق، اتخذ قرارات عام 1988 مخالفة تماما لبنود الميثاق.
وقد سبق للقيادات أن وقعت اتفاق أوسلو وبدأت بتنفيذه على الرغم من مخالفته الساطعة للميثاق الوطني الفلسطيني. وحتى المواثيق بين الفصائل لم يتم احترامها مثل اتفاق القاهرة لعام 2005، واتفاق مكة لعام 2007. فهل هي كبيرة على أبو مازن أن يدوس على إعلانين للاستقلال، وعلى قرار أمم متحدة لعام 1947. والفصائل الفلسطينية ليست بريئة مما يجري، ولا من الدوس على رقاب شعب فلسطين. منها فصائل صامتة تنتظر، ومنها فصائل تشجع. وفي كل الأحوال، علينا ألا ننسى أن الراتب قد أصبح فوق الوطن، وكلام من يدفع لنا الراتب عبارة عن أوامر.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية