عباس يجرب المجرب.. على مسرح العبث
جابر أبو مصطفى
في مشهد هزلي ساخر مغرق في التضليل،دخل فريق المفاوضات الفلسطيني الشهير إلى خشبة المسرح من جديد وهم يرفعون أيديهم بعلامات النصر، وسط تصفيق صهيوني أمريكي صاخب، فريق يتقن فن التمثيل على جمهوره، بطريقة أبهرت الصهيوني والأمريكي، ما يقارب من عشرين عاما وهم يمثلون معا نفس الدور ونفس المشهد، إنها ملهاة المفاوضات على مسرح العبث، عشرون عاما وهم يبشرون بميلاد دولة ظنوا ومازالوا أنها على مرمى حجر، لم يتركوا مسرحا في كل بقاع الدنيا إلا واحتضنوه إلى حد التسول، وفي كل مرة جديدة يجربون المجرب ويعودون بحمل وهمي زائف يخدعون به أنفسهم، يسوقونه للجماهير على أنه مولود جديد يجسد نهاية ملحمة التحرير والعودة والدولة
عاد فريق التفاوض للتفاوض مع المستوطنين لوقف الاستيطان، وهذه المرة على المسرح الملكي الأردني الرسمي. يبدو أن النظام الأردني المتشوق للعب دور إقليمي، قد تسلم الراية بجدارة واستحقاق بعد سقوط أخيه النظام المصري، فكل من يلعب دور سمسار القضية الفلسطينية ساقط وسيسقط حتما، وكالعادة فإن هذا الفصل الجديد من فصول هذه الملهاة بإشراف أمريكي أوروبي، كيف لا وهم من يدفعون رواتب فريق المهرجين وكل تكاليف الإخراج المسرحي.
وفي المشهد المقابل تذبل أوراق المصالحة الفلسطينية بين السطة من جهة وحماس من جهة أخري، حيث اعتقد الكثير من الفلسطينيين أنها وصلت إلى مراحل متقدمة، وأنها ستعيد اللحمة إلى البيت الفلسطيني المنهار، وستنهي حالة التسول السياسي الذي تعيشه السلطة، وتفتح أفاقا جديدة للتعامل مع الاحتلال وأعوانه. لكن هذا كله تحول فجأة إلى سراب بقيعة تحسبه حماس ماء.
يتساءل مشاهد لفصول المسرحية، ما هو السر الغامض والسحر الخرافي الذي جذب السلطة وبهذه السرعة إلى الانتقال من حوارات المصالحة مع حماس إلى ملهاة التفاوض مع المستوطنين ؟
يرد مشاهد من المتفائلين جدا بأن هناك عرضا مغرياً واختراقاً أسطوريا قد حدث في الموقف الصهيوني، وأن الحل المنشود والذي انتظرته سلطة أوسلو منذ ما يقارب العشرين عاما قد أضحى قاب قوسين أو أدنى، وأن علينا أن نبشر شعبنا بأن الدولة وعاصمتها القدس الشريف على مرمى حجر.
بينما يؤكد مشاهد أقل تفاؤلا بأن أمريكا قد هددت بسحب اعترافها بالسلطة إذا لم تعد لطاولة التفاوض أو لم تعترف بيهودية إسرائيل. في المقابل وقف مشاهد يصرخ بحماس مؤكدا أن الأردن الرسمية قد هددت إسرائيل بوقف حماية الحدود الصهيونية إذا لم يحدث اختراق في المسار التفاوضي. المؤكد عند كل المشاهدين أن اليهود قد وعدوا السلطة بتبييض السجون قبل الجولة القادمة من الفصل الثاني للمسرحية، لذا نقول هنيئا لهذا الفريق المحترف على هذا الإنجاز الوهمي العظيم، فلم يعد هناك حاجة للجلوس مع حماس، فقد كفى الله السلطة شر المقاومة.
أما نصيحة جيراننا اليهود وحلفائنا الأمريكان للسلطة فهو عدم استعجال المصالحة مع حماس، لأن هناك مخططا لاستئصالها من المشهد السياسي الفلسطيني، فهي تشكل خطرا استراتيجيا على هذا الثالوث المقدس إسرائيل والسلطة والنظام الأردني، وأن هناك ضربة قاضية وقريبة ستوجه لهذه الحركة الإرهابية المتمردة،لإعادة غزة إلى الشرعية الفلسطينية. وأن على السلطة قمع أي احتجاجات بالضفة أثناء الهجوم على غزة، وزيادة وتيرة التنسيق الأمني، وتكثيف جمع المعلومات وتبادلها عن نشاط حماس العسكري، ليسهل القضاء عليها ومن ثم إعادتها إلى حظيرة الدولة الفلسطينية الوليدة.
هكذا يتم استدراج فريق التفاوض الفلسطيني لتجريب المجرب من جديد، سيناريو مكرر لنفس المسرحية الكوموتراجيدية الغارقة في العدم اللامحدود. لقد مل المشاهد من تكرار نفس المشاهد، واستمر الممثلون الفلسطينيون بلعب دور البهلوان الأبله أمام الكاميرات العالمية، والجميع من حولهم تارة يضحكون سخرية إلي حد السقوط على الأرض من هذا الأداء الأعمى والذي يقودهم حتما إلى اقتراب لحظة سقوطهم السياسي، وتارة يبكون بمرارة وهم يرونهم يتسولون حقوقهم على مسارح اللئام، مرة تلو المرة، دونما كرامة أو خجل، مشهد يسدل الستار على فريق حكم على نفسه بالموت ولكن دون دموع من أحد.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية