عدوانية الكيان تؤسس بداية نهايته
د. فايز رشيد
الكيان الصهيوني مرتبط عضوياً بالعدوان والعنصرية والإرهاب وارتكاب المذابح، هذه السياسات تميز الوجود الصهيوني منذ ما قبل إنشاء دولته، عن طريق العصابات الإرهابية المسلحة، وبعد إنشائها وحتى الراهن من الوقت.
لم تتوان "إسرائيل" للحظة عن ارتكاب الحروب والعدوان، ليس ضد الفلسطينيين فحسب، وإنما ضد الأمة العربية بكاملها، وحتى بعد التنازلات الرسمية التي قدمها الموقعون الفلسطينيون على اتفاقيات أوسلو المشؤومة، وما بعدها، وبعد التنازلات العربية عبر ما يسمى ب"مبادرة السلام العربية"، ترفض "إسرائيل" هذه المبادرات إذ (قبرت) الأولى، وأعلنت رفضها للثانية، وبدلاً من الجنوح للتسوية، أمعنت في تعنتها، وزادت من اشتراطاتها: مطالبة الفلسطينيين والعرب بالرضوخ للاحتياجات الأمنية "الإسرائيلية", والقبول ب(يهودية) دولتها.
بدايةً، من الضرورة بمكان التأكيد أن من يتصور "إسرائيل" من دون هذه السمات الفاشية والنازية، هو كمن يطالب الحركة الصهيونية بالتخلي عن جوهرها وأسس عقيدتها، وهذا مستحيل، فالمشروع الصهيوني الاقتلاعي للفلسطينيين من أرضهم، هو نقطة في بحر العدوانية الصهيونية، وهو باحتلال فلسطين لم يكتف، ولن يكتفي، لا الآن ولا مستقبلاً، ومن هنا تتم رؤية الأردن (على سبيل المثال لا الحصر) صهيونياً بأنه الوطن البديل للفلسطينيين، وعلى هذه الأسس انطلق مشروع "دولة "إسرائيل" الكبرى" الذي نشهد إحياء بذوره عن طريق الأحزاب اليمينية "الإسرائيلية"، التي يتعاظم دورها وتأثيرها في الشارع "الإسرائيلي" قوة واتساعاً.
قد يبدو أن "مشروع "إسرائيل" الكبرى" قد توقف في الواقع فإن الإمكانات "الإسرائيلية"، غير قادرة على احتلال وتغطية مناطق جغرافية جديدة، ونذكر تصريحاً لرابين:إنه بكى حزناً عند احتلال الضفة الغربية وغزة وسيناء وهضبة الجولان في عام ،1967 بكى لأن الجيش "الإسرائيلي" غير قادر على السيطرة على كل هذه المناطق.
من ناحية أخرى: فإن العامل الشعبي العربي، والذي تميز بالركود لعقود قليلة، بدأ في صنع التغيير في بلدان الربيع العربي، وأحد أهم الشعارات والسمات، لغالبية الانتفاضات الجماهيرية العربية: هو التصدي ل"إسرائيل" والعداء لها، ولذلك قامت الجماهير المصرية بمحاصرة السفارة الصهيونية في القاهرة، وإنزال علمها, ووضع العلم المصري والعلم الفلسطيني بدلاً عنه. كانت القضية الفلسطينية حاضرةً ولا تزال في كافة النشاطات الجماهيرية العربية، وبخاصة التظاهرات.
لقد شكلّت هذه التغييرات ولا تزال قلقاً حقيقياً لقادة العدوان الصهيوني من سياسيين وعسكريين , فلجأت الحكومة إلى استعراض تأثيرات وتداعيات هذه التغييرات على "إسرائيل"، وبخاصة في مصر.مما لا شك فيه أن هذه التغييرات ستلعب دوراً حاسماً في عودة الصراع إلى مربعه الأول، ولذلك كانت هذه التداعيات أحد الموضوعات الرئيسية التي بحثها مؤتمر هرتزيليا الاستراتيجي الأخير (الثاني عشر).
لقد بدأ الجدل لدى البعض في "إسرائيل" وبخاصة بين الكتاب والصحفيين والسياسيين (إبراهام بوزغ رئيس الكنيست الأسبق يتوقع نهاية "إسرائيل")، عن مستقبل هذه الدولة، والأخطار التي تتهددها، وإمكانية زوالها.
لأول مرّة في الدولة الصهيونية يجري الحديث عن هذه المسألة. صحيح أنها "بؤر جدلية" لكن العدوانية "الإسرائيلية" تلعب دوراً رئيسياً لدى أطراف الصراع الأخرى (الفلسطينيون والعرب) إلى تبني نهج عودة الصراع إلى مربعه الأول، أي الانطلاق في استراتيجية "أهمية القضاء على "إسرائيل" كظاهرة عدوانية لا يمكن التعايش معها".
لقد شهد التاريخ ظواهر النازية والفاشية والقادة الذين ينطلقون من قوتهم العسكرية، ويتخذون نهج احتلال أراضي الغير بالقوة، وخاضوا حروباً كثيرة ضد شعوب العالم في قاراتهم وفي أنحاء العالم الأخرى (هولاكو، نابليون، هتلر، موسوليني، وغيرهم). لم تستطع شعوب العالم التعايش مع هذه الظواهر وهؤلاء القادة، لعدوانيتهم الدائمة.
في نهاية المطاف قاومت الشعوب المحتلة أرضها والمغتصبة إرادتها، هؤلاء الغزاة وطردتهم، وفي بعض الحالات لاحقتهم في عقر دارهم، وانتصرت عليهم وتمت إزالتهم (بطرق مختلفة) وكان مصيرهم أنهم يوضعون على مزابل التاريخ.
في التاريخ أيضاً تواجدت أنظمة القهر العنصرية، ولعل خير مثال قريب (إلى حد ما) عليها هو نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ماذا كانت نهايته؟
"إسرائيل" تجمع بين كافة تلك الظواهر مجتمعة بل تتفوق عليها مع إضافة أنها اقتلعت ولا تزال شعباً من أرضه ومارست ولا تزال تمارس تطهيراً عرقياً ضده، وجاءت بأجانب غزاة مهاجرين وأسكنتهم على هذه الأرض، وتمارس بحق من تبقى من العرب، سياسة التمييز العنصري الفاقع.
العدوانية الصهيونية لم تتوقف ولن تتوقف فهي إحدى سمات ومتلازمات الدولة الصهيونية، ومثلما لم تجرِ أية إمكانية للتعايش مع تلك الظواهر والقادة والذين يتبنون العنصرية نهجاً، فلا إمكانية أيضاً للتعايش مع الكيان الصهيوني، لذلك "إسرائيل" تؤسس لبداية نهايتها.
صحيفة الخليج الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية