عَــوْدٌ على بِـدْء ... بقلم : د.عصام عدوان

الثلاثاء 04 ديسمبر 2012

عَــوْدٌ على بِـدْء

د.عصام عدوان
1
إن الانحراف عن الأهداف لا يُرى في بداياته بالعين المجردة، وهو بحاجة إلى قدرات وتقنيات خاصة لاكتشافه في بداياته، وإلا فإن مرور الزمن سيوضح هذا الانحراف شيئاً فشيئاً. فزاوية الانحراف التي مقدارها درجة واحدة إما أن تُرى بالمجهر أو عندما نمد ضلعي الزاوية عشرات السنتيمترات فتظهر عندها زاوية الانحراف جلية واضحة. وإن أوْلى درجات الانحراف عن الأهداف: استخدام عبارات عديدة للتعبير عنها في المناسبات المختلفة، فيتم التعبير عن الأهداف أمام جمهور الحركة أو الحزب بطريقة تختلف عنها أمام عموم الجمهور الفلسطيني، وتختلف عنها أمام الأنظمة العربية، وتختلف عنها أمام دول العالم ولا سيما الدول الكبرى. و شيئاً فشيئاً تَرْسَخ بعض المفاهيم الطارئة على الأهداف من خلال تلك التعبيرات المتعددة، فتصبح هدفاً في حد ذاتها (كهدف الدولة الفلسطينية قبل التحرير) تتعوَّد عليه القواعد وتستمرئه، فتفقد البوصلة، وتصبح قابلة لأي تعديل أو تغيير تراه القيادة، فيصبح الانحراف جماعياً مما يستدعي انبعاث حركة تصحيحية تظهر كبديل للحركة أو انشقاق عنها. وهذا ما حصل مع حركة فتح.

وعليه: أدعو قيادة حركة حماس إلى توحيد عبارات التعبير عن أهدافها سواء كان الحديث موجهاً لقواعدها أو إلى غير ذلك.

وسيقولون لكم: كونوا سياسيين حذقين، وراوغوا في استخدام الألفاظ حتى تحققوا مقاصدكم، فلا تجيبوهم. فإنما مَثَلُهم (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الحشر 16). والعاقل مَن اتّعظ بغيره.

2
الجميع يعرف خيانة الأنظمة العربية، تلك التي حافظت على الكيان الصهيوني بإغلاق حدودها أمام المقاومة، ووقّعت اتفاقيات السلام الهزيل معها. فلا تنافقوها، لأنكم بذلك تربكون عقول شعبكم والشعوب العربية وتُضلِّلوهم وتمسَّكم النار: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (هود 113). وقد رَكَنت فتح إلى النظام السوري فانقلب ضدها، وإلى النظام المصري فشدها إلى مربع الاستسلام، وإلى النظام الأردني، من بعد صراعها المرير معه، فباعت شعبها في الأردن له. وما جنت من هذه الأنظمة خيراً قط.

سيقولون لكم: لن تخسروا شيئاً لو جاملتم هذه الأنظمة وسايرتموها قليلاً حتى لا تضيِّقوا على أنفسكم وعلى شعبكم. فكونوا حذرين معهم في كل كلمة تقولونها لهم أو عنهم، فلا تكيلوا لهم المديح والثناء، لأن ذلك يُضعف من مصداقيتكم أمام قواعدكم وجمهوركم الفلسطيني والعربي. ولا تمتنوا لهم بشيء؛ فهم مقصِّرون في كل شيء ولم يقوموا بالحد الأدنى من واجبهم تجاه القضية الفلسطينية. واحرصوا على إقامة العلاقات مع شعوبهم واعملوا على إيقاظها من سباتها.

3
كل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني أقامت علاقات معه، وجميعها غير معني بتوتير علاقاته مع الكيان الصهيوني لصالح كيان فلسطيني في علم الغيب. فواقعيتهم تقول ذلك. وأشير على وجه الخصوص إلى الدول التي تُظهر صداقتها لكم؛ وفي حقيقة أمرها تريد سحبكم إلى قناعاتها التي تخدم مصالحها. فاحذروا وأنتم تتعاملون مع دول تعترف بالكيان الصهيوني، لأن أولوياتها نقيض أولوياتكم، ولا يعيبكم تلقي أي دعم من أيٍّ منها شريطة ألا تشعروا بالانكسار لها، فإن من واجب تلك الدول التي شاركت في صنع نكبتنا واستمرار معاناتنا أن تقف مع شعبنا وقضيتنا ولو قليلاً دون فضلٍ لها ولا مِنَّة.

سيقولون لكم: كونوا براغماتيين في مطالبكم من هذه الدول، ولا تخسروها، بل حافظوا على استمرار العلاقة معها ولو بتقديم بعض مظاهر التنازلات لكي تستمر في دعمكم أو تخفيف الهجمة عليكم. ولكن اعلموا أنكم لن تحصلوا منها على شيء نافع، فإنما (أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) (النور 39)، ولكن ابحثوا عن وسائل عصرية للتأثير في شعوب تلك الدول فذلك أجدى وأسلم.

إن في تغاضي قيادة حماس عن توجه قيادة منظمة التحرير إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية مسالمة مع (إسرائيل) وتعترف بها، ابتعاد عن الأهداف، ومجاملة للنظام العربي والمصري الذي تقوده المخابرات المصرية، في غير موضعها، وتطوير لعلاقات مع كيانات تعترف (بإسرائيل) وتسعى لسحب حركة حماس إلى مربعها. فهلا تنبهت قيادة حماس للمخاطر السياسية التي تتربص بها؟

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية