عقبات حقيقية أمام المصالحة ...بقلم : د. فايز رشيد

الأربعاء 15 فبراير 2012

عقبات حقيقية أمام المصالحة

د. فايز رشيد
ما كاد حبر اتفاقية الدوحة بين حركتي فتح وحماس، يجفّ، حتى تواردت أنباء كثيرة عن العقبات التي تنتظر المصالحة. من جانبه: تفاعل شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية وكل أصدقاء القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، بوصول الطرفين إلى اتفاق، وإنشاء اللجان المتخصصة وبدء اجتماعاتها، وتحديد موعد لتشكيل حكومة الكفاءات، وتوقع كثيرون بأن هذا الاتفاق سيكون حاسماً! أيام قليلة مضت على اللقاء في العاصمة القطرية بين مشعل والرئيس عباس، ثم ما لبثت المصالحة أن تكون محطة أخرى من الفشل على طريق كل الاتفاقيات الفاشلة الأخرى: في صنعاء، ومكة، والقاهرة وغيرها من العواصم والمدن العربية الأخرى.

يبدو الأمر وكأننا أمام حالة واقعية من الانقسام الفعلي، حيث يمكن القول: إن الحل يتمثل في، إمّا إدارة الانقسام وتشكيل اللجنة المختصة بهذا الأمر، أو البحث عن تشكيل "فيدرالية" بين قطاع غزة والضفة الغربية، لكن للأسف ستكون محتلة (مثلما هي الآن) من قبل العدو الصهيوني، حيث تبدو السلطتان وكأنهما تتنازعان على من يمتلك مفتاح السجن.

بعد تكريس الانقسام لسنوات طويلة، قلنا في مقالة سابقة على صفحات هذه الجريدة: أن الساحة الفلسطينية تقع خارج نطاق المصالحة! نقول ذلك بأسف ومرارة كبيرين، ذلك أننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني (وليس الوطني الديموقراطي مثلما يتصور البعض) وأننا نحتاج إلى كفاحٍ مرير ونضال شاق للوصول إلى فرض إقامة الدولة الفلسطينية على كامل حدود عام 1967، ذلك أننا أمام عدو من نمط فريد في عدوانه واقتلاعيته لشعبنا، واحلاليته للمهاجرين على أرضنا، وعنصريته البغيضة، وفي سرقته للأرض وتغييره للواقع من خلال فرض السياسات بالقوة، وفي تفوقه الإجرامي لمظاهر النازية والفاشية، فإسرائيل ترى في أية دولة فلسطينية: نقيضاً لوجودها وتهديداً لمستقبلها، لذلك فأقصى حلولها التسووية هي: الحكم الذاتي للفلسطينيين، المنزوع السيادة والاستقلال الوطني، وأمام هذه المهمة الوطنية العريضة تبرز الحاجة إلى إنهاء الانقسام والوصول إلى الوحدة الوطنية بعد إنجاز المصالحة، "ولكن لا حياة لمن تنادي".عقبات حقيقية تقف في طريق المصالحة، وكان الأولى بالطرفين العمل على حلِّها كي لا تكون المفاجأة بالفشل. إن من أبرز هذه العقبات:

أولاً: البرنامج السياسي الواضح، والمكتمل بالأساليب النضالية، وهذا لن يأتي إلا بعد مراجعة شاملة من قبل كافة فصائل الثورة الفلسطينية مجتمعة (وليس الطرفان فقط) لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، منذ اتفاقيات أوسلو وحتى اللحظة، فتجربة المفاوضات الممتدة لعشرين عاماً فشلت فشلاً ذريعاً، ثم إن "إسرائيل" فهمت اتفاقيات أوسلو وتفهمها كما تشاء (وهي أيضاً في نصوصها وغموض ملحقاتها كانت لمصلحة إسرائيل في كل صياغاتها)، وهي ماضية في استيطانها، وفرض حقائقها على الواقع، وفرض المزيد من الشروط على الساحة الفلسطينية.

من ناحية ثانية، ولأننا أمام استراتيجيتين في الساحة الفلسطينية (وليست حكراً على فصيلي فتح وحماس فقط) فإن البرنامج السياسي ينجح في حالة واحدة هي: القواسم المشتركة والتي مثلت على الدوام أساساً رئيسياً للوحدة الوطنية الفلسطينية في كل مراحلها السابقة.

أيضاً فإنه من الضروري تحديد الوسائل الكفاحية لمقاومة العدو، فدهور من المقاومة الشعبية وحدها لن تزحزح إسرائيل عن مواقفها، وإنما المقاومة بكافة أشكالها ووسائلها، وعلى رأسها الكفاح الوطني المسلح.هذا ما تؤكده تجارب كل حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، والثورة الفلسطينية هي أولاً وأخيراً: حركة تحرر وطني.

ثانياً: إن من أبرز العقبات أمام المصالحة هي"السلطة" بكل ما تعنيه هذه الكلمة من نفوذ، وكذلك المؤسسات التابعة لها وبخاصة: الأجهزة الأمنية، فنحن أمام حالتين بينهما تناقض كبير في الشكل والمضمون: نحن في القطاع أمام أجهزة تابعة لحركة حماس بالمطلق، وفي الضفة الغربية أمام أجهزة تابعة للسلطة (لحركة فتح بشكل رئيسي)، ثم إن التنسيق الأمني مع إسرائيل (وهو ما تقوم به الأجهزة الأمنية في الضفة) يقف أيضاً عقبة حقيقية أمام المصالحة، بالإضافة إلى الأسباب الأخرى:صعوبة الدمج بين الأجهزة الأمنية للسلطتين بحيث يتشارك كل من الطرفين فيها، وهذا شبه مستحيل حالياً وفي المدى المنظور، فنحن أمام نهجين في المضمون أيضاً، وكل من الحركتين تحاول تكريس سلطتها المطلقة في منطقة نفوذها!هذا مع العلم أن كلا السلطتين محتلتان في النهاية.

ثالثاً: في النظرة إلى منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، فإن كلا الطرفين ينطلقان من زاوية أن حق كل منهما فيها، وفي الأجهزة التابعة لها، يتمثل في النصف + 1 من حيث الحصص فيها. للأسف لا تولي الحركتان الاهتمام المطلوب لأحد أسس مرحلة التحرر الوطني وهو: الجبهة الوطنية العريضة، والتي يجري النظر فيها بشكل رئيسي إلى القضية الوطنية، بعيداً عن المحاصصة التنظيمية، وهي المظهر الغالب للحركتين في التعامل مع الفصائل الأخرى. بالطبع إذا ما توافرت النوايا فيمكن حل هذه المعضلة بتطبيق مبدأ "التمثيل النسبي" وإجراء انتخابات ديموقراطية حيث تتوفر الإمكانية لإجرائها.

رابعاً: نحن أمام تيارين في كل من الحركتين (مع النسبة المختلفة على التعبير عن رأي كل من التيارين في كل من الحركتين) تيار مع المصالحة، وتيار ضدها.في حركة حماس كان الاختلاف بين التيارين واضحاً.

رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل: اتفق مع عباس على أن يتسلم الأخير رئاسة الحكومة التكنوقراطية. تيار محمود الزهار (الذي هو في الداخل) يقف ضد الاتفاق جملة وتفصيلاً، فهو يرى في عباس رئيساً لحركة فتح، لذلك طالب هذا التيار بأن يكون لحماس مقاعد في الحكومة تساوي النصف +1 على أن تكون منها وزارات سيادية، ونقاط خلاف كثيرة أخرى غيرها، جاءت على لسان عضو المكتب السياسي لحماس محمود الزهار في مقابلة علنية لوكالة الشرق الأوسط المصرية. أحمد عطون عضو المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحماس، اعتبر أن ما صرّح به الزهار يعكس رأيه الشخصي. بالطبع لم نسمع تجميداً أو فصلاً للزهار من حركة حماس "الموحدة تجاه اتفاق الدوحة - من وجهة نظر عطون".

خامساً: إن جمع الرئيس عباس بين رئاسة السلطة ورئاسة الحكومة يتناقض مع التشريعات المقرّة من المجلس التشريعي في عام 2003، وهو الذي فصل بين الرئاستين. كان الأولى للطرفين أن يعرضا هذا الأمر على اجتماع الإطار القيادي في م.ت.ف وتحديد موعد لعقده، قبل اتفاقهما، على هذه المخالفة الدستورية، وهذا ما نادت به وما تزال تنظيمات أساسية فلسطينية أخرى.

مما سبق، يتضح مدى الصعوبات البالغة لتنفيذ المصالحة، وقد كان الأحرى بالطرفين حل هذه الصعوبات/المعضلات قبل الاتفاق على خطوات شكلية لا أكثر، والموضوع برمته مطروح للنقاش.

* كاتب فلسطيني
صحيفة القدس العربي اللندنية

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية