عندما تبكي المنابر فرسانها
النائب فتحي قرعاوي
مساكين هؤلاء .. الذين ظنوا في غفلة من الزمن انهم رجال مرحلة سوف يسجل التاريخ لهم بطولات وانجازات حين ظنوا انهم وصلوا الى مرحلة يمكن لهم معها ان يوقفوا حركة الشمس .. ومنع ضوئها عن الناس ..
لا شك ان وضعهم محزن ومثير للشفقة وانت تنظر الى بعضهم امام الاضواء وهو يعصر نفسه في حالة مخاض عسير يبررون للناس .. ان كل ما يقومون به انما هو خدمة لكتاب الله وسنة رسوله وانهم محبو السنة وقامعو البدعة واحبار الامة الافهام الذين لا يضاهيهم في الفقة والمعرفة والخشية احد ..
فهذي المساجد ببركاتهم تعج بالمصلين والعباد وطلبة العلم والحفاظ ، وهذي جلق العلم ..يتعب من يعدها لكثرتها .. وهذي قوافل الدعاة والعلماء لا تنفك عن الخروج لنشر الدعوة في كل مكان وهذا التنافس في حفظ القرآن والسنة يزداد يوما بعد يوم .
هذه ليست صورة كاريكاتورية .. ضاحكة رسمها فنان ساخر بريشته تضحك الناس وتسري همومهم .. ولكن هذا هو واقعنا الجديد نحن هنا اهل اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .. وبلد المسرى الشريف ، واقع لا يسر عدوا ولا صديقا، فلمن نشكو مآسينا ..
من سوء حظ هؤلاء ان الناس اليوم يعرفون بواطن الامور كما يعرفون ظواهرها .. ويتحدثون بكل الجرأة ولكن للأسف داخل الغرف المغلقة لان ثمن الحديث خارج هذه الغرف هو اغلاق افواههم الى الابد ..
لقد اعاد هؤلاء الناس الى عهود خلت وكنا شهودا عليها وهى ان من يضبط متلبسا وهو يستمع الى صوت العرب يجب ان ينسى الحليب الذي ارضعته امه اياه .. ومن بين المشاهد المحزنة التي لا زالت ماثلة في الاذهان ان بعض الناس كان يستمع الى صوت العرب ولكن بعد ان تضع زوجته اللحاف عليه وعلى الراديو الذي هو بحجم (صندوق الكوسا ) ..
لقد اصيب الانسان الفلسطيني بغثيان وليس من العجب ان يحمل البعض منديلاً لانه ربما يذرعه القيء وهو يتسمع الى المنجزات العجاب في نشر الدين والفضلية وقمع الفساد والرذيلة لدرجة ان المراقص اغلقت والخمارات توقفت عن تقديم المشروب للزبائن اكراماً لشهر رمضان ، واعطى النادلون اجازات لصلاة التراويح .. واعتقد ان معالي الوزير- قدس الله سره ونفع الله به- ان سلسلة الانجازات العظيمة التي يتم انجازها في عهدهم الميمون والتي ابتدأت بتوحيد الصلوات في المساجد الرئيسية ومنع قراءة القرآن في المآذن قبل الصلوات ومنع اقامة الصلوات في المآذن والتي قد تنتهي بهدم بعض المساجد لان عددها كبير ويأتي على حساب العمران الذي امر الله به .. وكل ذلك مدعوم بالايات الكريمات والاحاديث الصحاح واراء ابن تيمية والسادة العلماء من السلف الصالح رضي الله عنهم .
وكل ذلك تحت شعار " هذا من فضل ربي " و " رأس الحكمة مخافة الله " ولعل الانجاز الاخير بمنع كبار الدعاة من الخطابة في المساجد اخر تلك الانجازات العظيمة بعد منع الاذان في بعض المساجد المحاذية للمستوطنات حفاظاً على نوم هادئ وراحة بال لابناء العمومة من المستوطنين .. كيف لا وهم جيران والنبي " قد وصى على سابع جار " ؟؟؟
أننا نحن ( معاشر الدعاة ) خلقنا دعاة وأئمة وخطباء .. يرحل الناس إلينا من شتى المناطق والمواقع لسماع خطبنا ودروسنا في أصعب الظروف وأحلكها . والكل يعرف الثمن الذي دفعناه ولا نزال ، ثم ان موقف الدعاة الثابت الراسخ الجريءهو الذي ربى الرجال الرجال ، الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر سواء كان ذلك داخل قلاع الاسر او حتى داخل الزنانزين .. اذكر اننا تحدينا ادارة الاحتلال في سجن الفارعة عندما منعونا من صلاة الجمعة في الساحة ، صليناها داخل الغرف وفي بعض الغرف صليناها خمسة افراد وفرضناها وصارت امرا واقعا ..
اما في سجن النقب .. والاسرى يعرفون ذلك جيدا ، فإن خطيب الجمعة وبصوته المجلجل وكأنه بركان هادر، وعلى مسمع من ادارة السجن والحراس فوق الابراج كان خطيب الجمعة يتحدث بكل ما يريد من كافة القضايا المطروحة على الساحة رغم انف الاحتلال .. وقد رفض الاسرى باطلاق أي تقييد لموضوع الخطبة مهما كان صغيرا او كبيرا وساروا على هذا المنهج ولا زالوا .. غير مبالين بسجان او قيد او زنزانة ..
في احد الايام من شهر تشرين اول عام 2007م كنا نحن نستغل الفورة في سجن مجدو في قراءة القرآن الجماعية والتي هي جزء من برنامجنا اليومي .. حيث دخل احد المسؤولين ووبخ مدير القسم على هذا المشهد قائلاً له " هنا سجن وليس جامعة وهذه فورة للرياضة والمشي وليست لقراءة القرآن " وهنا قام مدير القسم باغلاق الفورة ليومين .. حيث جاءت ادارة السجن (المدير وحاشيته ) من الضباط والمسؤولين ، وكنا في قمة الغضب والاحتقان .. فقال مدير السجن بدهاء كأنه لا يعرف شيئاً .. شو المشكلة ؟!
فانبرى له الشيخ حامد البيتاوي قائلاً .. لقد قمتم بفعل بعيد كل البعد عن الاخلاق .. فانتم ليس عندكم اخلاق .. فاخلاقنا افضل واحسن من اخلاقكم ، وعاداتنا وتقاليدنا افضل مما هو عندكم ، وديننا افضل من دينكم ونحن افضل واحسن منكم ..ووالله انكم غير دائمين وموعدكم يقترب يوماً بعد يوم ..وهنا جن جنون مدير السجن الذى امر بقمع الشيخ حامد الى قسم اخر لكن بقي صوت الشيخ حامد مجلجلا عاليا في كل مكان .. في العيادة .. في باص البوسطة .. في كل سجن يزوره رغم محاولات منعه من ذلك .
قال لي احد الاسرى .. ان الشيخ حامد عندما جيء به للعلاج الى مستشفى العفولة كان لا بد له من المرور بسجن جلبوع ، وهنا تجمع الاسرى امام الاشياك لرؤية الشيخ ، فنادى بأعلى صوته قائلا :
هذا جزء من مواقف الشيخ حامد ، حيث لا يتسع المقام هنا لاستطراد الحديث عن مواقفه وجرأته وشجاعته فى قول الحق، اسرد فقط يوم تم ابعادنا ، قال اين الضابط المسؤول ..
ان الشيخ حامد الذي منعه الاحتلال من الخطابة في المسجد الاقصى ليس بحاجة لإذن من احد ان يخطب في أي مسجد يريد لانه صاحب شرعية مدعمة ب(44000)الفا من الاصوات .. فمن أي قانون ومن أي شرعية استمد الاخرون شرعيتهم !!!
هذه المساجد ايها السادة بنيت من عرق الرجال الكرام الذين سهروا الايام والليالي وعمروها بالخطابة والدروس ومراكز التحفيظ وليالي الاعتكاف .. هؤلاء الرجال يعلم الله كم من الايام والليالي رحلوا الى مدن الخليل ويطا وبيت فجار وبني نعيم يجمعون الحجر والى غيرها من قرى ومدن الوطن يجمعون الفلس والقرش والدينار لاعمارها .. ثم هم الان ممنوعون من الخطابة فيها .
اذكر يوما وقد كنت اماما ، وبعد انتهاء صلاة الجمعة .. وكنت احث الناس على التبرع لاتمام بناء مسجدنا.. وفعلا دفع الناس يومها بسخاء .. وبعد الصلاة لحقت بي عجوز وقالت يا شيخ هذا الخاتم تبرع للمسجد .. ولما ذهب بعض اعضاء لجنة المسجد لاحد الصاغة لبيع الخاتم تعجب الصائغ وتساءل .. من اين لكم هذا الخاتم .. انه خاتم اثري على الاقل عمره قرابة الستين عاماً
مآذن خرساء حزينة .. ومنابر تبكي فرسانها الكرام الاطهار .
من يجرؤ اليوم على المكوث في المسجد بعد الصلوات ..
ان البعض يا سادة لا يجرؤ على دفع زكاة امواله التي كان يدفعها في كل عام .. و عندما توجه اليهم اصحاب الحاجة والعوز قالوا لهم: والله لقد وزعناهاهذا العام على الارحام ..
شعبنا حي .. والمساجد يجب ان يعود اليها دورها وعزتها وكرامتها رغم كل الاتفاقيات المهينة ( والوثائق ) المخزية ..
شعبنا حي .. شعبنا كريم اصيل لا يستحق هذا العقاب .. بل يستحق التكريم وكما قال الكبار (دوام الحال من المحال ) .
ثم بعد ذلك فالمواطن ( متخم ) بالامن والامان ، وبيوت الله عامرة زاهرة سرعان ما يعتريها العتمة بعد العشاء ..
ولكن ...
من يجرؤ اليوم على تعليق دعاء مأثور او موضوع مهني او علمي على مجلة الحائط .. هذا ان كان هناك مجلة حائط ؟؟
اين موائد الرحمن في رمضان .. اين لجان الخير والعطاء التي الفناها في هذا الشهر الكريم .. لقد اختفى كل شيء .. ذلك لان ( المناديب ) يحصون على الناس انفاسهم ..ولان قوانينكم الجائره اوقفت كل هذا..
هذا هو شعبنا يا معالي الوزير ، وها هم رجاله .. وهذا هو حال مساجدنا اليوم ..
ولما جاء .. قال له : اعلم ايها الضابط ان حكومتكم اذا لم تقم باعادة هؤلاء الرجال الكرام الاطهار، اقسم بالله اننا سنعود لكم بالرشاشات ..
واذعنت الحكومة الصهيونية واعادت الشيخ حامد واخوانه ، لتقوم السلطة باعتقاله في سجن الجنيد بعد ذلك بفتره بدعوى مخالفته ل (( القانون )) ..
وتقوم انت بمنع الشيخ حامد من الخطابة حسب (( القانون )) ...واى قانون...!!
الشيخ حامد وقف امام القاضي العسكري في سجن عوفر ، فقال له اسمع ايها القاضي .. القضاة ثلاثة .. اثنان في النار وانت واحد منهم والثالث في الجنة .. انت فى النار لانك ظالم وتمارس الظلم وتعلم بأنك ظالم ..
ثم قال .. ايها الابطال والله سياتي يوم تكونون به انتم السجانون وهؤلاء سيكونون الاسرى ..
وحولي إخوة في الحق قاموا........ أراهم بالقيود مكبلينا
اخي قد غدوت هنا سجينا ........ لاني احمل الاسلام دينا
ولكن ليعلم من يريد العلم ...
لقد امن العباد واستقرت البلاد ، فالناس .. كل الناس تلهج بالدعوات الصالحات الطيبات المباركات ان يطيل عمر الوزير ومن معه ومن حوله ومن امامه ومن خلفه " ومدد يا سيدي الوزير " ..
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية