عن تراجع الموقف المصري تجاه حماس
علي أبو مريحيل
مثلما فوجئ الشارع العربي بالحكم الذي صدر عن محكمة مصرية، في الثامن والعشرين من فبراير/شباط الماضي، باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية، فوجئ، أول من أمس، المصريون الموالون للنظام بالطعن الذي قدمته الحكومة المصرية على الحكم، ما اعتبر سابقة في تاريخ القضاء المصري، حسب مقيم الدعوى، المحامي سمير صبري.
وفي محاولة بائسة لتفسير هذا التراجع، أرجعت الحكومة المصرية طعن هيئة قضايا الدولة على الحكم، إلى تطبيق قانون الكيانات الإرهابية الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الرابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، فكانت الفترة الزمنية الفاصلة بين إصدار هذا القانون وتقديم الدعوى محل الطعن، كفيلة بدحض إدعاء الحكومة.
التفاتة بسيطة إلى الوراء تضعنا أمام ثلاثة محاور مهمة، يمكن من خلالها الوصول إلى الأسباب الحقيقية التي دعت الحكومة المصرية إلى التراجع عن قرارها. الأول هو الحفاظ على الورقة الفلسطينية، ففي زحمة السقوط اللامسبوق، التي تهاوت فيها الفوارق بين رصانة الساسة وسذاجة الإعلام، تداركت القيادة المصرية خطورة قرارها، وأثره على دورها الاستراتيجي، لاعباً أساسياً في إدارة الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، كما فعلت في الحرب الأخيرة على غزة. لذلك، رأت أنه ليس من مصلحتها استعداء حماس، ليس كرامة للقضية الفلسطينية، وإنما خوفاً من فقدان ورقة ثمينة تكسبها أهمية كبيرة في صراع التوازنات الإقليمية.
المحور الثاني هو الخوف من التقارب بين حماس وإيران، في ظل إغلاق المنافذ العربية أمام حماس، والتي يأتي في مقدمتها معبر رفح، ولا شك أن القيادتين المصرية والسعودية التقطتا الإشارات التي وجهها القيادي في حركة حماس، محمود الزهار، في تصريحات قال فيها:" العلاقة بيننا وبين إيران استراتيجية لا تتغير"، وهذا ما يزعج المملكة السعودية التي تتابع ببالغ القلق ما يحدث في العاصمة صنعاء من تعاون بين الحوثيين وإيران، يتيح للأخيرة الدخول، وبقوة، لاعباً أساسياً في لعبة البازارات السياسية.
المحور الثالث والأخير، والذي يبدو أقرب إلى المنطق، هو التوجه السعودي الجديد بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، خلفاً لشقيقه الراحل الملك عبد الله، حيث تقوم اسراتيجية المملكة، وفقاً لخطاب العاهل السعودي، وللتصريحات الصادرة عن الديوان الملكي، على تنقية الأجواء العربية والإسلامية، ووضع نهج مشترك بين القوى الإقليمية، بما في ذلك تركيا وقطر، ما يتعارض مع الدعوة المصرية لإنشاء قوة عسكرية إقليمية، لا تشمل هاتين الدولتين.
في هذا المحور أيضاً، لا يمكن إغفال الرسائل المباشرة التي تم توجيهها إلى النظام المصري، في تصريحات وصفت بالمثيرة لوزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل: "لا توجد مشكلة بين السعودية وجماعة الإخوان المسلمين"، وتزامن هذا التصريح مع تصريحات أخرى للقيادة السياسية في حركة حماس، أكدت فيها أن مصادر رفيعة المستوى أبلغتها أن المملكة، في عهدها الجديد، لا تنظر إلى حماس منظمة إرهابية، وتعتبرها حركة مقاومة فلسطينية.
أدى هذا التغيير في الخطاب السعودي إلى ارتباك النظام المصري، حيث ظهر ذلك في تصريحات معادية للمملكة ضمنياً، وأطلقها باحثون وإعلاميون مقربون من دائرة صنع القرار في مصر، بالتلويح بالورقة الإيرانية، رداً على التقارب بين المملكة وأنقرة. وعلى المستوى نفسه، جاء الرد السعودي بتغريدة لمستشار سابق في ديوان رئاسة الوزراء، قال فيها: "وضع مصر يشبه وضع اليمن إلى حد ما، كلاهما سيدفع أفدح الأثمان، إذا رفع الورقة الإيرانية".
ونظراً للتحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها النظام المصري، والتي يعتمد في مواجهتها اعتماداً تاماً على المساعدات الخليجية، لم يكن أمامه مجال للمرواغة والمناورة. لذلك، طرأ تغيير كبير خلال فترة قصيرة على الخطاب المصري الرسمي تجاه تركيا وقطر، حيث نفى الرئيس، عبد الفتاح السيسي، بشكل مفاجئ أن يكون قد صدر عن مصر أي تصريح أو إساءة بحق البلدين، وفي الإطار نفسه، صرح وزير الخارجية المصري السابق، نبيل فهمي، أن تركيا دولة مهمة، والتعاون بينها وبين مصر والسعودية مفيد للمنطقة العربية.
في هذا الاتجاه، يمكن أن نفهم سبب تراجع القيادة المصرية عن قرارها باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية. ولكن، ما لا يمكن فهمه إصرارها على إغلاق معبر رفح، ومحاصرة مليون وسبعمائة ألف فلسطيني.
علي أبو مريحيل
مثلما فوجئ الشارع العربي بالحكم الذي صدر عن محكمة مصرية، في الثامن والعشرين من فبراير/شباط الماضي، باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية، فوجئ، أول من أمس، المصريون الموالون للنظام بالطعن الذي قدمته الحكومة المصرية على الحكم، ما اعتبر سابقة في تاريخ القضاء المصري، حسب مقيم الدعوى، المحامي سمير صبري.
وفي محاولة بائسة لتفسير هذا التراجع، أرجعت الحكومة المصرية طعن هيئة قضايا الدولة على الحكم، إلى تطبيق قانون الكيانات الإرهابية الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الرابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، فكانت الفترة الزمنية الفاصلة بين إصدار هذا القانون وتقديم الدعوى محل الطعن، كفيلة بدحض إدعاء الحكومة.
التفاتة بسيطة إلى الوراء تضعنا أمام ثلاثة محاور مهمة، يمكن من خلالها الوصول إلى الأسباب الحقيقية التي دعت الحكومة المصرية إلى التراجع عن قرارها. الأول هو الحفاظ على الورقة الفلسطينية، ففي زحمة السقوط اللامسبوق، التي تهاوت فيها الفوارق بين رصانة الساسة وسذاجة الإعلام، تداركت القيادة المصرية خطورة قرارها، وأثره على دورها الاستراتيجي، لاعباً أساسياً في إدارة الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، كما فعلت في الحرب الأخيرة على غزة. لذلك، رأت أنه ليس من مصلحتها استعداء حماس، ليس كرامة للقضية الفلسطينية، وإنما خوفاً من فقدان ورقة ثمينة تكسبها أهمية كبيرة في صراع التوازنات الإقليمية.
المحور الثاني هو الخوف من التقارب بين حماس وإيران، في ظل إغلاق المنافذ العربية أمام حماس، والتي يأتي في مقدمتها معبر رفح، ولا شك أن القيادتين المصرية والسعودية التقطتا الإشارات التي وجهها القيادي في حركة حماس، محمود الزهار، في تصريحات قال فيها:" العلاقة بيننا وبين إيران استراتيجية لا تتغير"، وهذا ما يزعج المملكة السعودية التي تتابع ببالغ القلق ما يحدث في العاصمة صنعاء من تعاون بين الحوثيين وإيران، يتيح للأخيرة الدخول، وبقوة، لاعباً أساسياً في لعبة البازارات السياسية.
المحور الثالث والأخير، والذي يبدو أقرب إلى المنطق، هو التوجه السعودي الجديد بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، خلفاً لشقيقه الراحل الملك عبد الله، حيث تقوم اسراتيجية المملكة، وفقاً لخطاب العاهل السعودي، وللتصريحات الصادرة عن الديوان الملكي، على تنقية الأجواء العربية والإسلامية، ووضع نهج مشترك بين القوى الإقليمية، بما في ذلك تركيا وقطر، ما يتعارض مع الدعوة المصرية لإنشاء قوة عسكرية إقليمية، لا تشمل هاتين الدولتين.
في هذا المحور أيضاً، لا يمكن إغفال الرسائل المباشرة التي تم توجيهها إلى النظام المصري، في تصريحات وصفت بالمثيرة لوزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل: "لا توجد مشكلة بين السعودية وجماعة الإخوان المسلمين"، وتزامن هذا التصريح مع تصريحات أخرى للقيادة السياسية في حركة حماس، أكدت فيها أن مصادر رفيعة المستوى أبلغتها أن المملكة، في عهدها الجديد، لا تنظر إلى حماس منظمة إرهابية، وتعتبرها حركة مقاومة فلسطينية.
أدى هذا التغيير في الخطاب السعودي إلى ارتباك النظام المصري، حيث ظهر ذلك في تصريحات معادية للمملكة ضمنياً، وأطلقها باحثون وإعلاميون مقربون من دائرة صنع القرار في مصر، بالتلويح بالورقة الإيرانية، رداً على التقارب بين المملكة وأنقرة. وعلى المستوى نفسه، جاء الرد السعودي بتغريدة لمستشار سابق في ديوان رئاسة الوزراء، قال فيها: "وضع مصر يشبه وضع اليمن إلى حد ما، كلاهما سيدفع أفدح الأثمان، إذا رفع الورقة الإيرانية".
ونظراً للتحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها النظام المصري، والتي يعتمد في مواجهتها اعتماداً تاماً على المساعدات الخليجية، لم يكن أمامه مجال للمرواغة والمناورة. لذلك، طرأ تغيير كبير خلال فترة قصيرة على الخطاب المصري الرسمي تجاه تركيا وقطر، حيث نفى الرئيس، عبد الفتاح السيسي، بشكل مفاجئ أن يكون قد صدر عن مصر أي تصريح أو إساءة بحق البلدين، وفي الإطار نفسه، صرح وزير الخارجية المصري السابق، نبيل فهمي، أن تركيا دولة مهمة، والتعاون بينها وبين مصر والسعودية مفيد للمنطقة العربية.
في هذا الاتجاه، يمكن أن نفهم سبب تراجع القيادة المصرية عن قرارها باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية. ولكن، ما لا يمكن فهمه إصرارها على إغلاق معبر رفح، ومحاصرة مليون وسبعمائة ألف فلسطيني.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية