عودة خاطئة إلى المفاوضات
د. فايز رشيد
خطوة الرئيس عباس بالعودة إلى المفاوضات مع الجانب "الإسرائيلي"، والتي تمت على مرتين في عمان ووعود باستئنافها، ومثلها كذلك الالتقاء مع اللجنة الرباعية بحضور الجانب "الإسرائيلي"، هي تراجع كبير عن وعود الرئيس بعدم إجراء أية مفاوضات مع "الإسرائيليين" قبل وقف الاستيطان، ذلك أنه لم تحدث أية مستجدات على هذا الصعيد، بل العكس من ذلك تقوم "إسرائيل" ببناء الآلاف من الوحدات الاستيطانية، وتهوّد القدس وتفصلها تماماً عن الضفة الغربية، حيث أصبح من الاستحالة بمكان: إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود عام 1967.
تأتي المفاوضات مع الجانب "الإسرائيلي" في الوقت الذي مرّرت فيه الحكومة "الإسرائيلية" مشروع قرار إلى الكنيست ينص على أن "القدس عاصمة للشعب اليهودي". وتأتي أيضاً في الوقت الذي تفاءل فيه شعبنا الفلسطيني في كل مواقعه بإمكانية تطبيق المصالحة وتجاوز حالة الانقسام الضار في الساحة الفلسطينية، والمفاوضات من جديد هي أولاً وأخيراً ضرب لمصداقية السلطة وللرئيس عباس شخصياً الذي تعهد بعدم إجرائها قبل وقف الاستيطان، حتى إن الفصائل المنضوية في منظمة التحرير كافة أصدرت بيانات شجبت فيها هذه الخطوة، وكذلك فعلت حركتا حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى.
صائب عريقات الذي قاد الجانب الفلسطيني في هذه المفاوضات برّر خطوة الإقدام عليها من خلال القول "إن اللجنة الرباعية تريد التعرف إلى مواقف الطرفين، الفلسطيني و"الإسرائيلي" تجاه ملفات عالقة مثل: الحدود والأمن"، والذي نسأله لكبير المفاوضين الفلسطينيين "أحقاً لا تعرف اللجنة الرباعية حقيقة الموقف "الإسرائيلي" من هاتين القضيتين وهي التي تخوض مباحثات مستمرة مع الجانبين منذ سنوات طويلة؟ "إسرائيل" حددت مواقفها من الحدود منذ سنوات طويلة، هذه المواقف تقضي بعدم العودة إلى حدود عام 1967 مطلقاً، وهذا الموقف هو قاسم مشترك أعظم بين جميع ألوان الطيف السياسي "الإسرائيلي"، وحددت مواقفها أيضاً من قضية "الأمن"، فالأمن "الإسرائيلي" هو أولاً وثانياً وأخيراً، ووجود قوات عسكرية "إسرائيلية" في بعض مناطق الضفة الغربية (في حالة إقامة دولة فلسطينية) وفي منطقة غور الأردن، هو مبررات تقتضيها متطلبات الأمن "الإسرائيلي"، والإشراف على معابر الدولة العتيدة، وعلى سمائها وما تحت أرضها ونزع أسلحتها، هي متطلبات للأمن "الإسرائيلي"، والتنسيق الأمني بين سلطة الدولة و"إسرائيل" تخضع لنفس السياق.
كذلك إمكانية دخول القوات "الإسرائيلية" إلى المدن والمناطق الفلسطينية الخاضعة للدولة، هي أيضاً بدعوى مبررات الأمن "الإسرائيلي"، فهل يبدو المسؤول الفلسطيني مقنعاً عندما يطرح هذه الأسباب في تبرير اللقاءات مع "الإسرائيليين"؟ نشك في ذلك، فصائب عريقات هو أحد المسؤولين الفلسطينيين الذين وعدوا بأن السلطة الفلسطينية على أبواب اتخاذ خطوات ستغير وجه المنطقة! الذي حصل أن شيئاً من ذلك لم يتم، بل العكس من ذلك، إذ وافقت السلطة، بل الأصح قولاً: إنها تراجعت عن مواقفها ووعودها وخضعت للابتزاز "الإسرائيلي".
طوال عشرين عاماً من المفاوضات العبثية مع "إسرائيل"، راهنت الأخيرة دوماً على تراجع السلطة الفلسطينية عن تهديداتها، وهذا ما كان يتم دوماً، فعلى مدى كل تلك السنوات لم تتراجع "إسرائيل" مطلقاً عن تهديدٍ قالته، ولا عن قرارٍ اتخذته، ولا عن موقف انتهجته، ومع ذلك تتراجع السلطة عن وعودها أمام وعود سرابية من الولايات المتحدة أم من أحد أطراف اللجنة الرباعية.
ما نؤكد عليه أن اللجنة الرباعية هي لسان حال واشنطن، ولم يسبق لها أن تجاوزت السقف الأمريكي، بل تعود وتتراجع عن مواقفها التي تبدو عادلة ومتوازنة تحت ضغوطات الإدارة الأمريكية.لقد اتخذت السلطة الفلسطينية قراراً توجهت به إلى اللجنة الرباعية بتغيير مندوب اللجنة في المنطقة، توني بلير بسبب تحيزه ل"إسرائيل"، لكن اللجنة ضربت عرض الحائط بالرغبة الفلسطينية، وظل بلير مبعوثاً لها في المباحثات مع الجانبين "الإسرائيلي" والفلسطيني، بلير بالمعنى الفعلي هو رغبة أمريكية قبل كونه مندوباً للرباعية.
قرار السلطة بالاجتماع مع "الإسرائيليين" في عمان، سواء ثنائياً أو بحضور طرف ثالث أو مع اللجنة الرباعية بوجود الجانب "الإسرائيلي"، هو قرار خاطئ، خاطئ، خاطئ.
صحيفة الخليج الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية