غزة بعد الحرب .. بقلم :د. أيمن أبو ناهية

السبت 20 سبتمبر 2014

غزة بعد الحرب

د. أيمن أبو ناهية


وضعت الحرب في قطاع غزة أوزارها، دون اتفاق ولا ملامح اتفاق لتثبيت وقف إطلاق النار، والاحتمالات كلها تقديرات موقف لدى المواطن العادي، والسياسي ينتظر أن يعرف لكي يعرف الجميع من بعده مصير مرحلة دخلها القطاع، وعاشها على مدار خمسين يومًا، كلها أيام دم ودخان ودمار وتشريد.

وبعد وقف إطلاق النار، وعودة الحياة إلى طبيعتها غير المكتملة، بقيت تتفاعل أثار العدوان الأخير، فالذين فقدوا منازلهم بين عدة أحوال، منها بقاؤهم فوق بيوتهم المدمرة، دون مأوى ولا منافع ولا أسس معيشة، ومنهم من استأجر بيتًا وينتظر بناء بيته مع ارتفاع الإيجار إلى ضعفي ما كان عليه قبل العدوان، مع زيادة عدد أشهر المقدم للأجرة؛ لضمان منفعة المؤجر، واستغلال المستأجر المنكوب في بيته المدمر، وماله، ومنهم من اضطر إلى حشر نفسه وأسرته عند قريب له أو عزيز عليه، والأغلبية لم يكن لها غير مدارس وكالة الغوث، لتغيث نفسها من تشتيت قد يصيبها، ومن هذه العائلات المنكوبة وغيرها التي خشيت على نفسها من نكبة جديدة فتحت بوابة الغربة للهجرة من كل القطاع، مع مخاطر الطريق واحتمالات الغرق المؤكد.

قطاع غزة بعد العدوان بل الذي لا يزال في ترقب بين مرحلتين لم يحسم أمرهما بعد يعيش حالة شديدة اللهجة، بلسان الكارثة التي لم تنته بعد، فمن ينزل سوق الخضار أو يدخل محلًّا لبيع المواد الغذائية، أو يحاول أن يعرّج على بائع لحوم يدرك تمامًا أن الغلاء له بالمرصاد، بكامل عتاده وشراسة نيرانه، فمن نجا واشترى فقد اضطر غير باغ، ومن ترك وعاد بخفي حنين دخل العجز من نفق مظلم، فالغلاء أغلق طرقًا كثيرة للحياة الكريمة، وفتح طرق الزهد والشح والعيش على أقل القليل.

ولأنه عدوان فتحت فيه مسالك القتل والتدمير والتشريد؛ سجّل علاماته على كل مناحي الحياة الأخرى، فالذي فقده سكان قطاع غزة من مقومات وثروات زراعية وحيوانية لم يدخل بعد في إحصائيات دقيقة، ولكن ظهر أثره في الأسواق، ولمس المواطن ذلك في ارتفاع الأسعار الجنوني، فكيلو جرام الدجاج ارتفع من عشرة "شواقل" إلى سبعة عشر (شيقلًا) وفي أفضل حالاته إلى خمسة عشر (شيقلًا)، والخضراوات أسعارها متذبذبة في صعودها ولا تنخفض إلى ما كانت عليه قبل العدوان.

ومن الأسواق التي تأثرت أيضًا أسواق الملابس، وسبب ارتفاع أسعارها أن طال مخازنها ومصانعها الدمار والحرق، فما خزنه التجار، وادخروه لموسم الدراسة أتت عليه قذائف وصواريخ الاحتلال؛ لتجعله رمادًا متطايرًا في سماء فتحت جحيمها على مليوني نسمة، ينقصون بعض الشيء، فكان لابد من إجراء معادلات لتعويض بعض الخسائر، وجهات هذه التعويض هي المواطن، المعرض أيضًا للنكسة نفسها، فعلى التجار واجب ديني ووطني وأخلاقي تجاه شعبهم، وليتقوا الله في الأسعار.

والسؤال المرتبك اليوم: المواطن يلاحق من لأجل محاسبته: التاجر الكبير الذي مني بخسائر كبيرة، أم حكومة لا تحكم، أم جهات لم تدعم؟

سؤال يحتاج إلى إعادة بناء، كما يحتاج قطاع غزة إلى إعادة إعمار بأسرع وقت ممكن؛ من أجل عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي، واستمرارها بكرامة، وقدرة مستطاعة، هذا إن وقفنا على مصير هدنة اقترب أجلها، ولم يظهر لها معزون.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية