غزة وإستراتيجية النواة الصلبة ... بقلم : د. محمد رمضان الأغا

الخميس 02 أبريل 2015

غزة وإستراتيجية النواة الصلبة



د. محمد رمضان الأغا


جاءت زيارة الحمد لله إلى غزة بعد إدراك عباس أن الأمور لا تسير وفقًا لـ(سيناريو) الخنق المرسوم لغزة (دفعها دفعًا قسريًّا إلى ما يسمى "الخيار القاتل")؛ فقدرة غزة على الصمود والاستمرار بعد الحرب، وتشديد الحصار، وحرمان الموظفين رواتبهم، والتغيرات الإقليمية، وفوز نتنياهو، وترتيبات قطر لإعادة الإعمار، واتصالات الأوروبيين، والورقة السويسرية، وقرب عقد القمة العربية الـ(26) في شرم الشيخ؛ كل هذه وغيرها عوامل سرعت الزيارة لا الخوف من فصل الضفة عن غزة كما يروجون؛ فهم يضغطون بقوة بل يمارسون ويكرسون فعليًّا عملية الفصل بتمييز مشئوم بين الموظفين والمواطنين حسب انتماءاتهم وأطيافهم السياسية.

تمامًا كما زيارته الأولى التي لم يحركه لها دافع وطني أو دافع أخلاقي أو إنساني؛ كانت الزيارة فقط لتعطيل عملية الإعمار، ووقف عجلة الحياة في غزة، وهي البطيئة أصلًا، توقع بعض يومها أن الهدف هو الحصول على مال الإعمار المنبثق من مؤتمر إعمار غزة الذي عقد في القاهرة حينها، لكن تبين أن الموضوع قد يحمل في طياته ما هو أبعد وأبعد.

إن عملية تعطيل الإعمار، وفرض ضرائب على المساعدات والمنح القادمة إلى غزة، وحرمان غزة أدنى حقوقها في المجالات كافة: الخدماتية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على حكومة التوافق والمنوطة بها؛ هي مجموعة من الجرائم التي ترتكب ضد غزة وأهلها الجزء العزيز من أرض فلسطين وشعب فلسطين.

لقد صرح الأوروبيون علنًا خلال لقاءات خاصة أنهم لا يعارضون تقاضي موظفي غزة رواتبهم من الحكومة، ولا مانع لديهم من تلقي موظفي غزة كافة رواتبهم من المساعدات والمنح الأوروبية للشعب الفلسطيني، دونما تفريق بين موظف وموظف، ولا ذكر وأنثى، ولا أسود وأبيض وأصفر؛ احترامًا للمعايير الأوروبية، ويدرك الأوروبيون وغيرهم أن فلسطين من أهم عوامل الاستقرار في المنطقة والإقليم والعالم، وإن المعادلة الصعبة ببساطة هي أن استقرار منطقة المتوسط يعني استقرارًا دوليًّا، والعكس صحيح، إن عدم استقرار غزة والضغط عليها بهذه الطريقة غير الأخلاقية وغير الإنسانية هبوط بكل معاني القيم الإنسانية إلى مستوى الحضيض الذي ليس بعد قعره قعر. وهذا يعني عدم رغبة حقيقية في استقرار المنطقة وما حولها، إن المشاركين في حصار الأطفال والنساء والشيوخ لم يعودوا يعملون من وراء الكواليس، بل يعملون في وضح النهار دون وازع أو رادع.

إن لدى غزة قدرة فذة على الصمود والتحمل، ولكن لا يعني ذلك قبولها هذه السياسة، ومن يرِد أن يختبر مدى قدرتها على ذلك فليس مطلوبًا منه أن يجرب؛ فبمجرد نظرة حكيمة وعميقة إلى بيئة غزة خلال العقد الماضي يدرك أين تكمن النواة الصلبة التي تستمد غزة منها صمودها، بل كيف لقنت جيشًا "لا يقهر" درسًا في القهر لم يسبق له أن واجه قهرًا مثله على مدار سبعة عقود ونيف، وإن المقاومة قد ألغت إلى غير رجعة اليوم الذي كان يصف الكيان العبري فيه حروبه مع العرب بأنها نزهة.

لقد صمدت غزة وفي صمودها صمود لفلسطين كلها أرضها وشعبها وأحرارها، صمدت في وجه إستراتيجيات عدة ومتعاقبة، صمدت ضد إستراتيجية الاستئصال وأفشلتها، وصمدت ضد إستراتيجية الاحتواء وأفشلتها؛ وصمدت ضد إستراتيجيات الحصار وأفشلت معظمها، وصمدت ضد حروب عدة فرد الله أعداءها على أعقابهم خاسئين خاسرين، وما كان ذلك كله إلا بتوفيق من الله ومعية، ثم بفضل إعداد فذ لمدارات الصمود المتعددة والمحيطة بالنواة الصلبة.

إن عدم قدرة الاحتلال وغيره على النيل من صمود غزة، بعد دحره منها تحت ضربات المقاومة بسلاحها الإستراتيجي المبتكر في ذلك الوقت، وهو زلزلة الأرض تحته بالأنفاق، ما جعله يفر مذعورًا مدحورًا، بعد انهيار إستراتيجية شارون: "إن (نتساريم) كـ(تل أبيب)"؛ إن كل ذلك لا يدع مجالًا للشك في أن إستراتيجية "النواة الصلبة" قد نجحت مرات في كسر إستراتيجية شارون "النتساريمية"، وقديمًا قالوا: "السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه"، فهل يدرك المتآمرون على غزة أنها عصية على الكسر والانكسار كليهما؟!
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية