فك ارتباط أم فك رقبة؟
صلاح حميدة
دعا عدد من السياسيين الفلسطينيين حركة "حماس" ل "فك ارتباطها" بجماعة الإخوان المسلمين، واتهمها بعضهم بتقديم مصلحة الاخوان على مصلحة القضية الفلسطينية، ودعوها للتخلى و"الانسلاخ" عن أيديولوجيتها وأن تصبح "حركة وطنية فلسطينية" محذرين مما اعتبروه "التداعيات الاقتصادية والسياسية على القضية والشعب الفلسطيني".د
لا يمكن فصل هذه التصريحات عن السياق العام الاقليمي المنقلب على الربيع العربي والذي كان الإخوان المسلمين أكبر الرابحين فيه، ولذلك كانت هذه التصريحات محاولة لركوب هذه الموجة، واقتناص أكبر قدر من الفائدة منها، فالوحيد القادر على الضغط على حركة "حماس" هم الانقلابيون في مصر، وقد أفرغوا ما في جعبتهم تجاه قطاع غزة وحركة "حماس" ولو كان الأمر بيدهم لاقتحموه، ولكن تبعات الغرق في رمال غزة المتحركة ترعب الكثيرين من خوض هذه المجازفة الخطيرة.
اتهام حركة "حماس" بأنّها ذات فكر عابر للحدود لا يدينها في شيء، فمَن من الحركات الفلسطينية ليس لها امتدادات إقليمية وعالمية؟ ومن منهم لم يتدخل مباشرةً في الشأن المصري؟ كما أنّ هذه الدعوة تعبير عن فكر "الامتداد" الذي ينتهج نفس السياسات تجاه الاخوان، بالإضافة إلى أنّ أحد المصرِّحين كان يشارك في المظاهرات المعادية لحكم الإخوان في مصر برفقة آخرين من تنظيمات أخرى، بل أعلن بعضهم أنّه وضع كل طاقاته وعلاقاته الدبلوماسية وغير الدبلوماسية خدمة للسلطة الانقلابية، أما حركة "حماس" *** تفعل مثلما فعلوا ولم تتدخل في الصراع الدائر هناك، وكل ما يجري ليس إلا تعاطفاً طبيعياً من أفراد مع المظلوم بدون تبعات على الأرض، ولم يثبت أي اتهام وُجِّه للحركة في هذا الصدد، ومن يوجّه الاتهام أو النصح للحركة أولى بأن يوجهه لنفسه، والسؤال الذي يطرح نفسه عليهم حول الكيفية التي سيتعاطون فيها مع ردّة فعل الشعب المصري تجاههم وتجاه من يؤيدهم من الفلسطينيين عندما يسقط الانقلاب؟.
الإخوان المسلمون يعانون في بعض الدول العربية من اتهامهم بأنّهم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين، فهم يعتبرون أنّ فلسطين قضيتهم الأولى، وحاربوا من أجلها بكل إمكانياتهم منذ اليوم الأول، ولا يزالون، ومشروعهم المقاوم في فلسطين يقف في وجه الاعتراف بالاحتلال ويرفض شروطه الأربعة، ويضع كافة إمكانياته في مواجهة تهويد والسيطرة على المسجد الأقصى، وأصبح الشيخ رائد صلاح وأبناء الجماعة هم الدرع الذي يحمي المسجد من هجمات المستوطنين على مدار الساعة، ويرفض الإخوان التنازل عن أي ذرة من أرض فلسطين ويعتبرونها جزءاً من عقيدتهم، ولم تقصف تل أبيب إلا بصواريخ صدام وصواريخ الاخوان، وبينما هربت الجيوش العربية أمام جيش الاحتلال في ست ساعات، صمد جيش الإخوان أمام هذا الجيش في حربين شرستين وأذاقه مرَّ الزؤام، وأجبره على تبادل مُذل للأسرى، وبفضل مشروع الإخوان تفكك الاستيطان من قطاع غزة وأصبح كل مستوطن وجندي احتلالي على يقين أنّه سيفقد حياته أو ستفقده دولته إذا اقترب من حدود القطاع، ولذلك يعتبر الانتماء للإخوان المسلمين انتماءً لفلسطين، فالإخوان فلسطينيون اعتقاداً وسياسةً وجهاداً وانتماءً، وهذا يجعل تعميم حالة الأخونة السياسية فلسطينياً أمراً مُلِحّاً، ولذلك فالحركة لا تختار بين إخوانيتها وفلسطينيتها، فالإخواني صفة لازمة للفلسطيني حتى ولو لم ينتمِ للاخوان، لأنَّ المشروع الإخواني يسع كل فلسطين و الفلسطينيين.
تأتي هذه الدعوة في سياق الانتهازية السياسية والتفكير الثأري الاستئصالي، وهي تعبير عن فكر استعلائي أبوي يرغب في احتواء والاستفراد بالشريك والمنافس الوطني ومحاولة تجريده من مميزاته وتمييع صورته وتشويهها وطنياً، وتبعات هذه السياسة تمس قطاعات واسعة من الفلسطينيين، وهي التي تضر بأهالي قطاع غزة بشكل عملي وتشكل دعوة للسلطات المصرية للتنكيل بالفلسطينيين من باب الاستجابة للانتقام من "حماس" الإخوانية، وتجسد ذلك في إغلاق الأنفاق والحرب الإعلامية وإذلال الفلسطينيين على معبر رفح، وبهذا يطلق هؤلاء النار على شعبهم وهم يظنون أنّ الانقلابيين سيخلصونهم من "حماس" مثلما هُيِّئ لهم أنّهم استطاعوا التخلص من الإخوان المصريين.
لا تحظى هذه الدعوة بالمصداقية شعبياً، فقد اتُّهِمَت حركة "حماس" بتبنيها للخيار الأردني عندما كانت قيادة مكتبها السياسي في الأردن، واتهمت بانها أداة في يد النظام السوري خلال وجودها في دمشق، واتُّهِموا بأنهم ( شيعة... شيعة) عندما تقاربوا مع حزب الله وإيران، وكانوا يُتَّهَمون بأنهم قريبون من الكويت والإمارات وقطر والسعودية، والطريف أنّ كل مقعد غادرته "حماس" جلس عليه من طالبوها بتركه!!.
علاقات حركة "فتح" قديمة مع الإخوان منذ تأسيسها، فقد كان بعض قادتها من الإخوان أو تدربوا في معسكراتهم، وحافظ ياسر عرفات على علاقة دائمة مع مرشدي الإخوان وكان يزورهم كلما زار مصر، وعندما حوصر في المقاطعة وقاطعه العرب، لم يكن يتصل به إلا خالد مشعل وأمير قطر، وتقارب مع الإخوان بشكل كبير حتى قُتِل، أما مرسي وإخوان مصر فقد كانت لهم علاقات متميزة مع محمود عباس، ولم تخرج سياستهم عن الخط العام، وما قدموه ل"حماس" هو التغاضي عن كسر الحصار أسفل الأرض عبر الأنفاق، وهي سياسة سابقة لحكمهم، بالإضافة إلى عدم إغلاق المعبر، والدعم السياسي للمقاومة الفلسطينية خلال الحرب، وكان الممثل للشعب الفلسطيني بالنسبة لهم هو منظمة التحرير ورئيسها، ولذلك يبدو مستغرباً هذا الهجوم على مرسي والاخوان، فإذا كانت الواقعية السياسية دفعت بحركة "فتح" للتعامل مع حكم الإخوان، فالأولى أن تدفع المنطلقات الفكرية والسياسية والأخلاقية والحضارية والانتماء للخيارات الشعبية حركة "حماس" لرفض هذا الطّلب.
يدرك من يدعون هذه الدعوة أنّ التنظيم الدولي للإخوان هو الداعم الأكبر للحركة، ولذلك فهم يدعونها للانتحار، وانتقائية الاتهامات للحركة التي تتنقل حسب المناطق التي تدعمها سياسياً ومادياً ولوجستياً ليست إلا رغبةً في تفكيك عوامل القوة في المشروع السياسي الإخواني على أرض فلسطين، أملاً بتطويعه والإجهاز عليه، وبالتالي تدرك الحركة أنّ حملة "فك الارتباط" ليست إلا حملةً ل "فك رقبتها".
صلاح حميدة
دعا عدد من السياسيين الفلسطينيين حركة "حماس" ل "فك ارتباطها" بجماعة الإخوان المسلمين، واتهمها بعضهم بتقديم مصلحة الاخوان على مصلحة القضية الفلسطينية، ودعوها للتخلى و"الانسلاخ" عن أيديولوجيتها وأن تصبح "حركة وطنية فلسطينية" محذرين مما اعتبروه "التداعيات الاقتصادية والسياسية على القضية والشعب الفلسطيني".د
لا يمكن فصل هذه التصريحات عن السياق العام الاقليمي المنقلب على الربيع العربي والذي كان الإخوان المسلمين أكبر الرابحين فيه، ولذلك كانت هذه التصريحات محاولة لركوب هذه الموجة، واقتناص أكبر قدر من الفائدة منها، فالوحيد القادر على الضغط على حركة "حماس" هم الانقلابيون في مصر، وقد أفرغوا ما في جعبتهم تجاه قطاع غزة وحركة "حماس" ولو كان الأمر بيدهم لاقتحموه، ولكن تبعات الغرق في رمال غزة المتحركة ترعب الكثيرين من خوض هذه المجازفة الخطيرة.
اتهام حركة "حماس" بأنّها ذات فكر عابر للحدود لا يدينها في شيء، فمَن من الحركات الفلسطينية ليس لها امتدادات إقليمية وعالمية؟ ومن منهم لم يتدخل مباشرةً في الشأن المصري؟ كما أنّ هذه الدعوة تعبير عن فكر "الامتداد" الذي ينتهج نفس السياسات تجاه الاخوان، بالإضافة إلى أنّ أحد المصرِّحين كان يشارك في المظاهرات المعادية لحكم الإخوان في مصر برفقة آخرين من تنظيمات أخرى، بل أعلن بعضهم أنّه وضع كل طاقاته وعلاقاته الدبلوماسية وغير الدبلوماسية خدمة للسلطة الانقلابية، أما حركة "حماس" *** تفعل مثلما فعلوا ولم تتدخل في الصراع الدائر هناك، وكل ما يجري ليس إلا تعاطفاً طبيعياً من أفراد مع المظلوم بدون تبعات على الأرض، ولم يثبت أي اتهام وُجِّه للحركة في هذا الصدد، ومن يوجّه الاتهام أو النصح للحركة أولى بأن يوجهه لنفسه، والسؤال الذي يطرح نفسه عليهم حول الكيفية التي سيتعاطون فيها مع ردّة فعل الشعب المصري تجاههم وتجاه من يؤيدهم من الفلسطينيين عندما يسقط الانقلاب؟.
الإخوان المسلمون يعانون في بعض الدول العربية من اتهامهم بأنّهم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين، فهم يعتبرون أنّ فلسطين قضيتهم الأولى، وحاربوا من أجلها بكل إمكانياتهم منذ اليوم الأول، ولا يزالون، ومشروعهم المقاوم في فلسطين يقف في وجه الاعتراف بالاحتلال ويرفض شروطه الأربعة، ويضع كافة إمكانياته في مواجهة تهويد والسيطرة على المسجد الأقصى، وأصبح الشيخ رائد صلاح وأبناء الجماعة هم الدرع الذي يحمي المسجد من هجمات المستوطنين على مدار الساعة، ويرفض الإخوان التنازل عن أي ذرة من أرض فلسطين ويعتبرونها جزءاً من عقيدتهم، ولم تقصف تل أبيب إلا بصواريخ صدام وصواريخ الاخوان، وبينما هربت الجيوش العربية أمام جيش الاحتلال في ست ساعات، صمد جيش الإخوان أمام هذا الجيش في حربين شرستين وأذاقه مرَّ الزؤام، وأجبره على تبادل مُذل للأسرى، وبفضل مشروع الإخوان تفكك الاستيطان من قطاع غزة وأصبح كل مستوطن وجندي احتلالي على يقين أنّه سيفقد حياته أو ستفقده دولته إذا اقترب من حدود القطاع، ولذلك يعتبر الانتماء للإخوان المسلمين انتماءً لفلسطين، فالإخوان فلسطينيون اعتقاداً وسياسةً وجهاداً وانتماءً، وهذا يجعل تعميم حالة الأخونة السياسية فلسطينياً أمراً مُلِحّاً، ولذلك فالحركة لا تختار بين إخوانيتها وفلسطينيتها، فالإخواني صفة لازمة للفلسطيني حتى ولو لم ينتمِ للاخوان، لأنَّ المشروع الإخواني يسع كل فلسطين و الفلسطينيين.
تأتي هذه الدعوة في سياق الانتهازية السياسية والتفكير الثأري الاستئصالي، وهي تعبير عن فكر استعلائي أبوي يرغب في احتواء والاستفراد بالشريك والمنافس الوطني ومحاولة تجريده من مميزاته وتمييع صورته وتشويهها وطنياً، وتبعات هذه السياسة تمس قطاعات واسعة من الفلسطينيين، وهي التي تضر بأهالي قطاع غزة بشكل عملي وتشكل دعوة للسلطات المصرية للتنكيل بالفلسطينيين من باب الاستجابة للانتقام من "حماس" الإخوانية، وتجسد ذلك في إغلاق الأنفاق والحرب الإعلامية وإذلال الفلسطينيين على معبر رفح، وبهذا يطلق هؤلاء النار على شعبهم وهم يظنون أنّ الانقلابيين سيخلصونهم من "حماس" مثلما هُيِّئ لهم أنّهم استطاعوا التخلص من الإخوان المصريين.
لا تحظى هذه الدعوة بالمصداقية شعبياً، فقد اتُّهِمَت حركة "حماس" بتبنيها للخيار الأردني عندما كانت قيادة مكتبها السياسي في الأردن، واتهمت بانها أداة في يد النظام السوري خلال وجودها في دمشق، واتُّهِموا بأنهم ( شيعة... شيعة) عندما تقاربوا مع حزب الله وإيران، وكانوا يُتَّهَمون بأنهم قريبون من الكويت والإمارات وقطر والسعودية، والطريف أنّ كل مقعد غادرته "حماس" جلس عليه من طالبوها بتركه!!.
علاقات حركة "فتح" قديمة مع الإخوان منذ تأسيسها، فقد كان بعض قادتها من الإخوان أو تدربوا في معسكراتهم، وحافظ ياسر عرفات على علاقة دائمة مع مرشدي الإخوان وكان يزورهم كلما زار مصر، وعندما حوصر في المقاطعة وقاطعه العرب، لم يكن يتصل به إلا خالد مشعل وأمير قطر، وتقارب مع الإخوان بشكل كبير حتى قُتِل، أما مرسي وإخوان مصر فقد كانت لهم علاقات متميزة مع محمود عباس، ولم تخرج سياستهم عن الخط العام، وما قدموه ل"حماس" هو التغاضي عن كسر الحصار أسفل الأرض عبر الأنفاق، وهي سياسة سابقة لحكمهم، بالإضافة إلى عدم إغلاق المعبر، والدعم السياسي للمقاومة الفلسطينية خلال الحرب، وكان الممثل للشعب الفلسطيني بالنسبة لهم هو منظمة التحرير ورئيسها، ولذلك يبدو مستغرباً هذا الهجوم على مرسي والاخوان، فإذا كانت الواقعية السياسية دفعت بحركة "فتح" للتعامل مع حكم الإخوان، فالأولى أن تدفع المنطلقات الفكرية والسياسية والأخلاقية والحضارية والانتماء للخيارات الشعبية حركة "حماس" لرفض هذا الطّلب.
يدرك من يدعون هذه الدعوة أنّ التنظيم الدولي للإخوان هو الداعم الأكبر للحركة، ولذلك فهم يدعونها للانتحار، وانتقائية الاتهامات للحركة التي تتنقل حسب المناطق التي تدعمها سياسياً ومادياً ولوجستياً ليست إلا رغبةً في تفكيك عوامل القوة في المشروع السياسي الإخواني على أرض فلسطين، أملاً بتطويعه والإجهاز عليه، وبالتالي تدرك الحركة أنّ حملة "فك الارتباط" ليست إلا حملةً ل "فك رقبتها".
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية