فلسطين.. الخروج من الطريق المسدود...بقلم : ممدوح طه

السبت 10 سبتمبر 2011

فلسطين.. الخروج من الطريق المسدود



ممدوح طه
بعد «الربيع العربي».. يبدو أن "إسرائيل" تواجه حالياً بداية الخريف العبري، ليس فقط من داخلها بما شهدته من انتفاضات شعبية فلسطينية وعمليات فدائية وقصف صاروخي فلسطيني من غزة المحاصرة رفضاً لسياسات الاستيطان والاحتلال، وما تشهده حالياً من مظاهرات نصف مليونية إسرائيلية هذه المرة احتجاجاً على سياسات الفساد والاستغلال، وهو ما يجعل هذا الخريف صعباً على "إسرائيل".

بل أيضاً من أكثر من اتجاه خارجي عربي وتركي وإيراني ودولي مواجهة للخريف الأصعب، خصوصاً ما تشهده من شبح الهزيمة السياسية والعزلة الدولية بتأثير التحرك الفلسطيني باتجاه الأمم المتحدة لنقل القضية من الدائرة الثنائية إلى الدائرة العالمية، ومن الوصاية الأميركية إلى الولاية الأممية، بعد قلب طاولة المفاوضات العبثية، لتتحول مسألة الاعتراف في الجمعية العامة والعضوية من خلال مجلس الأمن إلى أهم العناوين السياسية عربياً وعبرياً وغربياً وعالمياً.

فعبوراً على الطريق المسدود الذي واجهته المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية نتيجة للتعنت الصهيوني والتراجع الأميركي، قررت القيادة الفلسطينية وقف تلك المفاوضات العبثية، وبدعم عربي قررت التوجه إلى الأمم المتحدة وعبور الطريق المفتوح، ليصبح الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية على حدود يونيو عام 67 أهم بند على جدول الأعمال، حتى تصبح العضو رقم 194.

لم يكن هذا المأزق السياسي نتيجة للتعنت الإسرائيلي فقط بل بالتراجع الأميركي أيضاً، وهو ما ترجمه نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن بلاءاته المتحدية لأميركا والعرب والعالم بقوله لا للانسحاب لحدود عام 67، ولا لعودة اللاجئين، ولا لتقسيم القدس، ولا لوقف الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا للقرارات الأممية الرافضة للاحتلال والنافية لشرعية الاستيطان ولتهويد القدس، والداعية لعودة اللاجئين إلى فلسطين وفقاً للقرار الأممي رقم 194.

فما وجهه من لطمة قوية بهذه التصريحات المعادية للسلام في واشنطن وعلى الأخص وسط حماسة هيستيرية في الكونجرس الأميركي للسياسة الأميركية المعلنة ضد السياسة الأميركية بحل الدولتين ووقف الاستيطان، ومن صفعة مباشرة على وجه الرئيس الأميركي بوعوده للفلسطينيين والعرب والمسلمين في خطابه بجامعة القاهرة وتراجع عنها، وبكلمته في الأمم المتحدة وتطلعه لاحتلال دولة فلسطين لمقعدها فيها، بينما يقف الآن ضدها، إنما يفقد أميركا كل المصداقية!

والأدهى، هو ما عبر عنه الرئيس الفلسطيني نفسه بمرارة في أبريل الماضي وهو في قلب المأزق الذي أوقعه فيه أوباما بعد رضوخه للابتزاز والضغط الصهيوني، قائلاً: «صدقت وعود أوباما وصعدت معه أعلى الشجرة ثلاث مرات، بوقف الاستيطان، وبشأن إقامة الدولة، وباستئناف المفاوضات، ولكن سرعان ما نزل أوباما على سلم ثم سحب السلم، وطلب مني القفز على الأرض، ولا يهم إذا ما دق عنقي»!!

إن هذا القرار بالتحرك لا يخرج المفاوض الفلسطيني من المأزق فقط ، بل أيضاً يضع "إسرائيل" وأميركا وأوروبا في المأزق نفسه، وهو ما رفضته "إسرائيل" وعارضته أميركا وانقسمت بشأنه أوروبا، فقال نتنياهو: «هذا التحرك لابد من وقفه بكل قوة، مهدداً الفلسطينيين بإجراءات انتقامية»، وتعهد أوباما بعرقلة عضوية دولة فلسطين في المنظمة الدولية، مهدداً بعقوبات على الدول المؤيدة للاعتراف بالدولة، بينما هو الذي بشر بها!

إن تبني غالبية واسعة في الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية سيكون فشلاً ل"إسرائيل" التي ستجد نفسها حكماً معزولة، وسيكون فشلاً للفلسطينيين، بسبب التهديدات التي يواجهونها بقطع التمويل الأميركي، وحيث هددت "إسرائيل" بإجراءات ثأرية وسيكون فشلاً لأميركا التي ستجد نفسها معزولة.. وأخيراً سيكون فشلاً للأوروبيين الذين سيتعرضون لخطر الانقسام.

ليبقى السؤال.. أليس الأجدى لو بذلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعض جهودهما التي يبذلانها لدعم ما يسمونه «الربيع العربي» وفق أجنداتهما الخاصة، ضغطاً على "إسرائيل" لوقف الاستيطان لأجل مفاوضات جدية مع الفلسطينيين لتحقيق السلام؟

والثابت أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في المنطقة، فهي التي حركت الجيوش العربية للانقلابات الثورية بعد عام 48، ولأن "إسرائيل" بتواطؤ أميركي وغربي بقيت مصدر التهديد الرئيسي للأمن القومي العربي ومصدر الفتن الأهلية والانقسامات الوطنية في البلاد العربية والإسلامية حتى اليوم.

ولكن، مثلما تدور الفصول فعلى الباغي تدور الدوائر، ف"إسرائيل" التي لا تزال ترفض التسليم باستحقاقات السلام العادل، وتصر على استمرار سياسات الاحتلال والعدوان والاستيطان والحصار وتحدي الشرعية الدولية، تواجه حاليا أكثر من مأزق صعب وتحيط بها العواصف الغاضبة من كل اتجاه، تقف هذه الأيام شبه معزولة على بداية خريف صعب بغيومه وزوابعه.

وبينما شكل الربيع بالأمس أكبر خسارة ل"إسرائيل" بضياع «كنزها الاستراتيجي» في مصر بعد خسارة ذراعها التكتيكي في تونس، وما تلاه من لفحات ولطمات صيف ساخن شكله رفض الثورة المصرية للحصار الصهيوني على غزة، ففتحت معبر رفح بصورة دائمة وبدون مراقبة إسرائيلية أو أوروبية، و اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة التحرير الفلسطيني فتح بما فتح الطريق باتجاه أفق فلسطيني جديد.

بات خريف اليوم يشكل رسالة إنذار ل"إسرائيل" بعد انتفاضات شعبها في الداخل وانتفاضة الشعب العربي المصري والأردني في الخارج حول السفارات الإسرائيلية في القاهرة وعمان مطالبة بطرد السفير الصهيوني رداً على جرائم العدوان على الجنود المصريين في سيناء، ومع قرار الحكومة التركية بطرد السفير الصهيوني من أنقره رداً على جرائم العدوان على المواطنين الأتراك في أسطول الحرية التركي، والتوجه إلى محكمة العدل الدولية لوقف الحصار على غزة.

إنه الحصاد المر للسياسات التوسعية العدوانية التي تجر على "إسرائيل" الآن أكثر من عاصفة خريفية تنذر بالتحول إلى إعصار في شتاء قادم لا محالة بغيومه القاتمة!.

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية