فوز نتنياهو ومعضلة عباس
تمثل نتائج الانتخابات الإسرائيلية تحدياً كبيراً لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، وبرنامجه السياسي الذي ما زال يتشبث به، وستفضي إلى تقليص هامش المناورة المتاح له إلى حد كبير. وسيكون من المثير حقاً أن يعود عباس إلى شعاره الشهير "البديل الوحيد عن المفاوضات هو المفاوضات"، بعد أن أعلن رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، المحتفي بانتصاره الكبير، أنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية، فإسرائيل، بعد الانتخابات، تريد، بكل بساطة، شطب كلمة "انسحاب" من قاموس التداول بينها وبين السلطة الفلسطينية. لذا، لم يكن مستهجناً أن يسارع شركاء نتنياهو الجدد والقدماء بالمطالبة بتضمين برنامج الحكومة المقبلة بنوداً تدعو ليس فقط إلى الالتزام بعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية، بل أيضاً ضم المناطق المصنفة "ج"، والتي تشكل أكثر من 60% من الضفة الغربية، لإسرائيل. إلى جانب ذلك، ترى قوى اليمين أنه يتوجب سحب كل مخططات التهويد والاستيطان من الأدراج، ووضعها موضع التنفيذ، لإسدال الستار على "حل الدولتين" بشكل عملي.
كانت زيارة نتنياهو مستوطنة "جبل أبو غنيم"، قبل يوم من إجراء الانتخابات ذات دلالة خاصة، حيث أوضح فيها أن هذا المشروع يمثل إضافة نوعية لمخطط "القدس الكبرى"، الهادف إلى تغيير الواقع الديموغرافي في القدس والضفة الغربية بشكل كبير. لكن التحدي الذي سيواجه عباس لا يتوقف عند هذا الحد، فقوى اليمين الصهيونية العاجزة عن مقاومة سكر الانتصار، تعد العدة لإحداث تغيير جوهري في كل ما يتعلق بالتعاطي الصهيوني مع المسجد الأقصى. فقد انقسمت الأحزاب اليمينية، بشقيها العلماني والديني، في تعهداتها للجمهور الإسرائيلي بشأن مستقبل التعاطي مع المسجد الأقصى، فبعضها تعهد بتمرير مشاريع قوانين تضمن التقاسم الزماني في الحرم، وبعضها الآخر تعهد بسن قوانين لضمان التقاسم المكاني.
وإن كان هذا لا يكفي، فإن قوى اليمين تستعد لإدخال تغييرات دستورية وبنيوية على مؤسسات الكيان الصهيوني وهياكلها بما يسمح لها بإمضاء سياساتها تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطينيي الداخل. فعلى سبيل المثال، تجاهر هذه القوى بنيتها إدخال تعديلات عاجلة تنظم عمل المحكمة العليا، لمصادرة حقها في الاعتراض على أي مشاريع قوانين عنصرية تسن لمعاقبة الفلسطينيين.
إذن، بات العنوان على الجدار بكل وضوح، وصار التحدي الذي يواجهه عباس واضحاً وجلياً، ولا يمكن مواجهته بأنماط وآليات التحرك السابقة. *** يكن سراً أن عباس راهن على فوز تحالف يسار الوسط، لكي يعفي نفسه من خطر المواجهة المباشرة مع حكومة اليمين، فقد أعد العدة للتراجع عن مخططاته للتوجه للأمم المتحدة وخصوصاً لمحكمة الجنايات الدولية، بمجرد الإعلان عن فوز تحالف يسار الوسط، حيث إن وجود حكومة تمثل هذا التحالف كان سيبرر العودة لدوامة المفاوضات العبثية اللانهائية.
إن أكثر ما عكس رهان عباس على فوز اليسار الصهيوني حقيقة أنه ليس فقط ضرب بعرض الحائط توصية المجلس المركزي الفلسطيني بوقف التعاون الأمني التي صدرت قبل عشرة أيام من الانتخابات، بل تعاظمت مظاهر هذا التعاون بعد صدور هذه التوصية، لأن عباس خشي تنفيذ فصائل فلسطينية عمليات ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية، تؤثر على فرص اليسار الصهيوني بالفوز. وهذا ما يفسر حملات الاعتقال الواسعة التي طالت قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في جميع مناطق الضفة الغربية.
ومما يفاقم معضلة عباس حقيقة أنه لن يكون بوسعه التذرع بالضغوط الأميركية عليه، من أجل التعايش مع الحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل. فقد كان الرئيس بارك أوباما شخصياً هو من أكد، بشكل لا يقبل التأويل، أنه لا يمكن قبول المواقف التي عبر عنها نتنياهو وشركاؤه في اليمين. لذا، بات عباس مطالباً باستخلاص العبر، بعد ما أسفرت الانتخابات الإسرائيلية عما أسفرت عنه.
وقد ظل عباس يقول إن التعاون الأمني مع إسرائيل يخدم المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، فهل يمكن أن يواصل تبني هذه المقولة، حتى بعد أن أعلن نتنياهو أنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية، وفي ظل مخططات إسرائيل لضم معظم الضفة الغربية؟
هل يعقل أنه، في الوقت الذي تنقض فيه الجرافات الصهيونية على الأراضي الفلسطينية وتسويتها، تمهيداً لبناء مزيد من المستوطنات، أن يواصل ممثلو جيش الاحتلال وأجهزة السلطة الأمنية التخطيط لمزيد من الحملات الأمنية المشتركة ضد المقاومة الفلسطينية، كما يحدث الآن؟
وهل يعقل أن يتواصل التعاون الأمني، في الوقت الذي ترفض إسرائيل تحويل عوائد الضرائب لخزانة السلطة الفلسطينية، ما جعل موظفي السلطة يحصلون على 60% فقط من رواتبهم، مع العلم أن وزارة المالية التابعة للسلطة تفيد بأن مجمل ما استولت عليه إسرائيل من أموال فلسطينية يصل إلى 1.7 مليار دولار. ناهيك عن رفض ربط مدينة روابي، أول مدينة فلسطينية تقام بعد العام 67 بشبكة المياه. وماذا بشأن التوجه إلى المحافل الدولية ومحاسبة إسرائيل أمام محكمة الجنايات خصوصاً.
صحيح أن عباس كان يتمنى أن تسفر الانتخابات الإسرائيلية عن نتيجة أخرى، تعفيه من تبعات مواجهة ردة الفعل الإسرائيلية على أي تحرك يتخذه ضدها، لكن هل يعقل أن يتراجع عباس عن هذه التحركات تحديداً، بعد المواقف التي عبر عنها اليمين الإسرائيلي؟
ساعة الحقيقة أزفت، وسيكون على عباس مواجهة تبعات الواقع الصعب، على الرغم من أن التجربة دلت على أن عباس لا يلج دائماً إلى الاستخلاصات المطلوبة، إلا أنه لا يوجد ما يبرر ترف التردد والارتباك. وإذا كان لا يريد أن يذكره التاريخ نسخة مشوهة لأنطوان لحد، عليه أن يوقف التعاون الأمني مع الاحتلال، وأن يسارع إلى إنجاز المصالحة الوطنية، بالتوافق على برنامج وطني، يضمن القواسم المشتركة التي يمكن أن يجمع عليها الفلسطينيون. ويمكن التوافق على خيار المقاومة السلمية والدبلوماسية والشعبية، وتجميد العمل المسلح، من أجل استغلال قوة الدفع الناجمة عن انكشاف عنصرية النخبة الصهيونية وشوفينيتها.
صالح النعامي
تمثل نتائج الانتخابات الإسرائيلية تحدياً كبيراً لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، وبرنامجه السياسي الذي ما زال يتشبث به، وستفضي إلى تقليص هامش المناورة المتاح له إلى حد كبير. وسيكون من المثير حقاً أن يعود عباس إلى شعاره الشهير "البديل الوحيد عن المفاوضات هو المفاوضات"، بعد أن أعلن رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، المحتفي بانتصاره الكبير، أنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية، فإسرائيل، بعد الانتخابات، تريد، بكل بساطة، شطب كلمة "انسحاب" من قاموس التداول بينها وبين السلطة الفلسطينية. لذا، لم يكن مستهجناً أن يسارع شركاء نتنياهو الجدد والقدماء بالمطالبة بتضمين برنامج الحكومة المقبلة بنوداً تدعو ليس فقط إلى الالتزام بعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية، بل أيضاً ضم المناطق المصنفة "ج"، والتي تشكل أكثر من 60% من الضفة الغربية، لإسرائيل. إلى جانب ذلك، ترى قوى اليمين أنه يتوجب سحب كل مخططات التهويد والاستيطان من الأدراج، ووضعها موضع التنفيذ، لإسدال الستار على "حل الدولتين" بشكل عملي.
كانت زيارة نتنياهو مستوطنة "جبل أبو غنيم"، قبل يوم من إجراء الانتخابات ذات دلالة خاصة، حيث أوضح فيها أن هذا المشروع يمثل إضافة نوعية لمخطط "القدس الكبرى"، الهادف إلى تغيير الواقع الديموغرافي في القدس والضفة الغربية بشكل كبير. لكن التحدي الذي سيواجه عباس لا يتوقف عند هذا الحد، فقوى اليمين الصهيونية العاجزة عن مقاومة سكر الانتصار، تعد العدة لإحداث تغيير جوهري في كل ما يتعلق بالتعاطي الصهيوني مع المسجد الأقصى. فقد انقسمت الأحزاب اليمينية، بشقيها العلماني والديني، في تعهداتها للجمهور الإسرائيلي بشأن مستقبل التعاطي مع المسجد الأقصى، فبعضها تعهد بتمرير مشاريع قوانين تضمن التقاسم الزماني في الحرم، وبعضها الآخر تعهد بسن قوانين لضمان التقاسم المكاني.
وإن كان هذا لا يكفي، فإن قوى اليمين تستعد لإدخال تغييرات دستورية وبنيوية على مؤسسات الكيان الصهيوني وهياكلها بما يسمح لها بإمضاء سياساتها تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطينيي الداخل. فعلى سبيل المثال، تجاهر هذه القوى بنيتها إدخال تعديلات عاجلة تنظم عمل المحكمة العليا، لمصادرة حقها في الاعتراض على أي مشاريع قوانين عنصرية تسن لمعاقبة الفلسطينيين.
إذن، بات العنوان على الجدار بكل وضوح، وصار التحدي الذي يواجهه عباس واضحاً وجلياً، ولا يمكن مواجهته بأنماط وآليات التحرك السابقة. *** يكن سراً أن عباس راهن على فوز تحالف يسار الوسط، لكي يعفي نفسه من خطر المواجهة المباشرة مع حكومة اليمين، فقد أعد العدة للتراجع عن مخططاته للتوجه للأمم المتحدة وخصوصاً لمحكمة الجنايات الدولية، بمجرد الإعلان عن فوز تحالف يسار الوسط، حيث إن وجود حكومة تمثل هذا التحالف كان سيبرر العودة لدوامة المفاوضات العبثية اللانهائية.
إن أكثر ما عكس رهان عباس على فوز اليسار الصهيوني حقيقة أنه ليس فقط ضرب بعرض الحائط توصية المجلس المركزي الفلسطيني بوقف التعاون الأمني التي صدرت قبل عشرة أيام من الانتخابات، بل تعاظمت مظاهر هذا التعاون بعد صدور هذه التوصية، لأن عباس خشي تنفيذ فصائل فلسطينية عمليات ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية، تؤثر على فرص اليسار الصهيوني بالفوز. وهذا ما يفسر حملات الاعتقال الواسعة التي طالت قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في جميع مناطق الضفة الغربية.
ومما يفاقم معضلة عباس حقيقة أنه لن يكون بوسعه التذرع بالضغوط الأميركية عليه، من أجل التعايش مع الحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل. فقد كان الرئيس بارك أوباما شخصياً هو من أكد، بشكل لا يقبل التأويل، أنه لا يمكن قبول المواقف التي عبر عنها نتنياهو وشركاؤه في اليمين. لذا، بات عباس مطالباً باستخلاص العبر، بعد ما أسفرت الانتخابات الإسرائيلية عما أسفرت عنه.
وقد ظل عباس يقول إن التعاون الأمني مع إسرائيل يخدم المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، فهل يمكن أن يواصل تبني هذه المقولة، حتى بعد أن أعلن نتنياهو أنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية، وفي ظل مخططات إسرائيل لضم معظم الضفة الغربية؟
هل يعقل أنه، في الوقت الذي تنقض فيه الجرافات الصهيونية على الأراضي الفلسطينية وتسويتها، تمهيداً لبناء مزيد من المستوطنات، أن يواصل ممثلو جيش الاحتلال وأجهزة السلطة الأمنية التخطيط لمزيد من الحملات الأمنية المشتركة ضد المقاومة الفلسطينية، كما يحدث الآن؟
وهل يعقل أن يتواصل التعاون الأمني، في الوقت الذي ترفض إسرائيل تحويل عوائد الضرائب لخزانة السلطة الفلسطينية، ما جعل موظفي السلطة يحصلون على 60% فقط من رواتبهم، مع العلم أن وزارة المالية التابعة للسلطة تفيد بأن مجمل ما استولت عليه إسرائيل من أموال فلسطينية يصل إلى 1.7 مليار دولار. ناهيك عن رفض ربط مدينة روابي، أول مدينة فلسطينية تقام بعد العام 67 بشبكة المياه. وماذا بشأن التوجه إلى المحافل الدولية ومحاسبة إسرائيل أمام محكمة الجنايات خصوصاً.
صحيح أن عباس كان يتمنى أن تسفر الانتخابات الإسرائيلية عن نتيجة أخرى، تعفيه من تبعات مواجهة ردة الفعل الإسرائيلية على أي تحرك يتخذه ضدها، لكن هل يعقل أن يتراجع عباس عن هذه التحركات تحديداً، بعد المواقف التي عبر عنها اليمين الإسرائيلي؟
ساعة الحقيقة أزفت، وسيكون على عباس مواجهة تبعات الواقع الصعب، على الرغم من أن التجربة دلت على أن عباس لا يلج دائماً إلى الاستخلاصات المطلوبة، إلا أنه لا يوجد ما يبرر ترف التردد والارتباك. وإذا كان لا يريد أن يذكره التاريخ نسخة مشوهة لأنطوان لحد، عليه أن يوقف التعاون الأمني مع الاحتلال، وأن يسارع إلى إنجاز المصالحة الوطنية، بالتوافق على برنامج وطني، يضمن القواسم المشتركة التي يمكن أن يجمع عليها الفلسطينيون. ويمكن التوافق على خيار المقاومة السلمية والدبلوماسية والشعبية، وتجميد العمل المسلح، من أجل استغلال قوة الدفع الناجمة عن انكشاف عنصرية النخبة الصهيونية وشوفينيتها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية