في ذكرى النكسة...القدس بين التهويد والتهديد...بقلم :النائب أحمد عطون

الخميس 02 يونيو 2011

في ذكرى النكسة..."القدس بين التهويد والتهديد"


النائب أحمد عطون


إن الحديث عن يهودية الدولة العبرية وسياساتها العنصرية تجاه القدس والداخل الفلسطيني وسكانهما الفلسطينيين.. هو الحديثُ عن فصل قبيح من فصول الاحتلال الصهيوني اللئيم.. والذي اتخذ اليهودَ آلته ومادته ووسيلته. ونحن إذ نتحدثَ عن اليهودِ وجرائمِهم فإننا نقصدُ المحتلين منهم والعابثين بمصائر الأمم ومقدراتها.. ولا نقصدُ ولا نتهم اليهودَ جملة واحدة بصفتهم يهوداً أصحابَ كتاب.. وهذا ما أرشدنا إليه ديننا الحنيفُ والحمد لله رب العالمين..

وهذا الفصلُ القبيح من فصول الصهيونية.. هو ثمرة لازمة لأبجدياتها الفكرية والتخطيطية.. من لدن مَنْ تسَمُوا ب " الآباء الأوائل" للصهيونية.. أمثال : تيودور هيرتسل ونحمان سيركين ومناحيم أوسيشكين وحاييم وايزمن ومن بعدهم جابوتنسكي ودافيد بن غوريون وغيرهم..

هؤلاء السابقون الذين نادوا بطرد الفلسطينيين من أراضيهم.. ليحل بدلاً منهم عصاباتٌ أخرى تدعي الحضارة والتقدم.. برغم اقترافها لعمليات بشعة لم تنتهي حتى يومنا هذا من المجازر والهدم والحرق والتشريد..

كان الهدفُ واضحاً إذاً للصهيونيين الأوائل الذين أكدوا على أن المقصود بالدولة المنشودة.. أن تكون يهودية صرفة.. وصدر هذا التصريح عن غير واحد من أهل التنظير الصهيوني وتحديداً مع بدايات القرن العشرين.. وأكدوا هؤلاء كذلك صعوبة أو استحالة إقامة هذا الكيان الغاصب دون ترحيل للفلسطينيين.. وخلعهم من أراضيهم ومدنهم
وقراهم..

وعلى هذا فليس مقبولاً على هؤلاء المحتلين المجرمين قبول الآخر.. فهم يدركون أن فعلهَم في طرد أهل الأرض الأصليين دون حق ولا رحمة.. فعلٌ شنيع وظالم.. ويعتقدون أنّ المظلوم لابد سيقوى يوماً ويستعيدَ حقه وقد ينتقم لكرامته وشرفه.. لذا تجدَ المحتل يبقى خائفاً من يوم قادم.. ويعمل ما بوسعه لتهويد الدولة وإلغاء الآخر الفلسطيني.. وإتباع كافة السبل لمنعه من القدرة على تجميع نفسه والالتقاء مع بعضه والأخذ بالأسباب. كذلك القيام بكل الوسائل لشطب الحضارة والهوية والإنسان. وهذا ما حصل ويحصل دوماً ودون توقف ولو لساعة واحدة من ليل أو نهار.. وتحديداً في مدينة القدس.. إضافة إلى ثورة التزوير والتهويد التي حصلت وتحصل على أراضينا المحتلة عام 1948.

وأول من قال بهذا التهويد للحجر والشجر والبشر.. مؤسسُ الصهيونية تيودور هيرتسل.. حيث أعلنها صريحة واضحة فقال إذا حصلنا يوماً على مدينة القدس.. وكنتُ لا أزالُ حياً وقادراً على القيام بأي عمل.. فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها.. وسوف أحرق جميع الآثار الموجودة ولو مرت عليها قرون ". وقول هيرتسل هذا وهو الرجل العلماني غير المتدين.. يكشف لنا عن حقيقة مكنون المتدينين منهم وما يبينونه تجاه فلسطين والقدس وسكانهما.


وفي هذا الطريق سارت عصابات الصهيونية.. فهذا دافيد بن غور يون رئيس أول حكومة لها يحدد ما يجب فعله فيقول يجب القيام بكل شئ لضمان أن الفلسطينيين لن يعودوا أبداً.. مطمئناً زملائه أنهم لن يعودوا فعلاً : فالكبار منهم سيموتون.. والصغار سوف ينسون.. وأضاف قائلاً : يجب أن نستخدم الإرهاب والاغتيال والترهيب ومصادرة الأراضي.. وقطع جميع الخدمات الاجتماعية لتخليص منطقة الجليل من السكان العرب ).


وسبب نظرتهم الدونية هذه للبشر كما هو معروف توجيهات أحبارهم في كتبهم المحرفة.. وهذا الحاخام " ياكوف بيران" يجسد بعض ذلك فيصرح في صحيفة " نيويورك ديلي نيوز" قائلاً : أنّ مليونَ عربي لا يساوون ظفرَ يهودي واحد ". وما فتاوى الحاخامات الصهاينة اليومية في نظرتهم للعرب والتعامل معهم عنا ببعيد.


فالتطهير العرقي ضد الفلسطينيين هو واقع وتاريخ وليس مجرد مصطلح , ولا يزال هذا الشعب يعاني من آثاره , وهذا التطهير العرقي الصامت منه والصارخ له أوجه عدة منها القتل والإجلاء ومنها أفكار وسياسات احتلالية لتهويد المكان والأرض وسرقة الماضي والحاضر والمستقبل بل وسرقة هوية الأرض والبلاد
.


فعمدت المؤسسة الإسرائيلية الاحتلالية إلى تهويد شامل لأرض فلسطين , شمل البشر والشجر والحجر , مهودة المكان وساعية إلى تهويد ذاكرته , في محاولة منهم لتثبيت وجودهم على هذه الأرض , ونفي وجود أصحاب الأرض الأصليين الذين أصبح غالبيتهم لاجئين ,
فلم تكتف المؤسسة الاحتلالية بهدم آثار القرى المهجرة بل أيضا سعت وما زالت إلى طمس
تاريخ هذه الأرض وصياغته وفق ما يلائم مصالحهم , ما دام القوي هو من" يكتب التاريخ" عادة !!؟


ان هذا الوضع وهذه العقلية والتربية العنصرية الصهيونية,دفع نحو انتخاب أحزاب يمينية و متطرفة كما نعلم , شكلت في أخر المطاف حكومة عنصرية, رفعت منذ يومها الأول شعارات معادية للفلسطينيين والعرب , ودعت إلى تطبيق شعار "يهودية الدولة" والولاء لها وضرورة التربية للانتماء إلى التراث اليهودي والأيديولوجية الصهيونية , وتغليب الرواية اليهودية , وتغييب الرواية الفلسطينية.


هذه الأمور وغيرها ترجمت على شكل قوانين ومشاريع قوانين وممارسات متطرفة وعنصرية في غاية الخطورة على حاضر ومستقبل العرب الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني وفي مدينة القدس بشكل مباشر.

فالمؤسسة الإسرائيلية الاحتلالية تهدف من وراء كل هذه الممارسات وغيرها الكثير , إلى فرض يهودية "الدولة" على الفلسطينيين لأخذ شرعية تهجيرهم أو فصلهم عنها ,وإلغاء حق العودة , ومواجهة النمو والزيادة الفلسطينية للسكان العرب....الخ.

إن الممارسات الإسرائيلية العنصرية في القدس والداخل الفلسطيني إن بقيت على حالها , فلا شك أنها ستؤثر كثيرا على إسلامية وعروبة هذه البلاد , وسيكون ردودها سلبيا على المجتمع العربي الفلسطيني في القدس والداخل.


صحيح إن ما جرى للقدس والمقدسيين جرى لباقي فلسطين.. ولكن لأنها البقعة المقدسة.. ولأنها المسجد الأقصى المبارك.. فقد رأينا الطعنات في حقها أبلغ وأكثرَ ألمَاً.. وما اقترفته يدُ الاحتلال الآثمة في عموم فلسطين ومنذ احتلالها عام 1948.. اقترفته في حق القدس والمقدسيين.. مع فارق ٍ في التنفيذ الماكر والأكثر ِ دهاءً.. في القتل والهدم والتشريد والإرهاب.. ليتفنن في تحويل الأقصى من مسجدٍ وقفٍ للإسلام والمسلمين.. إلى جبل ٍ للهيكل المزعوم.. يجوز حفرُ الأنفاق ِ من أسفله وفي محيطه وإقامة الكنس الصغيرة والكبيرة حوله وتحته.. إلى أن أصبحنا في حال ٍ سيءٍ متردٍّ إلى درجة بات فيها اليهود يزاحموننا في ساحات المسجد.. بل ونُمْنعَ من دخوله في كثير من الأحيان..


ونحن نحصي هذه الأحداث لا من باب السرد.. وإنما في سياق بيان حركة التهويد والعنصرية في حق المسجد الأقصى والمقدسات.. هذا التهويد الذي وقفت المؤسساتُ الدولية المعنية موقفاً سلبياً منه.. كالأمم المتحدة واليونسكو.. واللجان ِالمتفرعةِ عنهما.. وما انطبق على المقدسات الإسلامية انطبق على المسيحية منها... والمسيحيون جزءٌ لا يتجزأ من نسيجنا الفلسطيني المقدسي.


واستمرت سياسات التهويد والعنصرية تجاه المدينة بشكل مسعور ودون توقف.. وبينما يقطن المدينة اليوم مائتان وسبعون ألف مقدسي من حملة الهوية المقدسية الزرقاء.. أخرج الجدار العنصري مائة وعشرون ألفاً منهم خارج المدينة.. فإنّ الخبراء يقدرون عدد المقدسيين إجمالاً بنصف مليون لولا تسببِ الاحتلال بتهجير الثلثين. فجمعٌ هاجرَ يوم احتلت المدينة.. وجمعٌ سُحبت هوياتهم وتم إبعادهم.. وجمعٌ أخرجهم الجدار..


واليوم تقف المدينة على أبواب تهجير جديد.. حيث أعدت الحكومة مخططاً لبناء 187.000 ألف وحدة استيطانية في مدينة القدس.. من أجل توطين مليون يهودي على أقل تقدير.. وتمهيداً لذلك شرعت بإنذار المقدسيين بأوامر هدم أحيائهم.. في وادي حلوة والبستان وسلوان والثوري والشياح وصور باهر والبلدة القديمة والشيخ جراح والعيسوية.. وصاحب هذه الأوامر قرارات تفيدُ بمصادرة الأراضي التي تقعُ عليها هذه المناز
ل.. بقصد عدم تمكن أصحابها من إعادة بنائها. الأمر الذي سيضطر ألوف وعشرات ألوف من السكان للهجرة والإبعاد ألقسري بعدما يجدون أنفسهم بلا أراض ٍ ولا منازل.


وحتى تتمكن السلطات من إبعاد كل هؤلاء وبسهولة.. ودون احتجاج دولي ٍ ولا ضجيج.. اعتمدت خطة مسبقة بإبعاد رموز القدس وقياداتها ونشطائها.. الذين يُحرِّضون السكان على مقاومة الاحتلال ويفضحون جرائمه وممارساته ضد الأرض والسكان والمقدسات.. فمنذ عامين تقريباً وهي تبعد هؤلاء القادة عن المسجد الأقصى تارة.. وعن المدينة تارة أخرى.. وتمنعهم من السفر حيناً وتعتقلهم حيناً آخر وما جرى للشيخ رائد صلاح والشيخ محمد ابو طير عنا ببعيد..
إلى أن اتخذت الخطوة الأكثر شراسة وخطورة.. وذلك بإبعاد ثلاثة نواب منتخبين في المجلس التشريعي الفلسطيني ووزير سابق.. ونفذت الإبعاد بحق أحدهم وهو فضيلة النائب الشيخ محمد أبوطير.. فيما تمكن الثلاثة الآخرون من الاعتصام في مقر البعثة الدولية للصليب الأحمر في مدينة القدس منذ 1/7/2010 وحتى يومنا هذا وهم أخواي : الوزير خالد أبوعرفة والنائب محمد طوطح وأنا النائب أحمد عطون.

وقد أخذ تهويد المدينة المقدسة مناح ٍ وأنماط : فتهويدٌ للمقدسات.. وتهويدٌ للإنسان والأرض.. وتهويدٌ للثقافة والأسماء والذاكرة والتاريخ.. وتهويدٌ للمشهد عامة..


وتجاه هذا جميعا فالمطلوب ازاء ذلك :
1 - أنْ تتظافرَ كافة ُ الجهودِ الرسميّة العربية والإسلامية.. من أجل الضغط على دولة الاحتلال للوقف الفوري لكل هذه الاعتقالات..
2 - تشكيلَ تجمّع ٍ إسلامي ٍ ضاغطٍ وفاعل ٍ من أجل نصرة قضية القدس والأقصى والمقدسات.. بالإضافة إلى تفعيل دور ِ الهيئات التي تأسست أصلا ً لنصرة هذه القضية.. كمنظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة القدس..
3 - تدخلَ جامعة الدول العربية لعقد قمة ٍ طارئة ٍ لمناقشة القضية وتبنيها وتفعيلها أمام كل المحافل الدولية.
4 - تفعيلَ الدور ِ الشعبي محلياً ودولياً للضغط على الجهات الرسمية.. ونصرة وإظهار هذه القضية لتبقى حاضرة دائمة على كل الأصعدة.
5 - توفيرَ الدعم المادي لسكان مدينة القدس ومساعدتهم في الصمود أمامَ الهجمة الشرسة للاحتلال.. ودعمَ المؤسسات المقدسية والمحافظة على وجودها وتطويرها.. بالإضافة إلى تأسيس صندوق ٍ لنصرة القدس.. والإشراف عليه ومتابعة عمله.
6 - التأكيدَ على فتاوى العلماء المسلمين بخصوص القدس والأقصى وأرض فلسطين بصفتها وقفٍ إسلامي ٍ.. وإشهار هذه الفتاوى بحيث تصبح جزءً من ثقافةِ الناس وديدنِها..
7 - دعوة البرلمانات العربية والإسلامية لحمل هذا الهم.. وتحويله إلى تيارٍ جارفٍ وعلى رأسه العلماءُ والنخبُ والأحزاب.. للتأكيد على واجب المسلمين وحقهم في كامل الأرض الفلسطينية ومقدساتها وخاصة في الداخل الفلسطيني العزيز..
8 – وضع مدينة القدس بكل ملفاتها على سلم أولويات العمل الوطني الفلسطيني الرسمي والشعبي...ووضع خطة طوارئ لتعزيز صمود المقدسيين..وإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من مدينة القدس أمام الهجمة المسعورة التي يشنها الاحتلال على المدينة وأهلها.
وفي الختام :
فإنّ قضية القدس والأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية أكبرُ وأعظمُ من فلسطين والفلسطينيين.. ويجبُ أنْ تنصبّ كافة الجهود لنصرتها بعيداً عن التجاذبات والخلافات.. فالقدسُ أكبرُ من خلافاتنا.. وعليها نجتمعُ ولا نفترق.. ونتوحّد ُ ولا نتشتت.. ومن أجلها وفي سبيلها نقاتلُ ولا نتقاتل.. وتبقى صرخة ُ القدس والأقصى تدوي في آذان الأحرار قائلة ً :
هذه ظلامه ٌ تسعى من البيت المقدس كل المساجد طهرت وأنا على شرفي أدنس
فهل لهذه الصرخة من مجيبٍ ومن مُلَبّ ٍ ؟؟

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية