في ذكرى حماس والانتفاضة: عن أزمة حماس ومهمتها التاريخية
بقلم: ساري عرابي
لم يستطع الإخوان المسلمون الفلسطينيون بعد العام 1954 التقاط اللحظة التاريخية عقب انقلاب جمال عبد الناصر على حلفائه السابقين في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ولأن قطاع غزة في ذلك الحين كان تابعًا للإدارة المصرية فإن الحظر والقمع قد طال فرع الجماعة الفلسطيني في قطاع غزة، والتي عانت الانحسار والجمود ثلاثة عقود متواصلة، وإن تميز العقد الأخير منها، أي منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي وصولاً إلى الانتفاضة الأولى، بالإرهاصات التي كشفت عن المولود الذي تجددت بواسطته جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية.
تمكنت حماس، من بعد الانتفاضة الأولى، من مزاحمة حركة فتح على صدارة المشهد الفلسطيني، دون أن تتمكن من التحول إلى البديل الكامل عن فتح، رغم أن البريق الثوري لهذه الأخيرة كان قد بدأ بالانطفاء منذ تبنيها برنامج النقاط العشر على طريق التسوية وانغماسها في الحرب الأهلية اللبنانية عاجزة عن إدراك التحولات العميقة في المنطقة العربية والتي تمثلت بظاهرة ما عرف بالصحوة الإسلامية التي تمددت في المنطقة الإسلامية كلها، وكانت لها أصداؤها العميقة في فلسطين.
من المفارقات اللافتة أن فتح تأسست بواسطة مجموعة من العناصر الإخوانية كانت قد غادرت الجماعة بعدما رفضت جماعة الإخوان الفلسطينية في قطاع غزة تبني المشروع النضالي الذي تقدمت به تلك العناصر التي أسست ما عرف لاحقا باسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، ولا شك أن فتح في تلك اللحظة مثلت استجابة واضحة لطبيعة التغيرات التي دخلتها المنطقة من بعد النكبة ومن ثم مع الحقبة الناصرية، وشكلت اختراقًا للحالة العربية حينما تقدمت بذلك الشعار الذي قلب النظرية من "الوحدة العربية طريق تحرير فلسطين" إلى "فلسطين طريق الوحدة العربية"، وبواسطة الكفاح المسلح وفي صورة حركة تشبه الشعب الفلسطيني ولا تعادي موروثه الديني، ومن بعد معركة الكرامة اكتسحت فتح الجماهير الفلسطينية وشكلت قبلة للجماهير العربية التي تقصد النضال لأجل تحرير فلسطين، وفي المقابل فإن جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية قد حكمت على نفسها بالضمور داخل التاريخ الفلسطيني إلى حين.
كانت الانتفاضة الأولى بمولودها الجديد الذي عرف باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"؛ تعويضًا عن ذلك الغياب الطويل، وفرصة لتصحيح الخطأ التاريخي، ولكن هذه الولادة لم تكن بغتة، وإنما جاءت بعد جهود طويلة تكثفت في العقد الذي سبق الانتفاضة وامتدت على الساحات الفلسطينية والعربية والأوروبية والأمريكية، وتصدرتها بالدرجة الأولى الأجسام الطلابية المعبرة عن جماعة الإخوان الفلسطينية، حتى التقت تلك الجهود أخيرا في صيغة حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
وبواسطة المقاومة والشعار الإسلامي في استجابة واضحة للحظة تاريخية جديدة كانت فيها الثورة الفلسطينية قد خرجت من لبنان من بعد العام 1982 وابتعدت كثيرا عن فلسطين، بينما اتسعت الإحيائية الإسلامية في المنطقة الإسلامية كلها، أمكن لجماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية أن تعوض تلك الخسارة الثقيلة التي تكبدتها طوال ثلاثة عقود ماضية.
ولو أن الإخوان المسلمين الفلسطينيين كانوا قد تخلفوا مرة أخرى عن إدراك المرحلة الثانية التي عبرت عنها الانتفاضة الأولى، لكانوا الآن خارج التاريخ، ويحتل مكانهم قوى أخرى تعبر عن الموقع الإسلامي في فلسطين، إلا أنهم، أي الإخوان من بعد حماس، لم يتمكنوا من تشكيل البديل الكامل عن فتح، لأسباب موضوعية، منها أن فتح بدورها أيضًا التقطت اللحظة التي عبرت عنها الانتفاضة الأولى فجددت شبابها بواسطة هذه الانتفاضة، وأيضًا لأن حماس، ولدت بين يدي مشروع السلطة الفلسطينية المحمول على قوة دفع دولي وإقليمي كبيرة ما كان باستطاعة حماس ردها، وهذا المشروع أعاد تكريس فتح كقوة أولى قائدة ومتفردة في المسيرة الفلسطينية.
مرت حماس بأزمات طويلة وعميقة منذ تأسيسها، بعضها ناتج بطبيعة الحال عن الصراع مع الاحتلال، وبعضها أنتجه الواقع الجديد مع تأسيس السلطة الفلسطينية، ففي العام 1989 تعرضت الحركة لضربة عميقة اقتربت من اجتثاثها، إلا أن الدفق الناضلي المجتمعي الواسع في مجرى الانتفاضة الشعبية الأولى، وحركة الإسناد الإسلامية العريضة التي تمتعت بها حماس في المهجر، إضافة إلى الجذور التي كانت قد أرستها جماعة الإخوان المسلمين ما قبل حماس، مكنت الحركة من تجاوز الأزمة والتجدد في صور نضالية جديدة.
ولكن وبعد قدوم السلطة الفلسطينية، وخاصة في المرحلة الثانية التي دخلت فيها السلطة بقية مناطق الضفة الغربية التي عرفت بالمناطق (أ) كانت حماس قد بدأت تعاني الحيرة والارتباك في التعامل مع الواقع الجديد، وقد انعكست هذه الحيرة في خلافات داخلية عميقة انقسم فيها الجسم الحركي ما بين متمسك باستمرار المقاومة والامتناع عن الدخول في مشروع السلطة، وهو الطرف الذي فرض رؤيته طوال عشر سنوات، أي من العام 1996 حتى العام 2006، وما بين من يدفع باتجاه الدخول في السلطة الفلسطينية.
دفعت حماس ثمنًا باهظًا جراء وقوفها في وجه مشروع السلطة الفلسطينية وقيامها بعدد من العمليات كاستمرار لعملها العسكري الذي بدأ أساسا قبل قدوم السلطة الفلسطينية، ورغم الحملة الأمنية الباطشة التي شنها كل من الاحتلال والسلطة الفلسطينية على حماس، والتي أدت بدورها إلى إدخال حماس في حالة كمون، فإن حماس قد تمكنت في هذه الفترة من تنفيذ عدد من العمليات العسكرية وتقديم عدد من الرموز الجهادية.
لم تستطع حماس أن تعبر عن نفسها خلال هذه المرحلة إلا بواسطة الكتل الطلابية الجامعية التابعة لها، والتي اكتحست الانتخابات الطلابية في عدد من الجامعات الهامة في الضفة الغربية لفترات متتالية، بينما كان جهازها التنظيمي ضعيفًا أو عاجزا، سواء في الضفة أو في القطاع، إلى أن جاءت الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) لتخرج حماس من أزمتها، خاصة مع قرار عرفات بفسح المجال لعمل نضالي شعبي خرج عن السيطرة لاحقا وهو ما أدى إلى تعزيز قوة الحركة كقوة مقاومة في قطاع غزة تحديدا، وقد تضاعفت وترسخت هذه القوة من بعد انسحاب الاحتلال من القطاع في العام 2005، بينما كان الحال مختلفا مع الضفة التي لم يخرج منها الاحتلال أصلاً ولكنه أعاد احتلال المناطق (أ) فيها في عملية السور الواقي التي بدأت في العام 2002.
بناء على المعطيات الجديدة التي خلفتها الانتفاضة الثانية، وبعد المكتسبات التي حققتها حماس في القطاع، قررت الحركة خوض الانتخابات البلدية والتشريعية التي عقدت في أواخر العام 2005 وأوائل العام 2006، مستفيدة من تراث تضحياتها وسمعتها التي لم تتلوث بمثالب السلطة طوال العقد الذي سبق الانتخابات.
ما أن فازت الحركة في الانتخابات حتى بدأت محاولات الإفشال والإسقاط؛ من حصار ومنع للأموال واعتقال وزراء ونواب الحركة في الضفة الغربية، ومحاولات إفشال أخرى تولت مهمتها حركة فتح وتمثلاتها داخل جهاز السلطة، وصولاً إلى الانقسام، وحصار قطاع غزة الذي بقي في حالة مقاومة مع العدو، كان من صورها ثلاث حروب طاحنة.
إلا أن أزمة حماس الراهنة متعددة الأبعاد، فمنذ الانقسام والحركة عاجزة عن استنهاض فرعها في الضفة الغربية، والذي يتعرض لحملة استئصال مزدوجة ومفتوحة، بينما تبدو أوضاعها في قطاع غزة في ضيق وقلق متزايدين مع عجز واضح في تجاوز هذه الحالة مع تصاعد العداء الإقليمي وانكشاف مستوى التعاون العربي مع العدو الصهيوني لضرب الحركة وتبني النظام الانقلابي في مصر موقفا صريح العداء على نحو ينذر بخطر بالغ، وأما فرعها في الخارج فقد تراجع موقعه في قيادة الحركة لأسباب تتعلق باعتبارات ذاتية داخلية، إلا أن التراجع الكبير كان بعد خروج الحركة من سوريا وخسارتها لحليفها الإيراني الذي أراد استرداد دعمه السابق للحركة بأخذ موقف منها داعم لبشار الأسد، مع تصعيد الحملة الإقليمية على الحركة وتوسيع مجالات عزلها، واستهداف قياداتها وعناصرها في عدد من البلاد العربية.
تبدو المنطقة الآن في مرحلة جديدة؛ وحماس مطالبة بالتقاط اللحظة الفارقة في هذه المرحلة، وهي بالتالي إزاء مهمة خطيرة تعترضها معضلتان متداخلتان، فهي مطالبة بفهم المرحلة والعمل بماينسابها حتى لا تجد نفسها خارج التاريخ، وفي الوقت نفسه تجاوز هذه الأزمات المستحكمة بما في ذلك الظروف الذاتية والأوضاع الداخلية التي ساهمت بدورها في خلق هذه الأزمات والتي تحول دون قدرة الحركة على القيام بمهماتها التاريخية.
بقلم: ساري عرابي
لم يستطع الإخوان المسلمون الفلسطينيون بعد العام 1954 التقاط اللحظة التاريخية عقب انقلاب جمال عبد الناصر على حلفائه السابقين في جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ولأن قطاع غزة في ذلك الحين كان تابعًا للإدارة المصرية فإن الحظر والقمع قد طال فرع الجماعة الفلسطيني في قطاع غزة، والتي عانت الانحسار والجمود ثلاثة عقود متواصلة، وإن تميز العقد الأخير منها، أي منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي وصولاً إلى الانتفاضة الأولى، بالإرهاصات التي كشفت عن المولود الذي تجددت بواسطته جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية.
تمكنت حماس، من بعد الانتفاضة الأولى، من مزاحمة حركة فتح على صدارة المشهد الفلسطيني، دون أن تتمكن من التحول إلى البديل الكامل عن فتح، رغم أن البريق الثوري لهذه الأخيرة كان قد بدأ بالانطفاء منذ تبنيها برنامج النقاط العشر على طريق التسوية وانغماسها في الحرب الأهلية اللبنانية عاجزة عن إدراك التحولات العميقة في المنطقة العربية والتي تمثلت بظاهرة ما عرف بالصحوة الإسلامية التي تمددت في المنطقة الإسلامية كلها، وكانت لها أصداؤها العميقة في فلسطين.
من المفارقات اللافتة أن فتح تأسست بواسطة مجموعة من العناصر الإخوانية كانت قد غادرت الجماعة بعدما رفضت جماعة الإخوان الفلسطينية في قطاع غزة تبني المشروع النضالي الذي تقدمت به تلك العناصر التي أسست ما عرف لاحقا باسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، ولا شك أن فتح في تلك اللحظة مثلت استجابة واضحة لطبيعة التغيرات التي دخلتها المنطقة من بعد النكبة ومن ثم مع الحقبة الناصرية، وشكلت اختراقًا للحالة العربية حينما تقدمت بذلك الشعار الذي قلب النظرية من "الوحدة العربية طريق تحرير فلسطين" إلى "فلسطين طريق الوحدة العربية"، وبواسطة الكفاح المسلح وفي صورة حركة تشبه الشعب الفلسطيني ولا تعادي موروثه الديني، ومن بعد معركة الكرامة اكتسحت فتح الجماهير الفلسطينية وشكلت قبلة للجماهير العربية التي تقصد النضال لأجل تحرير فلسطين، وفي المقابل فإن جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية قد حكمت على نفسها بالضمور داخل التاريخ الفلسطيني إلى حين.
كانت الانتفاضة الأولى بمولودها الجديد الذي عرف باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"؛ تعويضًا عن ذلك الغياب الطويل، وفرصة لتصحيح الخطأ التاريخي، ولكن هذه الولادة لم تكن بغتة، وإنما جاءت بعد جهود طويلة تكثفت في العقد الذي سبق الانتفاضة وامتدت على الساحات الفلسطينية والعربية والأوروبية والأمريكية، وتصدرتها بالدرجة الأولى الأجسام الطلابية المعبرة عن جماعة الإخوان الفلسطينية، حتى التقت تلك الجهود أخيرا في صيغة حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
وبواسطة المقاومة والشعار الإسلامي في استجابة واضحة للحظة تاريخية جديدة كانت فيها الثورة الفلسطينية قد خرجت من لبنان من بعد العام 1982 وابتعدت كثيرا عن فلسطين، بينما اتسعت الإحيائية الإسلامية في المنطقة الإسلامية كلها، أمكن لجماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية أن تعوض تلك الخسارة الثقيلة التي تكبدتها طوال ثلاثة عقود ماضية.
ولو أن الإخوان المسلمين الفلسطينيين كانوا قد تخلفوا مرة أخرى عن إدراك المرحلة الثانية التي عبرت عنها الانتفاضة الأولى، لكانوا الآن خارج التاريخ، ويحتل مكانهم قوى أخرى تعبر عن الموقع الإسلامي في فلسطين، إلا أنهم، أي الإخوان من بعد حماس، لم يتمكنوا من تشكيل البديل الكامل عن فتح، لأسباب موضوعية، منها أن فتح بدورها أيضًا التقطت اللحظة التي عبرت عنها الانتفاضة الأولى فجددت شبابها بواسطة هذه الانتفاضة، وأيضًا لأن حماس، ولدت بين يدي مشروع السلطة الفلسطينية المحمول على قوة دفع دولي وإقليمي كبيرة ما كان باستطاعة حماس ردها، وهذا المشروع أعاد تكريس فتح كقوة أولى قائدة ومتفردة في المسيرة الفلسطينية.
مرت حماس بأزمات طويلة وعميقة منذ تأسيسها، بعضها ناتج بطبيعة الحال عن الصراع مع الاحتلال، وبعضها أنتجه الواقع الجديد مع تأسيس السلطة الفلسطينية، ففي العام 1989 تعرضت الحركة لضربة عميقة اقتربت من اجتثاثها، إلا أن الدفق الناضلي المجتمعي الواسع في مجرى الانتفاضة الشعبية الأولى، وحركة الإسناد الإسلامية العريضة التي تمتعت بها حماس في المهجر، إضافة إلى الجذور التي كانت قد أرستها جماعة الإخوان المسلمين ما قبل حماس، مكنت الحركة من تجاوز الأزمة والتجدد في صور نضالية جديدة.
ولكن وبعد قدوم السلطة الفلسطينية، وخاصة في المرحلة الثانية التي دخلت فيها السلطة بقية مناطق الضفة الغربية التي عرفت بالمناطق (أ) كانت حماس قد بدأت تعاني الحيرة والارتباك في التعامل مع الواقع الجديد، وقد انعكست هذه الحيرة في خلافات داخلية عميقة انقسم فيها الجسم الحركي ما بين متمسك باستمرار المقاومة والامتناع عن الدخول في مشروع السلطة، وهو الطرف الذي فرض رؤيته طوال عشر سنوات، أي من العام 1996 حتى العام 2006، وما بين من يدفع باتجاه الدخول في السلطة الفلسطينية.
دفعت حماس ثمنًا باهظًا جراء وقوفها في وجه مشروع السلطة الفلسطينية وقيامها بعدد من العمليات كاستمرار لعملها العسكري الذي بدأ أساسا قبل قدوم السلطة الفلسطينية، ورغم الحملة الأمنية الباطشة التي شنها كل من الاحتلال والسلطة الفلسطينية على حماس، والتي أدت بدورها إلى إدخال حماس في حالة كمون، فإن حماس قد تمكنت في هذه الفترة من تنفيذ عدد من العمليات العسكرية وتقديم عدد من الرموز الجهادية.
لم تستطع حماس أن تعبر عن نفسها خلال هذه المرحلة إلا بواسطة الكتل الطلابية الجامعية التابعة لها، والتي اكتحست الانتخابات الطلابية في عدد من الجامعات الهامة في الضفة الغربية لفترات متتالية، بينما كان جهازها التنظيمي ضعيفًا أو عاجزا، سواء في الضفة أو في القطاع، إلى أن جاءت الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) لتخرج حماس من أزمتها، خاصة مع قرار عرفات بفسح المجال لعمل نضالي شعبي خرج عن السيطرة لاحقا وهو ما أدى إلى تعزيز قوة الحركة كقوة مقاومة في قطاع غزة تحديدا، وقد تضاعفت وترسخت هذه القوة من بعد انسحاب الاحتلال من القطاع في العام 2005، بينما كان الحال مختلفا مع الضفة التي لم يخرج منها الاحتلال أصلاً ولكنه أعاد احتلال المناطق (أ) فيها في عملية السور الواقي التي بدأت في العام 2002.
بناء على المعطيات الجديدة التي خلفتها الانتفاضة الثانية، وبعد المكتسبات التي حققتها حماس في القطاع، قررت الحركة خوض الانتخابات البلدية والتشريعية التي عقدت في أواخر العام 2005 وأوائل العام 2006، مستفيدة من تراث تضحياتها وسمعتها التي لم تتلوث بمثالب السلطة طوال العقد الذي سبق الانتخابات.
ما أن فازت الحركة في الانتخابات حتى بدأت محاولات الإفشال والإسقاط؛ من حصار ومنع للأموال واعتقال وزراء ونواب الحركة في الضفة الغربية، ومحاولات إفشال أخرى تولت مهمتها حركة فتح وتمثلاتها داخل جهاز السلطة، وصولاً إلى الانقسام، وحصار قطاع غزة الذي بقي في حالة مقاومة مع العدو، كان من صورها ثلاث حروب طاحنة.
إلا أن أزمة حماس الراهنة متعددة الأبعاد، فمنذ الانقسام والحركة عاجزة عن استنهاض فرعها في الضفة الغربية، والذي يتعرض لحملة استئصال مزدوجة ومفتوحة، بينما تبدو أوضاعها في قطاع غزة في ضيق وقلق متزايدين مع عجز واضح في تجاوز هذه الحالة مع تصاعد العداء الإقليمي وانكشاف مستوى التعاون العربي مع العدو الصهيوني لضرب الحركة وتبني النظام الانقلابي في مصر موقفا صريح العداء على نحو ينذر بخطر بالغ، وأما فرعها في الخارج فقد تراجع موقعه في قيادة الحركة لأسباب تتعلق باعتبارات ذاتية داخلية، إلا أن التراجع الكبير كان بعد خروج الحركة من سوريا وخسارتها لحليفها الإيراني الذي أراد استرداد دعمه السابق للحركة بأخذ موقف منها داعم لبشار الأسد، مع تصعيد الحملة الإقليمية على الحركة وتوسيع مجالات عزلها، واستهداف قياداتها وعناصرها في عدد من البلاد العربية.
تبدو المنطقة الآن في مرحلة جديدة؛ وحماس مطالبة بالتقاط اللحظة الفارقة في هذه المرحلة، وهي بالتالي إزاء مهمة خطيرة تعترضها معضلتان متداخلتان، فهي مطالبة بفهم المرحلة والعمل بماينسابها حتى لا تجد نفسها خارج التاريخ، وفي الوقت نفسه تجاوز هذه الأزمات المستحكمة بما في ذلك الظروف الذاتية والأوضاع الداخلية التي ساهمت بدورها في خلق هذه الأزمات والتي تحول دون قدرة الحركة على القيام بمهماتها التاريخية.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية