في ظلال الثورات العربية: نموذج جديد لتحرر المرأة...بقلم : ياسين عز الدين

الأحد 01 يناير 2012

في ظلال الثورات العربية: نموذج جديد لتحرر المرأة


ياسين عز الدين


تشهد المجتمعات العربية ثورة واسعة النطاق لكن هادئة على مستوى مشاركة المرأة في المجال السياسي، وذلك بعد عشرات السنوات من جهود غير مثمرة للمنظمات النسوية والجماعات الليبرالية من أجل "تحرير" المرأة العربية ومساواتها بالرجل وإزالة قيود وأغلال التخلف والعادات والتقاليد.

لكن اللافت للنظر أن ما نجحت به الثورات العربية يتم بعيداً عن المنطلقات الفكرية للمنظمات النسوية والتيار الليبرالي، فما نراه هو نموذج أقرب للقيم العربية والإسلامية منه للقيم الغربية والليبرالية.

وبدلاً من أن يكون محور تحرير المرأة هو تحريرها من القيم الإسلامية، وبدلاً من النموذج الغربي لتحرر المرأة القائم على استقلالية المرأة التامة عن الرجل والوقوف بندية وتنافسية أمامه، نجد نموذجاً يحرر المرأة من التخلف ويسعى للارتقاء بها، بدون المساس بالمنظومة الاجتماعية أو جوهر العلاقة بين الرجل والمرأة كما تراها الشريعة الإسلامية.

ومن مميزات هذه الثورة هو هدوؤها التام، وانعدام وجود منظرين أو حملة دعائية تروج لها، فما نراه هو تحطيم هادئ للقيود التي كبلت المرأة، وبدون مقاومة تقريباً باستثناء بقايا العهد القديم (أو الثورة المضادة)، مثلما حصل عندما انتقد الرئيس اليمني علي صالح خروج النساء في المسيرات وتكلم بعبارات فيها اتهام ضمني لأخلاق المتظاهرات، أو مثلما يفعل المجلس العسكري في مصر وأزلامه من خلال التشكيك بأخلاق المتظاهرات واتهامهن باتهامات غير أخلاقية.

ولعل القضية التي رفعتها إحدى المتظاهرات المصريات ضد الأجهزة الأمنية، بسبب ما يسمى بفحص العذرية للمعتقلات ومحاولة تلفيق تهم دعارة لهن، ومن قبلها قيام كتائب القذافي بأعمال اغتصاب واسعة النطاق يعطينا فكرة عن مدى استخدام الأنظمة البائدة للجنس كسلاح موجه لكسر مشاركة المرأة في النشاط الثوري المناوئ للنظام.

إلا أن معارضة الأنظمة البائدة وفلولها لمشاركة المرأة الفاعلة في الفضاء السياسي ليست ذات طبيعة مبدئية أو عقائدية بل هي مصلحية ونفعية صرفة، مما يجعلها معارضة عابرة سرعان ما تنتهي بزوال هذه الأنظمة واختفائها من الساحة.

يمكن اعتبار المشاركة الفاعلة للمرأة بالمظاهرات والمسيرات أحد أبرز الدلائل على حجم التغير، وخصوصاً بالمظاهرات النسائية الضخمة باليمن، وحتى في دولة اتخذت الثورة الطابع العسكري والمسلح مثل ليبيا كان حضور المرأة لافتاً وقوياً في المسيرات.

والمرأة لم تشارك فقط كمتظاهرة بل كان لها دور قيادي بارز في أكثر من مكان ومناسبة، وبرزت أسماء نسائية لعبت دوراً محورياً في التحريض الثوري مثل أسماء محفوظ ونوارة نجم في مصر وتوكل كرمان في اليمن، ولعل حقيقة أن أغلبهن محجبات (وإن كان العديد منهن لا ينتمين لتيارات إسلامية) يعطينا فكرة جيدة عن مدى تناغم عملية "التحرر" الجديد مع الثقافة والخلفية الإسلامية للمجتمعات العربية.

وإذا كان القانون في الكثير من الدول يفرض ترشيح النساء على قوائم المجالس النيابية، إلا أننا نجد في الحكومة التونسية التي تقودها حركة النهضة ثلاث وزيرات بدون أن يكون هنالك نصوص إلزامية في القانون، مما يعطينا مؤشرا عن تجاوب التيار الإسلامي مع هذه الموجة، ويكسر الصور النمطية عنه والتي تصوره على أنه معادٍ لمشاركة المرأة بالحياة العامة.

ونجد أن موجة اقتحام المرأة للحياة العامة لا تقتصر على الدول التي حصلت بها ثورات، فعلى سبيل المثال نرى تحركاً نسوياً واسعاً في صفوف الكتل الإسلامية بالضفة الغربية، ودوراً محورياً لطالبات الكتلة الإسلامية في وقت تعاني حركة حماس من حملة أمنية مزدوجة (من قبل الاحتلال والسلطة)، مما يجعل مساهمتهن في هذه المرحلة محورية وأساسية، ولا ننسى الإشارة إلى الاعتصامات الدورية في مدينة الخليل المنددة بالاعتقال السياسي والتي تعتبر المرأة العماد الأساسي لها.

وإذا كانت الخمسين عاماً الماضية لعبت دوراً هاماً في تعزيز فرص المرأة بالتعليم، وترسيخ حق المرأة بالذهاب للمدرسة والجامعة والحصول على أعلى الشهادات، إلا أن التيارات التقدمية بمختلف تنوعاتها (الليبرالية واليسارية والقومية) فشلت بعملية دمج المرأة بالنشاط السياسي والشأن العام، بل كان لهم دور سلبي عندما سنت قوانين تحارب الحجاب وتحاول فرض النموذج الغربي للمرأة على المجتمعات العربية، بل كرست بعض هذه الأنظمة الاغتصاب والاعتداء الجنسي كواحدة من أساليب ممارسة القمع ضد معارضيها السياسيين.

نجد اليوم فرصا أوسع للمرأة في المشاركة السياسية، في ظل هيمنة الخطاب الإسلامي على الشارع العربي سواء من خلال التيار الإسلامي أو المواطن العادي المتدين، ونجد أنها تتقدم بهدوء وثبات في ظل هذا الخطاب، مما يعطينا نموذجاً جديداً "لتحرر" المرأة، مع تحفظنا على مصطلح تحرر المرأة لما له من دلالات سلبية عند البعض، فلم يعد الإسلام عدو المرأة أو القيد الذي يعيق نموها.

لكن ينقص التنظير والترويج لهذا النموذج الجديد الذي لا يلفت نظر الكثيرين، وإن كنا نرى أثره الواضح حتى على الغرب نفسه (الذي حاول سابقاً تصدير لنا نموذجه للمرأة) والعالم ككل، حيث أصبح أمراً مستساغاً أن تكرم إمرأة محجبة في فرنسا (البلد الذي يحارب الحجاب) أو أن تمنح محجبة جوائز رفعية مثل جائزة نوبل للسلام أو جائزة ساخروف لحرية الفكر.

نحن نعيش اليوم مرحلة جديدة فبعدما كان دور الحركات الإسلامية في السابق يقتصر على معارضة الليبراليين ومشاريعهم لتحرير المرأة أو التبرير والدفاع عن الإسلام ومحاولة إقناع العالم بأن الإسلام لا يحارب المرأة ولا يعاديها، أصبح لدينا نماذج جديدة هي أبلغ وأقوى من كل الكلام والتنظير والحيل الإعلامية والبلاغية. فهل نجد من يوثق لهذا النموذج وينظر له؟


جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية