قراءة في نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية ... بقلم : مجدي داود

الأحد 27 مايو 2012

قراءة في نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية

مجدي داود

أسفرت نتيجة الجولة الأولى لأول انتخابات رئاسية في التاريخ المصري عن تقدم مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي بفارق قليل عن مرشح الفلول الفريق أحمد شفيق، فيما حلَّ الناصري حمدين صباحي بالمركز الثالث متقدمًا على المرشح الإسلامي المستقل عبد المنعم أبي الفتوح، بينما جاء وزير خارجية مبارك الأسبق في المركز الخامس متأخرًا بفارق كبير عن المركز الرابع، وهي النتائج التي أذهلت الكثير من المراقبين والناخبين على حد سواء، خاصة حصول الفريق أحمد شفيق على كل هذه الأصوات بعد الثورة الشعبية على النظام السابق، والتي كانت ضد النظام كله وليس ضد شخص الرئيس المخلوع حسني مبارك فقط.

أظهرت نتائج هذه الانتخابات عدة مفاجآت أخرى بخلاف حصول شفيق على كل تلك الأصوات وصعوده للمركز الثاني ودخوله جولة الإعادة، وهي تتمثل في الصعود الكبير للمرشح الناصري حمدين صباحي، وتفوقه على المرشح الإسلامي المدعوم من الدعوة السلفية وعدة أحزاب إسلامية أخرى على رأسها حزب الوسط والجماعة الإسلامية، وكذلك تأخر عمرو موسى للمركز الخامس رغم شعبيته خصوصًا في الأرياف حيث يعتبرونه رجلاً سياسيًّا قادرًا على التعامل مع كافة التيارات دون الوصول لمرحلة الصدام.

يمكن تقسيم الكتل التصويتية في مصر إلى خمسة أقسام؛ أولها الكتلة الإسلامية وأنصارها، والكتلة الثانية الكتلة العلمانية والليبرالية الرافضة لنظام مبارك، والكتلة الثالثة هي فلول النظام السابق والمستفيدون منه والتيار الصوفي، والكتلة الرابعة هي أصوات "المسيحيين"، أما الكتلة الأكبر هي الكتلة غير المسيسة غير المؤدلجة، وإذا اعتمدنا هذا التقسيم فإننا نجد أن الكتلة الإسلامية وأنصارها قد ذهب مجملها إلى الدكتور محمد مرسي وتضم كوادر الإخوان المسلمين وعددًا لا بأس به من التيار السلفي بعد إعلان عدد كبير من العلماء والتيارات والهيئات الإسلامية السلفية تأييدهم للدكتور مرسي، وبالتالي تقدم مرسي بفارق كبير عن أبي الفتوح.

الدكتور أبو الفتوح المرشح المستقل حصل على عدد كبير من الدعوة السلفية، لكنه لم يحصل على كل أصواتها حيث ذهب بعضها إلى مرشح الإخوان في حين امتنع البعض الآخر وخاصة النساء، ولهذا فلم يحصل أبو الفتوح على نسب كبيرة في معاقل الدعوة السلفية مثل الإسكندرية، وحصل أيضًا على أصوات الجماعة الإسلامية وحزب الوسط وعدد كبير من الإسلاميين غير المنتمين إلى جماعات وتنظيمات، وكانت هناك كتلة قد قاطعت تلك الانتخابات وهم بعض أنصار الشيخ حازم أبو إسماعيل الذين رفضوا المشاركة احتجاجًا على صمت المرشحين على استبعاد مرشحهم السابق.

الكتلة الثانية من العلمانيين والليبراليين الرافضين لنظام مبارك وبعض القوى الثورية، كانت في البداية منقسمة بين أبي الفتوح وحمدين صباحي، خصوصًا بعد انسحاب البرادعي، إلا أن هذه الكتلة بدأت تتحرك تدريجيًّا إلى حمدين صباحي متخلية عن أبي الفتوح؛ لسببين أولهما إعلان الدعوة السلفية والجماعة الإسلامية دعمهما لأبي الفتوح، حيث ظنوا أنه قدم لهم تنازلات أو حصلوا منه على وعود توافق أفكارهم التي يرونها متشددة، ولم يشفع لأبي الفتوح عندهم دفاعه عن الحريات العامة والخاصة وانفتاحه الشديد الذي خالف فيه الأحكام الشرعية، والسبب الثاني هو المناظرة الشهيرة التي حدثت بين أبي الفتوح وعمرو موسى، حيث خصمت من رصيد كليهما.

فلول نظام مبارك وأعضاء الحزب الوطني السابقون المنتشرون في القرى والمستفيدون منه والتيار الصوفي تم تجييشهم لصالح مرشحي الفلول أحمد شفيق وعمرو موسى، فبينما كانوا يرون عمرو موسى رجلاً سياسيًّا دبلوماسيًّا بعيدًا عن الصدام قدر الإمكان وابنًا للنظام القديم عاش في كنفه وعمل معه ثلاثين عامًا على الأقل، إلا أن أحمد شفيق كان أقرب إليهم من خلال عدائه المعلن للثورة التي تضرروا منها، وبالتالي رغبتهم في الانتقام منها ومن الثوار قرَّبتهم منه، وأكد لهم هجوم النشطاء عليه وإلقائه بالأحذية في أكثر من مكان أنه سيقضي على النشطاء والثورة، كما أن لقرب أحمد شفيق من المجلس العسكري وخلفيته العسكرية أهمية لدى هؤلاء، وأنهم أدركوا أنه المرشح المفضل للمجلس العسكري وأنه سيعمل على إنجاحه.

الكتلة الرابعة وهم النصارى ذهبت معظم أصواتهم إلى أحمد شفيق، وذلك من خلال توجيهات مباشرة من الكنيسة الأرثوذكسية التي كانت مستفيدة من نظام مبارك وحققت من ورائه نجاحات كثيرة لها، وحصلت على امتيازات كثيرة، وهي لا تريد استبدال ذلك النظام بنظام آخر حتى لو كان ناصريًّا كحمدين صباحي، قد يلزمها بالقانون فتخسر كل هذه الامتيازات، وبالتالي كان أقربَ إليها مرشحو الفلول، ولكي لا تتشتت أصواتهم وهو ما ستكون نتيجته لصالح المرشحين الإسلاميين أو على الأقل لصالح حمدين صباحي، تم الحشد لأحمد شفيق، وهذه الكتلة تقترب من نحو مليون ونصف المليون صوتًا، أي أنها كتلة مؤثرة إلى حد ما، وبجمع أصوات النصارى مع أصوات التيار الصوفي مع فلول النظام الماضي والمستفيدين منه والعاملين بالمصانع الحربية وغير ذلك، تفسر هذا الكم الكبير من الأصوات الذي حصل عليه شفيق، مع احتمال وجود بعض التلاعب غير الظاهر.

أما الكتلة الخامسة غير المسيسة غير المؤدلجة والأكبر على الإطلاق وتصل إلى أكثر من ثلاثين مليون ناخب، والتي كانت ذخرًا للتيار الإسلامي في السابق، فقد انقسمت إلى عدة أقسام، فريق كبير جدًّا قاطع تلك الانتخابات، رغم أن 20% تقريبًا من تلك النسبة المقاطعة شاركت في انتخابات البرلمان، وكان سبب المقاطعة شعورهم بأن الأمور لم تتغير، وأنه لا يوجد فارق بين أي من المرشحين، وأنهم جميعًا يعملون لمصالحهم الخاصة، وفريق آخر صوَّت لصالح رموز النظام السابق، ليس حبًّا فيهم، بقدر ما رأوا فيهم جلبًا للاستقرار والأمان الذي يفتقدونه منذ أكثر من عام، وكرهًا في الثورة التي تم تشويهها على مدار العام، وقد توزعت تلك الأصوات على موسى وشفيق، وإن كان موسى قد حصل على النسبة الأكبر منهم، كونه رجلاً دبلوماسيًّا لن يدخل في صدام ويستطيع التفاوض مع الجميع وبالتالي يتحقق الاستقرار الذي ينشدونه.

صوَّت جزء من تلك الكتلة غير المؤدلجة لكل من أبي الفتوح وحمدين صباحي، رغبة منهم في الابتعاد عن فلول نظام مبارك، وفي نفس الوقت عدم التصويت لصالح الإخوان المسلمين، إلا أن حمدين حصل على نسبة أكبر بكثير من أبي الفتوح من هذه الأصوات، لعدة أسباب، على رأسها انتماء أبي الفتوح السابق للإخوان، والخشية من احتمال عودته إليهم لاحقًا، وكذلك دعم السلفيين له، كما أن المناظرة مع عمرو موسى أظهرت بعض نقاط ضعف أبي الفتوح، في حين احتفظ حمدين صباحي بالغموض الذي تمتع به، مع تصدير الإعلام له كمرشح ثوري مناضل نصير للفقراء لم تكن تربطه علاقات بنظام مبارك ولا برموز الفساد ولا بالتيار الإسلامي، وكذلك ارتباطه باسم جمال عبد الناصر الذي يحظى بحب عدد كبير من المصريين لما أحدثه من إصلاح اقتصادي في عصره، كل ذلك رجح كفة حمدين صباحي على عبد المنعم أبي الفتوح، وهذا يفسر هذا الكم الكبير من الأصوات التي حصل عليها صباحي وتفوقه على أبي الفتوح.

لم يحصل مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي على نسبة كبيرة من تلك الكتلة غير المؤدلجة، نظرًا للأخطاء الكثيرة التي وقع فيها الإخوان خلال الفترة الماضية، وتذبذب مواقفهم وتراجعهم في كثير منها، والأداء السيئ للبرلمان الذي يشكل الإخوان أكثر من 42% من نوابه، والأداء الإعلامي السيئ للتيار الإسلامي وتصدير أناس لا يجيدون الحديث للتحدث باسمهم في الإعلام، وأخطاء كثيرة أخرى لا يتسع المجال لذكرها، وكذلك خشية من سيطرة الإخوان على الرئاسة والبرلمان والحكومة، وهو ما يعيد إلى أذهانهم نظام مبارك من جديد

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية