قصر قرطاج
د. يوسف رزقة
لا يسعك عند دخولك إلى تونس الجديدة إلا أن تردد قوله تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)، كيف لا وأنت تشاهد بعين اليقين ذهاب ملك "بن علي" وانتزاعه من نفسه انتزاع الروح من الجسد ، ما كان "بن علي" يتصور أن يخرج من الحكم والرئاسة قهراً ، وأن يعتلي الرئاسة محمد منصف المرزوقي ، ويقود الحكومة الجديدة حامد الجبالي وكلاهما من خريجي السجون والمطاردين في زمن الطاغية "بن علي" الذي حسب أن الملك دائم له وفي أسرته من بعده.
ولا يسعك إذا دخلت إلى قصر قرطاج وتجولت في جنباته واطلعت على الفخامة والأبهة التي تسكنه إلا أن تردد قوله تعالى ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوماً آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين).
نعم أهانوا نعمة الله عليهم ، ولم يحسنوا في الشكر وقد تقلبوا ليلاً ونهاراً في جنات وعيونها ، وأصابوا من نعمة الله ما لا يعد ولا يحصى ، وكانوا في مقام كريم فتمردوا وبطروا وظلموا واعتدوا فأخذ الله منهم ما أعطاهم ونزعه منهم وأعطاه غيرهم ولم تبك عليهم أرض ولا سماء.
ما دار في خاطر المرزوقي والجبالي وغيرهما من القادة أن يخرجوا من المطاردة والسجون، وأن يأتوا من المنافي والشتات، وأن يكونوا يوماً في ملك "بن علي" وقصوره الشامخة ، وما كان في خاطر إسماعيل هنية أن يأتي اليوم ليكون أول من تستقبله تونس الجديدة وهو المحاصر المحروم من دخول تونس بأمر نظام "بن علي" ، وما دار بخاطره أن ينزل ضيفاً على قصر قرطاج ويحظى بحفاوة استقبال كهذا تظهر فيه عزة الدين وعزة الوطن وعزة المقاومة وتتماهى فيه الثورة الفلسطينية بالثورة التونسية وتصير الأهداف واحدة ، واللغة مشتركة ، والقراءة واحدة .
لا أود في هذه العجالة أن أصف المشاهد المادية لدور الحكم ، أو لقصر قرطاج ، أو الساحات المحيطة ، فهذه تدركها بحواسك أول ما تنزل في هذه الأماكن التي حرّمها "بن علي" على الشعب التونسي ، ولكن أود أن أنقل إليك المشاعر ، وأتقلب معك في العبر ، وفي حكم الله ، وأن أتلو على مسامعك ومسامعي ومسامع قادة تونس الجديدة قوله تعالى ( وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال) إنها لا تدوم لأحد ، ولو دامت لأحد ما وصلت إليكم ، فأروا الله فيكم طاعة وشكراً ولا تغفلوا عن عظمة ربكم كما غفل عنها من قبلكم فتزل بكم الأقدام، فإنما تفْضُلون من قبلكم بدينكم وشكركم وطاعتكم ، ذهب "بن علي" وغابت شمسه المظلمة، وطلعت شمس النهضة المشرقة ، بل شمس الديمقراطية الجديدة ، وتونس الجديدة ، من المشرق تبعث الدفء في حياة شعب يستحق أن يرفع على الأكتاف وأن تقبل رأسه من الملايين في العالم، ورحم الله شهداء تونس الشقيقة .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية