كتاب جديد مستقبل المقاومة الإسلامية في فلسطين
المكتب الإعلامي- عرض: د. خالد فهمي
فرحة غامرة، وضمير مرتاح، ونفس هانئة، ذلكم هو الشعور الذي يسيطر على الإنسان المسلم المعاصر؛ عندما يستقر في يقينه بفعل عمل علمي مدعوم بالأدلة، ومحاط بإشراف رصين، ومناقشات هادفة إلى التصويب، ومطاردة الخلل من خلال منهجية تضمُّ الشاهد إلى الشاهد، والحقائق التي تنطق بها الوثائق المختلفة، وتخضعها لقراءة تحليلية عميقة، لتستخلص من ورائها نتائج تقود إلى ما طفر وظهر في كلمات السطر الأول هنا.
هذا الذي وصفته لك هو بعض الذي دفعني دفعًا إلى قراءة كتاب الباحث/ ثابت محمد العمور: (مستقبل المقاومة الفلسطينية في فلسطين.. حركة حماس نموذجًا) الذي كان في أصله أطروحة نال بها صاحبها درجة الماجستير في العلوم السياسية بإشراف الأستاذ الدكتور: سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وهو جانب مما يرقى بمنزله هذا الكتاب المهم الذي صدر بالقاهرة عن مركز الإعلام العربي سنة 2009م في سبعين وخمسمائة صفحة.
كما أن صدور هذا الكتاب في سياق الاحتفال بالقدس عاصمةً للثقافة العربية يحمل عددًا من الدلالات المهمة التي تصبُّ في مواجهة محاولات طمس الهوية العربية والإسلامية لهذه المدينة المقدسة.
والباحث يعي موقع كتابه في سياق جهود متضافرة درست جوانب مختلفة ومتنوعة من نشاط حركات المقاومة على أرض فلسطين، سواء المكتوبة بالعربية أو بلغة أجنبية.
وفي هذا السياق تناول بالعرض السريع أعمال خالد أبو العمرين، وخالد الحروب، وأحمد فارس محمد عبد الله، وأسامة عامر، ومؤمن بسيسو، وماجد الكيالي، وشيرين حامد فهمي، وبيفيرلي ميلتون، وشاءول مشعال، وإبراهام سيلع، وهو فيما فعله يقدم مسوغات تجعل بحثه أمرًا مشروعًا في كل هذا الزحام العربي والأجنبي (ومنه العبري) المتعاطي مع دراسة حماس، ولا سيما في البعد الذي سعت الدراسة للتعانق معه، وهو المنظور المستقبلي الذي حرص على قراءة البعد المستقبلي لحماس في ضوء منجزها السياسي والجهادي على أرض الواقع المعاصر، ولا سيما بعد اشتباكها مع السلطة فعليًّا، وهو في هذا البعد من الدراسة ساعٍ بأدوات قارّة مرعية في العلوم الاجتماعية والسياسية عبر تقنيات محددة.
ومما يدعم نتائج هذا الدراسة بتميز حركة المقاومة الإسلامية حماس استجماعها الأوصاف التالية؛ فهي حركة فلسطينية، إسلامية وطنية مستقلة، وحركة مقاومة وتحرر وطني، وحركة اجتماعية وسياسية، وحركة تعددية وديمقراطية معتدلة، وحركة عسكرية سياسية، وجماهيرية شعبية، تجمع بين السرية والعلنية، والمركزية واللا مركزية، وهو الأمر الذي يجعلها "تنفرد عن جل الحركات الإسلامية السياسية منها والعسكرية..." وهذه السمات والخصوصية كانت الدافع وراء هذه الدراسة العلمية.
وقد جاءت خطة الكتاب متضمنة الفصول الخمسة التالية:
1- ظروف نشأة الحركة الإسلامية في فلسطين وتأسيسها.
2- حركة المقاومة الإسلامية حماس.. منظومتها الفكرية وهيكلها التنظيمي ومؤسساتها والمواقف الفكرية والسياسية منها.
3- العلامات السياسية لحماس.. داخليًّا وإقليميًّا ودوليًّا.
4- أثر المتغيرات الداخلية على مستقبل حماس.
5- المتغيرات الخارجية وأثرها على مستقبل حركة حماس.
مستقبل حماس
كان لعدد من العلامات التي تجمعت لحماس أثره البالغ في القراءة العلمية لمستقبلها، وأهم هذه العلامات قد تركز حول طابعها التكتيكي؛ أي المعتمد على حسن قراءة الدافع والتعاطي معه في ظل رسالة ثابتة كانت دائمة التركيز عليها، وهي أن ثمة ثوابتَ ومسلماتٍ وقناعات لا يمكن التخلي عنها؛ وهو ما مكّنها من حيازة الشرعية التاريخية التي استمدتها من الإخوان المسلمين؛ باعتبارها جناحًا من أجنحة هذه الجماعة العريقة، والشرعية النضالية الثورية، بدءًا من انطلاقتها التي تزامنت مع انتفاضة عام 1987م وتبنيها العمل الجهادي المقاوم، من خلال كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لها، بالإضافة إلى الشرعية السياسية الدستورية، من خلال مشاركاتها في الانتخابات المحلية (البلدية) ثم التشريعية وفوزها بالأغلبية.
ورصَد الكتاب السيناريوهات التالية، وحكم عليها من واقع هذا الاشتباك الذي حققته حماس محليًّا ودوليًّا.
أ- سيناريو الاتفاق بالوساطة من أجل الوحدة.. وهو حل يتوقف على قيادات مؤمنة بضرورة الحل والاتفاق.
ب- سيناريو الاتفاق المشروط.. وواضح من عنوانه أن كل جانب على الأقل- أي حماس وفتح- يعتمد على فكرة الوسطاء، وهي ما يتطلب أو يفرض أن يكون لكل منهما شروطه الخاصة، وهو ما يتطلَّب ضغوطًا شعبية من طوائف مختلفة في الداخل الفلسطيني، من النخب ذات الحياد السياسي ومن أهل الشهداء والجرحى للتقليل من الهرولة نحو إدارة الكيان المحتل من جانب، ولتجاوز حالة الاحتقان والانقسام من جانب آخر.
ج- سيناريو استدعاء منظمة التحرير الفلسطينية.. وهو سيناريو إن حدث فإنه سيكتب شهادة وفاة هذه المنظمة في ظل النجاحات المتواترة لحماس في غيبة المنظمة!.
وهذه السيناريوهات ممكنة، ويأتي القول بإمكانها مدعومًا بالأحداث الواقعة في الخارج والداخل.
وثمة سيناريوهات أخرى متوقعة هي:
أ- تغليب العمل السياسي على الإبقاء على الجناح العسكري.. وهو سيناريو يعتمد على استمرار التوازن والتوازي بين العمل السياسي والعمل العسكري.
ب- تغليب العمل العسكري.. وهو سيناريو متوقع إن استمر في حالة إتعاب حماس ومناوشتها ومناكفتها داخليًّا، مع استمرار حالة الحصار والضغط خارجيًّا.
وعندما يستمر هذا فإن قرار تجميد النشاط السياسي سيكون قرارًا حماسيًّا، وهو ما سيدفع نحو إشغال معجم الجهاد والمقاومة باعتباره الخيار الوحيد ضد العدوان المستمر على فلسطين.
ج- الوصول إلى قمة النظام السياسي الفلسطيني وإلحاق الضفة بغزة.. وهو سيناريو يتوقف على مقدار ما يمكن أن تحرزه حماس من نجاح في العمل الحكومي السياسي، والالتفاف الشعبي والجماهيري وهو سلاح تملكه وتستطيع حمايته، هذا الجانب.. ومن جانب آخر، فإن هذا السيناريو يتوقف على استمرار انفلات حركة فتح واستمرار سقوطها وركودها.
ومن ناحية أخرى فإن الباحث/ ثابت محمد العمور يرصد عددًا من السيناريوهات المستبعدة في النظر إلى مستقبل حماس تأسيسًا على ثوابتها ومبادئها، وهي:
أ- التحول إلى حزب سياسي وتجميد العمل العسكري.. وهو استبعاد تحكمه ثوابت الحركة ومبادئها وميثاق إعلانها، وتستبعده طبيعة القضية الفلسطينية التي نشأت من أجل خدمتها.
ب- حدوث انشقاقات واحتلال الهياكل.. وهو أمر مستبعد نظرًا لآليات الشورى التي تحكم عمل الحركة، والعمل المؤسسي الذي يمثل منظومة متكاملة تنأى بنفسها عن الشخصنة والزعامات الفردية والذاتية.
إن هذا الكتاب يمثل حالة مهمة تقرر أن كل تقدُّمٍ لحركة حماس في خدمة قضية فلسطين ودعم الموقف المقاوم يترتب عليه ازدياد رصيدها بين الجماهير؛ مما ينتج قوة بالغة تزيد من قوتها.
وحماس في هذا التوقيت مؤتمنة على أرض وشعب باسم الإسلام، وهو ما يحملها مسئوليات فائقة أظن أن القارئ الكريم قادر على تفهمها وإدراكها وإنزالها المنزل اللائق به من الإدراك المعاصر.. حيَّا اللهُ حماسَ وألهمها رشدها ووقاها شرور الغادرين.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية