لغة قديمة تفتقر إلى المسؤولية
د. يوسف رزقة
(لا فرق بيني وبين الحكومة (يقصد سلام فياض) وما تعمله بأمري، وما يدرسونه وما يقدمونه التزم به، وهم يلتزمون بأوامري). بهذه الكلمات التي قالها محمود عباس في مؤتمره الصحفي، وفرّ لحكومة سلام فياض شبكة أمان، تحمي الحكومة من الغضبة الشعبية التي تطالب فياض بالرحيل وتحمله المسئولية المباشرة عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية المتردية.
وفي خطوة موازية ومساندة لهذا التوجه نفت شخصيات قيادية من حركة فتح أن الحركة تطالب باستقالة فياض، وبهذا نأى الرئيس ومعه حركة فتح بنفسيهما عن المطالب الشعبية، وقررا حماية فياض وحكومته، خشية أن تنفرط (المسبحة)، وأن لا تقف الاحتجاجات عند هذا الحد.
الشعب بمجمله، والمحتجون على وجه الخصوص، يستنكرون موقف الرئيس وموقف فتح لأن فيهما خذلانا للإرادة الشعبية التي طالبت (بالعيش .. وبالحرية .. وبالكرامة)، وقررت فشل حكومة فياض في تحمل مسؤولياتها . الرئيس الذي حاول أن يمتص الغضبة الشعبية بلغة دبلوماسية، حيث رحب بالاحتجاجات الحضارية، ناقض نفسه حين وفر غطاء لفساد حكومة فياض، بحسب رؤية الشعب لها.
لقد فشلت حكومة فياض في إدارة المال العام، وفي إدارة المنح والتبرعات الخارجية، بعد أن استشرى الفساد المالي في الإدارات العليا، ولم يعد المال كافياً لصرف الرواتب، وزادت نسبة الفقر إلى 25% في الضفة.
الأصل أن يكون مؤتمر الرئيس الصحفي مخصصاً لمعالجة الاحتجاجات الشعبية التي عمت مدن الضفة ضد حكومة فياض، وضد غلاء الأسعار ، ولكن الرئيس حاول أن يحرف البوصلة باتجاه مهاجمة غزة وإسماعيل هنية، ومن خلال الحديث عن المصالحة حديثاً يفتقر إلى الدقة وإلى المسئولية.
في الموضوع الأول قال: (هنية ليس رئيساً للوزراء لحكومة مقالة أو غير مقالة، ولا نسمح له أن يجلس معنا). هذه أقوال لا تليق برئيس سلطة بلاده محتلة، وشعبه يحتج ضد فساد حكومته، وإسماعيل هنية هو رئيس وزراء منتخب لحكومة مقالة، وهو بحسب القانون الأساسي الرئيس الشرعي للحكومة على مستوى فلسطين، وليس على مستوى غزة، ومن يهدم القانون الأساسي (الدستور) ويقفز عنه، ويعمل من خارجه لا يصح له أن يمثل شعبه، ولا أن يمثل القانون، وعباس يعلم الحقائق جيداً كما يعلمها رجال القانون، ومن الغباء أن يتجاهل من يعلم حقائق العلم ويمارس التضليل، لأن الحقائق لا تناسبه شخصياً.
وفي الموضوع الثاني يقول الرئيس: (إن المصالحة هي الانتخابات، وإن من يريد بناء إمارة مستقلة في غزة لن ينجح)، وفي هذا القول يعود الرئيس إلى اللغة القديمة التي تجاوزها الشعب الفلسطيني، فغزة لن تكون إمارة لحماس، لأن حماس تبحث عن فلسطين كلها، وعن وحدة الشعب ولا تقبل التنسيق الأمني (العمالة) مع المحتل الغاصب، وتقول أيضاً إن المصالحة مجموعة متكاملة من ملفات ست تمّ الاتفاق عليها وتوقيعها برعاية القاهرة، والانتخابات واحدة من ملفاتها التي اتفق الطرفان على أنها رزمة، وتنفذ بالتوازي، ولا يجوز انتقاء ملف منها دون الملفات الأخرى، وقول الرئيس (المصالحة انتخابات)، هو عمل انتقائي لم يتفق عليه الطرفان، وهو مصادرة غير منطقية لجهود المصالحة.
وحري بالرئيس ألا ينفي وجود معتقلين سياسيين، ونحن نعلم، وعوائل المعتقلين تعلم، والاحتجاجات الشعبية تقول ما نعلم، وانتخابات الجامعات تقول أيضاً ما نعلم، ورفض حماس للمشاركة في الانتخابات البلدية خشية الاعتقال تقول ما نقول، من يريد المصالحة يجدر به الإفراج عن المعتقلين السياسيين.
إنه لمن المؤسف أن يضرب الرئيس في خطابه بشكل عشوائي، فينكر ما عليه إجماع، ويقفز عن (الاحتجاجات الشعبية) إلى مهاجمة حماس، والمصالحة ثم مهاجمة قيادات عربية مهمة قالت إنها تقف على مسافة واحدة من حماس وفتح، وكأنه يريد أن يسترجع المواقف المنحازة لمبارك ولعمر سليمان رحمه الله، وأنت لا تملك قرارات الآخرين لترفض حالة التوازن عندهم في رعاية المصالحة، يجدر بك أن تقرر في دائرتك التي تستطيعها، وتترك للآخرين أن يساعدوا شعبك على المصالحة من خلال مواقف متوازنة، فالحضن الذي جلست عليه في زمن مبارك انتهى، ومبارك في ليمان طرة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية