لـ استكشاف موقف الكيان
محمد عبيد
هل يحتاج الموقف والتوجه "الإسرائيلي" إلى "باروميتر" لاستكشاف ما ينحو إليه من أقصى درجات التطرف والتعنت؟ وهل يحتاج هذا "الاستكشاف"، إذا افترضنا جدلاً أنه "ضرورة"، إلى لقاءات بين المفاوضين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" حتى نهاية الشهر الحالي؟
تصريحات ممثلي السلطة الفلسطينية حول تواصل اللقاءات بين مسؤولين فلسطينيين و"إسرائيليين" حتى نهاية الشهر الحالي، في سياق "اكتشاف" إمكانات استئناف مسيرة التسوية، التي لم نعد نسمع عنها إلا التصريحات منذ زمن طويل جداً، والتي لا يستطيع أحد أن يغفل أنها لا تحتاج إلى عملية طويلة مثل هذه لتقدير مسارها، هذا إن لم نقل إن المسار محدد مسبقاً بالنسبة للكيان، الذي وجد في مثل هذه اللقاءات فرصة سانحة لإطلاق حملة "علاقات عامة" دولية، لتحسين وتلميع الصورة، في ظل تصاعد العداء الإقليمي والدولي ضده.
عادة ما يكون الاستكشاف، كمصطلح، مرتبطاً بكل ما هو غامض أو مجهول، يقوم بسبر أغوار هذا المجهول لبناء تصور عنه، والوصول إلى بناء معرفة به، وفي هذه الحالة فإن مجرد الحديث عن مسعى لاستكشاف إمكانية وإرادة سياسية لدى الكيان لاستئناف التسوية، يغدو من دون رصيد، لأن التغيير الذي تمور به المنطقة، وقارب أن يطال معظم أطرافها، لم يمر من الكيان، الذي إن أردنا التحدث عن تغيير لديه فإنه سيكون إلى ما هو أكثر تطرفاً وإجراماً ومروقاً على الشرعية الدولية، وشرعة حقوق الإنسان العالمية، والأشد وقعاً على الشعب الفلسطيني، من حيث تصاعد جرائم التطهير العرقي والتهويد، والعنصرية، والضم والتوسع الاستعماري الذي يهدد بإلغاء أي احتمال لقيام دولة للشعب الفلسطيني.
تجريب "المجرب" مسبقاً ليس حلاً، وعلى أقل تقدير لن يكون تحسيناً لصورة الفلسطينيين عالمياً، أو مكاسب تضاف إلى الرصيد التفاوضي، أو أوراق ضغط على كيان لا يعرف إلا أن يضغط ويبتز ويتآمر، ومن هنا تبرز أهمية التوقف، والتمسك بقرار تعليق أي مفاوضات، واستكشاف فرص الاستمرار في الضغط الدبلوماسي على العالم، ضد الكيان المحتل الغارق في الجرائم والإرهاب المنظّم.
الوقائع التي يثبّتها الكيان على الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل يومي، والسياسات التي ينتهجها بحق الشعب الفلسطيني، سواء كان في الضفة الغربية، أو القدس المحتلة، أو الأراضي المحتلة عام 1948، لا تدع مجالاً لمشكك، أو متفائل حتى، بإمكانية أن يخرج من رحم هذا النظام العنصري المارق من يسعى إلى تسوية للصراع التاريخي، وحتى إن تغيرت الوجوه في مقبل الأيام على صعيد القيادة "الإسرائيلية"، فإن المؤشرات لا تحمل إلا على توقع الأسوأ.
التقدم الذي حققه الشعب الفلسطيني على المستوى الدولي لم يكن نتيجة مباشرة لتحسن بيئة التفاوض والتسوية، بل جاء نتيجة جهد ركّز على مسؤولية الكيان المحتل عن تعطيل مسار التسوية، وضربه في مقتل، وأفرز مترافقاً مع تواصل الجرائم "الإسرائيلية"، قناعة لدى العديد من دول العالم، ويقيناً بخصوص الطرف المسؤول عن استمرار الصراع، والطرف المستمر في ارتكاب الجرائم بحق فلسطين أرضاً وشعباً ومقدسات.
لا داعي لما اعتبر "استكشافاً"، فنوايا الاحتلال مقروءة من دون أن يكون لها عنوان، وأهدافه من لقاءات كهذه لا تتعدى كونها حاجة عابرة، لتصوير الوضع وكأنه على ما يرام، وأن التسوية قابلة للاستئناف في أية لحظة، الأمر الذي لا يجد ما يدعمه على الأرض الفلسطينية المحتلة، والذي لن يسهم بشيء إلا بمنح فرصة وفسحة من الزمن ل"إسرائيل" للالتفات إلى ملف الانتخابات الأمريكية، كونها أحد أهم الشؤون الداخلية، وتوجيه الطاقات نحو استثمار الفسحة تلك للضغط في الولايات المتحدة على المتسابقين نحو كرسي المكتب البيضاوي، لإلزامهم بتعهدات وسياسات تدعم الكيان وسياساته أكثر فأكثر.
صحيفة الخليج الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية