لقاء نيويورك بين خاسر ومنتصر

لقاء نيويورك بين خاسر ومنتصر.. بقلم: مصطفى الصواف

الجمعة 25 سبتمبر 2009

لقاء نيويورك بين خاسر ومنتصر

بقلم: مصطفى الصواف

 

جاء اللقاء الثلاثي بين محمود عباس رئيس حركة فتح والرئيس الأمريكي باراك اوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء الماضي كما توقع الكثير من المراقبين، رغم موقف محمود عباس الإعلامي الرافض لعقد اللقاء ما لم تلتزم (إسرائيل) بوقف الاستيطان، بأن اللقاء سوف يتم رغم موقف عباس، لأن الجانب الفلسطيني بقيادة فريق التفاوض لا يملك أي ورقة يمكن له أن يساوم عليها، وان قرار الرفض ليس قرارا حقيقيا، ولكنه موقف تكتيكي سقط أمام أول اختبار له، حتى أن الجانب الفلسطيني لم يسجل أي اعتراض أو تحفظ على دعوة اوباما وقبل عقد اللقاء دون أي تعليق، ثم خرج المبررون للحديث أن اللقاء الثلاثي ليس لقاء تفاوضيا؛ إنما هو من أجل فهم الصورة من قبل أوباما من الطرفين مباشرة بعد الفشل الذي مني به مبعوثه للمنطقة جورج ميتشل في التأثير على موقف (إسرائيل) من مجرد فكرة التجميد المؤقت للاستيطان

.

وفي هذا اللقاء كالعادة الخاسر كان الجانب الفلسطيني الذي كسر الموقف الفلسطيني المعلن منه مباشرة، وضرب عرض الحائط بالرأي العام الفلسطيني الذي طالبه بعدم الموافقة على عقد اللقاء والتمسك بالموقف والشروط الفلسطينية، وقبل عباس الجلوس واللقاء والتقاط الصور والموافقة على البدء بمرحلة جديدة من التفاوض بين الجانبين دون شروط مسبقة، ودون موقف إسرائيلي واضح من موضوع تجميد الاستيطان؛ بل الإعلان بشكل لا يحتمل التأويل عن الاستمرار في البناء والاستيطان، وكذلك موقف الإدارة الأمريكية الواضح في هذه القضية والمتوافق مع الموقف الإسرائيلي والمخالف بالطبع للموقف الفلسطيني والذي عبر عنه اوباما عندما قال إن وقف الاستيطان ليس شرطا لاستئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقال أكثر من ذلك إن على الجانبين دفع عجلة التفاوض إلى الأمام دون أي شروط من أي طرف

.

فالموقف الفلسطيني بلا حدود وبلا سقف سياسي وبلا استراتيجية تفاوضية، وهو موقف متغير بشكل دائم ولعل صفة التغيير هي الصفة اللازمة، وكل الحديث عن شروط ومواقف وتشنجات هو لذر الرماد في العيون ومحاولة لخداع الرأي العام الفلسطيني من قبل المتحدثين بدءاً من محمود عباس وانتهاء بأصغر متحدث من قبل السلطة أو المنظمة أو حركة فتح

.

ثم يخرج بعض المتشدقين ليتحدثوا عن ضغوطات عربية مورست على محمود عباس للموافقة على عقد اللقاء، وكأن عباس كان عند موقفه من عدم اللقاء مع نتنياهو طالما أن الاستيطان مستمر، ونسي هؤلاء أن التفاوض عقيدة في سياسة عباس، كما أن الاستيطان هو عقيدة عند اليهود

.

وأمام الخسارة الفلسطينية في الموقف والثوابت ماذا حقق الجانب الإسرائيلي والأمريكي؟ لقد كان اللقاء إيجابيا جدا لكليهما، وكلاهما حقق الهدف الذي رسماه من هذا اللقاء

.

فالجانب الأمريكي الذي فشل في حملته الدبلوماسية المكوكية لميتشل وبعض المسئولين من إقناع (إسرائيل) بالموافقة على وقف الاستيطان، وأظهر الموقف الإسرائيلي الثابت عجز إدارة اوباما عن تحقيق خطوة واحدة في اتجاه تحقيق تقدم في العملية التفاوضية أو السلمية التي تريدها أمريكا لو تكتيكيا حتى تهيئ الأجواء العربية والإسلامية لمشروعها الهادف إلى إنهاء القضية الفلسطينية وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية، والتي حددها خطاب نتنياهو في جامعة بار ايلان، وعليه تراجعت الإدارة الأمريكية عن مطالبة الإسرائيليين بوقف الاستيطان وتحول الموقف الأمريكي إلى مطالبة الجانب الفلسطيني والعربي بضرورة تقديم تنازلات في المواقف لمصلحة الموقف الإسرائيلي من خلال الدعوة الأمريكية لاتخاذ خطوة من قبل الدول العربية للتطبيع مع (إسرائيل) تمهيدا لإقناعها بتجميد الاستيطان بشكل مؤقت، وهذا هو الموقف الإسرائيلي الذي تبنته الإدارة الأمريكية وأخذت تسوق له عربيا وربما تكون قد حصلت على موافقة عليه، وحتى تخلق للعرب تبريرا للموافقة على الطلب الأمريكي كان لقاء نيويورك الذي عقد دون تحقيق الشروط الفلسطينية، وهذا فيه تمهيد برضا فلسطيني بالتطبيع مع (إسرائيل)، وإنقاذ للموقف الأمريكي والذي بات أكثر إحراجا

.

وبذلك تكون الإدارة الأمريكية قد بدأت خطواتها الأولى نحو خلق مناخات جديدة تمهد المنطقة برمتها للمشروع السياسي الذي بدا جاهزا للطرح في الأشهر القادمة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب حقوق أصحابها الشرعيين

.

أما الجانب الإسرائيلي فقد حقق انتصارا واضحا لمواقفه المتعلقة بالاستيطان والتفاوض مع الجانب الفلسطيني دون أي شروط مسبقة، لأن الاستيطان لدى الإسرائيليين عقيدة لا يمكن التخلي عنها، وخاصة مدينة القدس التي تعتبر في الأدبيات الإسرائيلية العاصمة الأبدية لكيانه، والتي يجب أن تخرج من كل الحسابات التفاوضية الاستراتيجية والتكتيكية، كما أن اللقاء أكد على قوة الموقف الإسرائيلي وثباته من كافة القضايا وهذا يعطي مؤشرا بأن الإسرائيليين سيكونون أكثر ثباتا وتشددا في المفاوضات القادمة، وأن على الفلسطيني أن يكون على استعداد لتقديم مزيد من التنازلات والقبول بما تعرضه الحكومة الإسرائيلية وتؤيده الإدارة الأمريكية

.

وأمام ذلك ما الحل؟ هل الخنوع الفلسطيني والاستسلام من قبل المفاوض والقبول بما تعرضه (إسرائيل)، خاصة وان الموقف الفلسطيني هو الأضعف وهذا هو الذي سيكون عليه الموقف الفلسطيني للمرحلة القادمة، وان الأيام المقبلة سوف تشهد الفصول الأخيرة للقضية الفلسطينية حتى وإن كان بشكل مؤقت؟ أو المطلوب استراتيجية فلسطينية جديدة للمرحلة القادمة؟

المطلوب لمواجهة المرحلة القادمة على ما فيها من مخاطر؛ لن يتم دون أن تكون هناك استراتيجية موحدة للشعب الفلسطيني، ولو في الحد الأدنى منها، وهذا يتطلب أن يتوقف محمود عباس عن المضي في سياسته الفاشلة في الابتعاد عن الشعب الفلسطيني، ويسعى إلى إنهاء الانقسام، والانخراط مع كافة القوى الفلسطينية في العمل المقاوم، وتعزيز الصمود وعدم اعتماد سياسة التفرد في القرار الفلسطيني والسياسة الفلسطينية، المطلوب وحدة الشعب الفلسطيني لأن هذه الوحدة تشكل الورقة الوحيدة غير القابلة للانكسار، والتي تعمل على صمود الموقف الفلسطيني لمواجهة كل ما يحاك ضد حقوق الشعب الفلسطيني، والتاريخ اثبت أن وحدة الشعب الفلسطيني هي القادرة على مواجهة المخاطر، وهي القادرة على إفشال كل مشاريع التصفية حتى لو كانت أمريكية صهيونية عربية

.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية