لماذا تجاهلوا هنية؟...بقلم : فهمي هويدي

الجمعة 06 يناير 2012

لماذا تجاهلوا هنية؟

فهمي هويدي
خلال الأسبوع الماضي تابعت وسائل الإعلام أول جولة خارجية يقوم بها السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني في حكومة قطاع غزة. كانت البداية زيارة للسودان. حيث التقاه هناك الرئيس عمر البشير ونائبه وعقد عدة اجتماعات مع مختلف القيادات السودانية. بعد السودان زار تركيا التي حظي فيها بترحيب حار، فاستقبله رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، كما التقى مع قيادات كافة الأحزاب السياسية القومية والكردية، وحضر جلسة للبرلمان التركي.

ومن تركيا اتجه إلى تونس؛ حيث استقبله هناك رئيس الوزراء حمادي الجبالي، كما التقى عدداً آخر من القيادات السياسية، وكان السيد هنية (أبوالعبد) على موعد بعد ذلك للقاء أمير قطر في الدوحة، ولكن الأمير ارتبط بزيارة إلى موريتانيا، فتأجل اللقاء إلى آخر الشهر الحالي.
كل ذلك نشرته الصحف وصار في علم الكافة، لكن ما لم يقل، ويتملكني شعور بالخجل والخزي حين أذكره، أن السيد إسماعيل هنية حين غادر غزة يوم 26/12، فإنه جاء إلى مصر عبر معبر رفح، وأمضى في القاهرة ثلاثة أيام لم يلتق خلالها بأي مسؤول سياسي في الدولة، ولم يقابله سوى رئيس المخابرات العامة وبعض مساعديه. وقد التقاه الدكتور نبيل العربي بصفته أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، لا علاقة له بالحكومة المصرية.

السؤال الذي تثيره هذه الواقعة يثير السؤال التالي: لماذا امتنعت الحكومة المصرية والمجلس العسكري عن ترتيب أي استقبال للرجل، وتجاهلت وجوده، رغم أنه كرم حيثما ذهب؟ هناك ثلاثة احتمالات في تفسير ذلك التجاهل. الأول أن تكون السياسة الخارجية لحكومة «الثورة» ما زالت ملتزمة بتوجيهات الرئيس السابق الذي قيل إنه كان يحب فلسطين ويكره الفلسطينيين. الثاني أن يخشى المجلس العسكري إغضاب الأمريكيين الذين قد لا يرحبون بأي اتصال رسمي مع حكومة غزة. الثالث أن يكون الهدف من ذلك هو مراعاة خاطر الإسرائيليين والانحياز إلى موقفهم المقاطع لحركة حماس.

أستغرب الاحتمال الأول، الذي يؤيد ما يردده البعض من أن ما تغير في مصر هو الحاكم وليس الحكم، وهي قرينة ليست في صالح المجلس العسكري، وتدل على مدى ضعفه وتردده. علماً بأن مقابلة رئيس الوزراء المصري لرئيس حكومة قطاع غزة، خصوصاً بعد توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، تأثيرها معنوي بالدرجة الأولى، ويمكن أن تعطي حكومة «الثورة» نقطة مجانية لصالحها.

فيما يتعلق بالاحتمالين الأخيرين، فإنني أزعم أن علاقة تركيا ــ التي احترمت الرجل واحتفت به ــ لها علاقات مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" أقوى بكثير من علاقات القاهرة مع واشنطن وتل أبيب، ومع ذلك فإنها تصرفت بصورة مقدرة تبعث على الاحترام. وأزعم في ذلك أن الحكومة التركية رغم عضويتها في حلف الناتو، ورغم تجذر العلاقات مع "إسرائيل" التي اعترفت بها أنقرة في عام 1949، وضعت في الاعتبار احترام مشاعر شعبها، وقدمته على علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، ورغم أن ما قلته ينسحب أيضاً بدرجة أو أخرى على السودان وتونس وقطر إلا أن القياس على الحالة التركية يسلط ضوءاً أقوى على المفارقة.

هذه الخلفية تسوغ لي أن أقول إن المجلس العسكري لم يتجاهل السيد إسماعيل هنية فحسب، ولكنه أيضاً تجاهل مشاعر الشعب المصري الذي لا تزال القضية الفلسطينية تحتل موقعاً متميزاً في إدراكه، ناهيك عن الشعب العربي الذي تبين لنا أن المجلس العسكري لا يراه ولم يعد يعمل له حساباً يوماً ما.

إذا لاحظت أننا نتحدث عن مجرد استقبال بروتوكولي يعبر عن الاحترام والتقدير لرئيس حكومة في القطاع انتخبتها أغلبية الشعب الفلسطيني، ولم تتحدث عن تصعيد أو اشتباك مع واشنطن أو تل أبيب فإن ذلك يكشف عن عمق الأزمة التي تواجهها السياسة الخارجية المصرية إذ بات المجلس العسكري أعجز من أن يرتب استقبالاً للسيد إسماعيل هنية، في حين أن أي سناتور أمريكي يأتي إلى مصر تفتح له كل الأبواب على مصارعها، ونرى صورته في الصحف وهو يتحدث متعجرفاً عما ينبغي أن تفعله مصر أو لا تفعله.

إذا كان ذلك حاصلاً مع رئيس حكومة غزة، فلك أن تتصور الذي يحدث مع من دونه مرتبة في الوزارة، ولك أن تتخيل الكيفية التي يعامل بها الفلسطينيون ومعاناتهم في مطار القاهرة أو معبر رفح. وهي شواهد إذا جمعت جنباً إلى جنب فستخلص منها أن كنز إسرائيل الاستراتيجي لم يكن مبارك وحده، وإن ذلك الكنز أكبر بكثير مما تظن.

سيعود السيد أبوالعبد من تونس اليوم أو غداً، ولا تزال هناك فرصة لإصلاح الخطأ الذي وقع أثناء ذهابه، ليس فقط احتراماً للرجل ورمزيته، ولكن أيضاً احتراماً لمشاعر الشعب المصري والعربي أيضاً. هذا إذا لم يرد المجلس العسكري أن يحسن من صورته ويصلح خطأه.


صحيفة الشرق القطرية

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية