لماذا رضيت حماس بعباس لرئاسة الحكومة
د. أيمن اليازوري
يطرح الكثيرون التساؤل الكبير: ما الجديد الذي جعل حماس تقبل بعباس كرئيس للوزراء لحكومة انتقالية مستقبلية في الضفة وغزة؟
وربما يساور الكثيرون العديد من الشكوك حول شخصية عباس و أجندات عباس و طريقة تفكيره و إدارته للعديد من الملفات, كما و يستحضر الجميع كل آلام الماضي وفتن الانقسام عندما يطرح اسم الرئيس عباس وربما يتناول المشرعون و القانونيون بالدراسة مدى شرعية هذه الخطوة و قانونيتها ولكن يبقى السؤال: ما الجديد الذي جعل قيادة حماس تقبل بهذا الرجل بعد مراحل الشكوك والقطيعة وتبادل الاتهامات والانقسام؟
إن المتأمل لعام 2011 ولأداء الرئيس عباس في مجموعة من الملفات يلمس لغة جديدة لدى الرجل في إدارة ملف العلاقات مع إسرائيل أو الملف الداخلي لحركة فتح -وبالتحديد تقليص نفوذ تيار بعينه في الحركة – أو ملف المصالحة الفلسطينية والذي من خلال هذه الملفات استطاع و بشكل ما أن يقدم نفسه كشخصية تتحدث بلغة جديدة ربما فهمت دروس الربيع العربي الى حد ما من حيث الزمان والمكان.
يدور الحديث لدى كل الاوساط المثقفة في حماس حول ضرورة استبقاء حركة فتح بما لديها من تاريخ و امكانات ونفوذ داخل الصف الوطني وذلك في ضوء قوة تيارين داخل هذه الحركة يشدانها الى الخلف, الأول الامني المتأسرل والذي لاينطق لا عن هوى و لا عن رأي و لكن بما تمليه عليه الجارة الغربية و الثاني التيار الهارب من غزة و المستوطن لرام الله, وطالما استطاع عباس ان يقلص نفوذ التيار الثاني فهل ينجح في تقليم أظافر التيار الأول مع العلم أن التيارين المذكورين لهما نفس الداعم و الممول في الإقليم. من الواضح أن التيار الأمني المتأسرل بات متنفذا داخل حركة فتح و متغولا حتى على قرارات قيادة حركة فتح وبات واضحا تعطيل هذا التيار لكل ملفات المصالحة فهل يكون تقليم أظافر هذا التيار أحد متطلبات التفاهم القادم بين فتح و حماس كي يستقر الوطن الذي تعصف به عواصف الانقسام و التدابر المقيت.
لقد شهدت الساحة الإقليمية الكثير من التغيرات وبات الاسلاميون الجدد - والذين أفرزهم الربيع العربي كقوة أولى في كل الانتخابات التي حدثت في تونس و مصر والمغرب و الكويت ومن التوقع أن تتكرر النتائج ذاتها في كل من ليبيا و اليمن و الجزائر- على درجة كبيرة من فهم التوازنات و القبول بالتوافقات فقبل الاسلاميون في تونس برئيس يساري و ائتلفوا في المغرب مع اليسار و تحالفوا انتخابيا في مصر مع القوميين و الناصريين وسابقا طرحوا دعم البرادعي الليبرالي التوجه. وقد كانت حماس سباقة في طرح مبدأ الشراكة في الحكم وعرضت على فتح المشاركة في الحكومة العاشرة بعد انتخابات 2006. إن مبدأ الشراكة الآن و الذي انحازت إليه حركة فتح بعد انسداد أفق مشروعها التفاوضي و بعد تغير الإقليم لصالح حماس ربما يسهم في بناء شراكة وطنية حقيقية مستندة الى توازنات داخلية وإقليمية تعكس في مجملها قوة الاسلاميين المؤمنين بعقلية الشراكة وبالتالي قوة لحماس رائدة هذه الشراكة.
لم تخسر حماس الكثير بقبولها الرئيس عباس لأن الكثير من عوامل القوة على الأرض سيبقى بيدها وربما ستشكل المرحلة القادمة انفراجا لحماس في الضفة الغربية وربما يسهم ذلك في الحد من نفوذ التيار الأمني داخل فتح والذي بات عبئا على عباس و حماس معا وربما يشكل اتفاق الدوحة أرضية للتفاهم بعد الانتخابات القادمة و التي – وفي ضوء الكثير من التوقعات- لن تنتقص من حماس ولن تذيب بفتح بل قد غالبا ما سيكون هناك حكومة وحدة وطنية في ضوء قناعات مهمة بالتوافق دفع الطرفان ومعهما الشعب الفلسطيني ثمنا كبيرا لها.
يجيء اتفاق الدوحة في ظل حالة من الانفراج أمام حماس إقليميا و دوليا حيث تم استقبال رئيس الحكومة الفلسطيينية المنتخبة إسماعيل هنية وفي جولتين متتاليتين في ثمانية دول عربية وفي ظل بداية انفراجة أوربية أمام قيادة حماس السياسية وهي كلها تشكل عوامل قوة لحماس تجعل من قبول حماس بشخص عباس قبول القوي الذي يستشرف المستقبل الواعد للإسلاميين في المنطقة بأكملها في ضوء تراجع واضح للمكونات الطيفية القومية و الليبرالية والتي تحالفت مع الغرب فسقطت على أعتاب أول انتخابات ديموقراطية.
ستتشكل في المستقبل القريب أطر قيادية عديدة لمنظمة التحرير والتي كانت حماس بمنأى عنها وربما دخلت حماس لهذه الأطر بوزنها في الانتخابات السابقة أو اللاحقة – في الداخل او في الإقليم- وفي جميع الأحوال سيكون لحماس نصيب الأسد أو على الأقل نصيبا لن يترك فتح متفردة في التعاطي مع ملف منظمة التحرير بل ربما تكون هناك فترة انتقالية ينتقل هذا الملف بجملته بعدها الى يد حماس و التي باتت تنعم بإقليم يتشكل ويمنحها العمق والدعم اللازمين لتقدم مشروعها الوطني.
يجيء قبول حماس بشخص الرئيس عباس ليعكس قوة وتقدم مشروع حماس في الإقليم, هذا المشروع الذي بات على أعتاب ان يكون عنوان مرحلة جديدة يشكل الاسلاميون فيها العنوان الرئيس لإدارة الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي والذي بات الخاسر الحقيقي من الربيع العربي والذي يعد تقارب حماس وفتح وبالتالي القبول بعباس أحد نتائجه. هذا التقارب - وإن بدا في ظاهره تنازلا- غالبا ما سيكون فاعلا ومثمرا لصالح الشعب الفلسطيني الذي دفع ثمن الانقسام غاليا ، فإذا كان الحكم كله خيرفإن حماس تجود بهذا الخير لصالح شعبها وكل الشرف لمن أقبل على الحكم رغبة في تحقيق طموحات شعبه و خرج منه ويده نظيفة حرصا على مصلحة شعبه أيضا.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية