لم تشفع للجزيرة حياديتها !!
بقلم: فارس عبد الله
لم يكن قرار إغلاق مكتب قناة الجزيرة الفضائية , في الضفة المحتلة إلا ترجمة لحملة التحريض , التي تعرضت لها القناة من قبل , بعض أقطاب فريق التسوية وقيادة سلطة رام الله ,باعتقاد خاطئ أن الجزيرة قناة اللون الواحد , أو أن المطلوب من الإعلام العربي عدم الخروج ,عن سرب التغريد الرسمي وبالتالي فأن على الجزيرة ,أن تعلن العداء مع الشعوب ومقاومتها ,وان تستخدم مصطلحات الإرهاب في وصف العمل المقاوم ,ويقع على الجزيرة أن تجلب أصحاب الرؤوس الكبيرة والكروش المنتفخة , لقراءة الواقع وتحليل الحدث أمام أعين المشاهدين ,ليتم الإعلان عن سقوط غزة , في أول غارة صهيونية جوية كانت أم برية ,وان تسير الجزيرة على خطى بعض الفضائيات , التي استضافت بعض من يسمون أنفسهم بالمحليين السياسيين أو العسكريين , وكأنهم كتيبة من الجيش الصهيوني ينشرون ثقافة الهزيمة ,ويروجون للجندي الصهيوني وقدراته وإمكانياته , التي أسقطتها المقاومة في أكثر من مواجهة في فلسطين ولبنان , فلم تعد " إسرائيل " القوة التي لا تهزم إلا في أذهان المنبطحين ودعاة الهزيمة , والمتكرشين بفعل المال السحت الذي يصرف لتشويه الصورة النقية الطاهرة , للمقاوم والمدافع عن كرامة وشرف الأمة .
الجزيرة بكل تأكيد خارج منظومة المقاومة في المنطقة, وان كان لها مساهمات غير مباشرة في إيصال صوت المقاومة ,وأخبارها ومواقفها للجمهور العربي ,وذلك يأتي من باب الحيادية الإعلامية ,التي تسعى لها قناة الجزيرة , فبرغم من شعورنا بان التغطية الإعلامية لقناة الجزيرة , في الحرب على غزة كان لها الأثر الكبير , في تعزيز صمود المواطنين ورفع معنوياتهم , من خلال نقل الواقع كما هو دون أن تدخل الجزيرة , في حسابات الموقف السياسي للنظام العربي الرسمي , والذي أراد هزيمة المقاومة وهذا الموقف معلن ولاقى ترجمته ,عبر تغطية بعض الفضائيات التي تبنت الموقف الرسمي , لبعض الأنظمة فكانت تلك الفضائيات ذات شاشة ولون باهت , لا يحمل إلا الشعور بالهزيمة والتسليم أمام العدوان , بل وصلت هذه الفضائيات إلى درجة تحميل الضحية المسؤولية ,عن هذا القتل دون إدانة للعدو الصهيوني , بل لا أكاد أبالغ إذا قلت , أن بعض تلك الفضائيات تبنت الموقف الصهيوني , ودافعت عنه وخاصة في قضية الصواريخ .
إلا أن حيادية الجزيرة في الحرب على غزة , كانت تضايقنا كأصحاب الحق وكحاملي الجرح النازف , وكنا نأخذ على الجزيرة التمسك بالحيادية المفرطة , التي تسمح بتوفير مساحات إعلامية على الهواء مباشرة للرئيس الصهيوني بيرس , وللناطق باسم جيش الإرهاب الصهيوني , وغيرهم من القادة الصهاينة وهم يسقون كلامهم الخبيث , وتبريرهم الوقح باستهداف الأبرياء والأطفال والنساء , والمؤسسات التعليمية والصحية والمساجد , ولقد وقفت لهم أسود الجزيرة , من مذيعيها الأبطال , الذين قاموا بتفنيد الادعاءات الصهيونية ولجم المتحدثين الصهاينة , وهذا ما حفظته لهم جماهير الأمة , فكانت المقابلة مع أي صهيوني على شاشة الجزيرة , معركة من نوع أخر تنتهي بهزيمة , دعاة التطبيع والتعايش مع الكيان الصهيوني , حيث تنكشف عدوانية الكيان ووحشيته , فلا تبقى غشاوة على العيون لرؤية وقاحته وإجرام الصهاينة .
وبالرغم من ذلك فأن حيادية الجزيرة , لم تكن كافية لتنال الرضا من منظومة دول الاعتدال العربي , والتي صرح أحد زعمائها قائلاً باستهزاء عايزين تهزموا " إسرائيل "بالجزيرة, فالمطلوب من الجزيرة أن تكون سيفاً بتار ينخر في همم الشعوب , وأن تكون سماً زعاف يقتل معاني الكرامة في روح الأمة , فلا حيادية لذا أصحاب السلطة والمشاريع الخارج عن واقع الأمة , فالصورة التي تنقلها الجزيرة من قلب غزة , هي ضربة لمشروع أمريكا سواء كانت الصورة مجزرة , بفعل الآلة الصهيونية أو صورة صمود الشعب ومقاومته ,وإصرارهم على التمسك بحقهم وأرضهم , والتقرير الإخباري بمهنيته والذي ينقل معاناة المحاصرين , ونيران الصهاينة تصب فوق رؤوسهم , يكشف عورته الحكام أمام التغول الصهيوني على شعب عربي أعزل , وبهذا التوصيف خرجت الجزيرة كالعادة عن التبعية الإعلامية لحكام المنطقة ,وانحازت للشعوب الباحثة عن الحقيقة المجردة , فلا عجب أن يصبح مراسلي ومذيعي الجزيرة , علامة العزة والكرامة تترد أسمائهم في أغاني الحرية والانتصارات , فلقد شاركت الجزيرة وبحياديتها الأمة همومها , وخاضت معها مواجهاتها الدامية مع قوى الاستكبار والاحتلال , في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان.
ولا يمكن لنا كفلسطينيين أن ننسى مواقف مشرفة , لشبكة الجزيرة الفضائية فمنذ انطلاقتها وهي تسجل الحضور , على خط القضية الفلسطينية وتعطي اهتماماً كبيراً ولافتاً للحق الفلسطيني , وتدافع عنه بالصوت والصورة ,بالإضافة إلى التغطية الحية والمباشرة لكل الأحداث الفلسطينية , دون تمييز فلقد أوصل الرئيس الشهيد عرفات , أقوى الرسائل عبر شاشة الجزيرة , عندما قال " يريدونني إما أسيراً وإما طريداً وإما قتيلاً وأنا بأقول لهم شهيداً شهيداً شهيداً , وكيف لنا أن ننسى تغطية الجزيرة للعدوان الصهيوني على الضفة عام 2002 , وتفاصيل معركة جنين ونابلس وحصار كنيسة المهد ,كما لا يمكن أن نتجاهل مشاركة الجزيرة في إحياء ذكرى النكبة , والتأكيد على حق العودة عبر سلسلة " لكي لا ننسى " , والتي تتحدث عن القرى والمدن في الأرض المحتلة عام 48 , وكانت تبث على الجزيرة يومياً , قبل نشرات الأخبار الرئيسية , وهناك الكثير من البرامج الوثائقية التي تتحدث عن الحق الفلسطيني , والخداع الصهيوني التي قامت الجزيرة ببثها في أوقات مختلفة , ولا يمكن أن نغفل وقفة الجزيرة الشجاعة في فضح ممارسات الاحتلال , وحصار غزة ونقلت معاناة المواطنين الناجمة عن الحصار الظالم .
كما لا يمكن أن نتجاهل مشاركة الجزيرة , في إعادة تشكيل حالة الوعي العربي والإسلامي اتجاه قضية فلسطين , ولم يعد العربي حبيس الرؤية الرسمية والتي تغيب عنها فلسطين ومقاومتها , ومقدساتها والأخطار التي تتعرض له , بل وتختفي أوجاع الشعب الفلسطيني وآلامه , عن شاشات الإعلام الرسمي لصالح حفلات الرقص والأفلام الهابطة .
فبالرغم من بعض التحفظات على قناة الجزيرة , إلا أن شهادة الحق واجبة في وقتها , فلا يمكن أن تكافأ الجزيرة بإغلاق مكتبها في فلسطين المحتلة , وان هذا العمل الغير مسئول يكشف لنا عن عقلية متحجرة لا تقبل الحرية الإعلامية , وان الممبرات الداعية لهذا الإجراء العبثي تسقط أمام المهنية الإعلامية التي وفرتها الجزيرة في تغطية الحدث فلقد كان الرأي والرأي الأخر , إلا إذا كان هناك ثأر قديم حان وقته , وعلى كل الأحوال فان الخسران يلحق بمن يحارب الكلمة , ففي هذا الزمان المعلومة أصبحت مشاع , ولها من النوافذ الكثير لتصل إلى الجمهور , وتبقى الجزيرة ويسقط القمع بصاحبه.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية