لم يَعُد الانقسام فلسطينيّا
حسام الدجني
كل الاحترام لقيم الوحدة الوطنية، ولكن لابد من الحديث بجرأة أكبر، والتعاطي مع الأحداث بموضوعية، فلم يعد الانقسام فلسطينيًّا، وإنما تجاوز حدوده الجغرافية، وأخذ شكلًا أفقيًّا، حتى أصبح العلماني في أي بقعة بالعالم أقرب إلى حركة فتح من الأخ والشقيق الإسلامي (الحمساوي)، وهذا الداء ليس عند العلمانيين أو اليساريين فقط، فالحركة الإسلامية مصابة بهذا الداء، فقد يكون الإخواني في الشيشان أقرب إلى حماس من العلماني الفلسطيني.
لم أكتب كلامًا مرسلًا، أو إسقاطات نفسية هنا أو هناك، وإنما الوقائع على الأرض تثبت ذلك، وكلٌّ بات يلمسها، وأحداث الربيع العربي كشفت معظم فصولها، والموقف من الأحداث المتتالية في مصر خير دليل على ذلك، ويبقى السؤال عن ماهية الحل.
في عام 2009م كنا نتحدث عن (سيناريو) الفيدرالية، ولكننا حينها كنا نطرحها من باب التهكم، وليس الطرح الموضوعي، واليوم أقولها بكل جرأة: مبارك للكيان العبري؛ فقد نجح في تحقيق أهدافه، ونحن سواء أَفَشلنا أم أُفشلنا، لا فرق كبير، وعليه لابد من التفكير العميق في إدارة هذه المرحلة.
المنطقة تفكك من أجل تركيبها من جديد وفق رؤى ومصالح دول كبرى، وسيطال الفك والتركيب فلسطين، وهذا لن يكون اختياريًّا، وإنما ممر إجباري قد لا نقوى على مجابهته، صحيح أننا تحاك علينا المؤامرة منذ سنوات، ولكن القادم قد يكون أسوأ، وقد يجبرنا على المضي قدمًا في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهذا على أقل تقدير سيكون من وجهة نظر المخططين لا المنفذين؛ فالمنفذ يرى أنه يقود مشروعًا وطنيًّا تحرريًّا، كما هو الحال لدى حركة فتح التي أتت بأسوأ مشروع عرفه التاريخ المعاصر، وهو مشروع (أوسلو)، وصنعت من رحمه جماعات مصالح تدافع باستماتة لبقائه، ولعل التنسيق الأمني بالضفة يصلح ليكون أنموذجًا.
بعد كل ما سبق تبقى الإجابة عن تساؤل: ماذا بعد؟
أكرر: لا مصالحة ستتحقق بالقريب العاجل، وسيكون المشهد الإقليمي عبارة عن اصطفافات ذات بعد أيديولوجي، وسنعيش مرحلة فاصلة، ولكنها مؤلمة، وهذا مدخل وممر إجباري لقيادات فتح وحماس لاتخاذ قرارات بحجم تلك المرحلة، ولما كانت المرحلة ليست طبيعية؛ فإن القرارات لابد أن تكون غير طبيعية.
نعود إلى فكرة الفيدرالية، وربما هي أقل الخسائر في هذه المرحلة؛ حتى تستقر المنطقة، ونجنب شعبنا ويلات الحصار والدمار.
ما هي الفيدرالية؟
هي أحد أشكال الحكم، يكون هناك حكومة مركزية (وحدة وطنية) يرأسها الرئيس محمود عباس، وحكومة فرعية ترأسها حركة حماس في قطاع غزة، وحكومة فرعية لحركة فتح بالضفة الغربية، وينظم عمل الجميع دستور عصري للبلاد.
وعليه نستدرك الخطر المتربص بقضيتنا، ولكني أعتقد أن هذا الخيار لم يوافق عليه أصلًا؛ لأنه كما قلت في بداية المقال إن الانقسام لم يعد فلسطينيًّا، وإن إنهاءه مرتبط بإنهاء الانقسام داخل الأقطار العربية والإسلامية حتى داخل النظام الدولي.
وعليه إن الحالة التي يعيشها الفلسطيني بقطاع غزة لا تسر صديقًا أو عدوًّا، ومع فشل كل محاولات إنهاء الانقسام، وفي ظل الحالة الإقليمية والدولية السائدة؛ إنه يجب على حركة حماس بصفتها طرفًا ما زال يحكم قطاع غزة أن تخطو خطوات قد تكون صعبة، وتتمثل في فتح قنوات اتصال مباشرة أو غير مباشرة مع الاحتلال الصهيوني، ولكن في سياق يختلف عن سياق تجربة التفاوض التي عملت عليها منظمة التحرير الفلسطينية، والتركيز في ذلك على القضايا الحياتية لغزة، مثل: فتح المعابر، وإدخال العمال الفلسطينيين للعمل داخل أراضي الـ(48)، وفتح المطار والميناء، ومن المؤكد أن مقابل ذلك سيكون ثمنًا ستدفعه المقاومة الفلسطينية، مثل: وقف التصنيع، وحفر الأنفاق الإستراتيجية، والحفاظ على الأمن والاستقرار داخل القطاع، وهنا أقول لحركة حماس: إن موازين القوى لن تبقى كما هي عليه الآن، وقد تتغير، ولكن مستقبل الأجيال الذي يضيع لن يعوض، وعليه يجب النحت بالصخر من أجل الحفاظ على الكنز الذي يمتلكه الفلسطينيون والمتمثل في الإنسان، واتخاذ أي خطوة من أجل التخفيف عن كاهل الغزيين، وقد يذهب بعض إلى القول: "مغادرة حماس وموظفيها للمشهد قد تكون أقل الأثمان للحفاظ على الوحدة الوطنية"، وأرد على من يحمل هذا التوجه بالقول: "إن ذلك يعزز من منهج الإقصاء، وكل بات يعلم ماذا يعني الإقصاء: التطرف والعنف، وعليه تكون أفضل وصفة لحرب أهلية طاحنة.
حسام الدجني
كل الاحترام لقيم الوحدة الوطنية، ولكن لابد من الحديث بجرأة أكبر، والتعاطي مع الأحداث بموضوعية، فلم يعد الانقسام فلسطينيًّا، وإنما تجاوز حدوده الجغرافية، وأخذ شكلًا أفقيًّا، حتى أصبح العلماني في أي بقعة بالعالم أقرب إلى حركة فتح من الأخ والشقيق الإسلامي (الحمساوي)، وهذا الداء ليس عند العلمانيين أو اليساريين فقط، فالحركة الإسلامية مصابة بهذا الداء، فقد يكون الإخواني في الشيشان أقرب إلى حماس من العلماني الفلسطيني.
لم أكتب كلامًا مرسلًا، أو إسقاطات نفسية هنا أو هناك، وإنما الوقائع على الأرض تثبت ذلك، وكلٌّ بات يلمسها، وأحداث الربيع العربي كشفت معظم فصولها، والموقف من الأحداث المتتالية في مصر خير دليل على ذلك، ويبقى السؤال عن ماهية الحل.
في عام 2009م كنا نتحدث عن (سيناريو) الفيدرالية، ولكننا حينها كنا نطرحها من باب التهكم، وليس الطرح الموضوعي، واليوم أقولها بكل جرأة: مبارك للكيان العبري؛ فقد نجح في تحقيق أهدافه، ونحن سواء أَفَشلنا أم أُفشلنا، لا فرق كبير، وعليه لابد من التفكير العميق في إدارة هذه المرحلة.
المنطقة تفكك من أجل تركيبها من جديد وفق رؤى ومصالح دول كبرى، وسيطال الفك والتركيب فلسطين، وهذا لن يكون اختياريًّا، وإنما ممر إجباري قد لا نقوى على مجابهته، صحيح أننا تحاك علينا المؤامرة منذ سنوات، ولكن القادم قد يكون أسوأ، وقد يجبرنا على المضي قدمًا في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهذا على أقل تقدير سيكون من وجهة نظر المخططين لا المنفذين؛ فالمنفذ يرى أنه يقود مشروعًا وطنيًّا تحرريًّا، كما هو الحال لدى حركة فتح التي أتت بأسوأ مشروع عرفه التاريخ المعاصر، وهو مشروع (أوسلو)، وصنعت من رحمه جماعات مصالح تدافع باستماتة لبقائه، ولعل التنسيق الأمني بالضفة يصلح ليكون أنموذجًا.
بعد كل ما سبق تبقى الإجابة عن تساؤل: ماذا بعد؟
أكرر: لا مصالحة ستتحقق بالقريب العاجل، وسيكون المشهد الإقليمي عبارة عن اصطفافات ذات بعد أيديولوجي، وسنعيش مرحلة فاصلة، ولكنها مؤلمة، وهذا مدخل وممر إجباري لقيادات فتح وحماس لاتخاذ قرارات بحجم تلك المرحلة، ولما كانت المرحلة ليست طبيعية؛ فإن القرارات لابد أن تكون غير طبيعية.
نعود إلى فكرة الفيدرالية، وربما هي أقل الخسائر في هذه المرحلة؛ حتى تستقر المنطقة، ونجنب شعبنا ويلات الحصار والدمار.
ما هي الفيدرالية؟
هي أحد أشكال الحكم، يكون هناك حكومة مركزية (وحدة وطنية) يرأسها الرئيس محمود عباس، وحكومة فرعية ترأسها حركة حماس في قطاع غزة، وحكومة فرعية لحركة فتح بالضفة الغربية، وينظم عمل الجميع دستور عصري للبلاد.
وعليه نستدرك الخطر المتربص بقضيتنا، ولكني أعتقد أن هذا الخيار لم يوافق عليه أصلًا؛ لأنه كما قلت في بداية المقال إن الانقسام لم يعد فلسطينيًّا، وإن إنهاءه مرتبط بإنهاء الانقسام داخل الأقطار العربية والإسلامية حتى داخل النظام الدولي.
وعليه إن الحالة التي يعيشها الفلسطيني بقطاع غزة لا تسر صديقًا أو عدوًّا، ومع فشل كل محاولات إنهاء الانقسام، وفي ظل الحالة الإقليمية والدولية السائدة؛ إنه يجب على حركة حماس بصفتها طرفًا ما زال يحكم قطاع غزة أن تخطو خطوات قد تكون صعبة، وتتمثل في فتح قنوات اتصال مباشرة أو غير مباشرة مع الاحتلال الصهيوني، ولكن في سياق يختلف عن سياق تجربة التفاوض التي عملت عليها منظمة التحرير الفلسطينية، والتركيز في ذلك على القضايا الحياتية لغزة، مثل: فتح المعابر، وإدخال العمال الفلسطينيين للعمل داخل أراضي الـ(48)، وفتح المطار والميناء، ومن المؤكد أن مقابل ذلك سيكون ثمنًا ستدفعه المقاومة الفلسطينية، مثل: وقف التصنيع، وحفر الأنفاق الإستراتيجية، والحفاظ على الأمن والاستقرار داخل القطاع، وهنا أقول لحركة حماس: إن موازين القوى لن تبقى كما هي عليه الآن، وقد تتغير، ولكن مستقبل الأجيال الذي يضيع لن يعوض، وعليه يجب النحت بالصخر من أجل الحفاظ على الكنز الذي يمتلكه الفلسطينيون والمتمثل في الإنسان، واتخاذ أي خطوة من أجل التخفيف عن كاهل الغزيين، وقد يذهب بعض إلى القول: "مغادرة حماس وموظفيها للمشهد قد تكون أقل الأثمان للحفاظ على الوحدة الوطنية"، وأرد على من يحمل هذا التوجه بالقول: "إن ذلك يعزز من منهج الإقصاء، وكل بات يعلم ماذا يعني الإقصاء: التطرف والعنف، وعليه تكون أفضل وصفة لحرب أهلية طاحنة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية