مأزق حماس وحدها أم مأزق فلسطيني عام؟
سري سمّور
تـقول القراءة إن حركة حماس تعيش أزمة لم يسبق لها مثيل، وينبري المحللون السياسيون، وما أكثرهم، لشرح معالم هذه الأزمة وأعراضها؛ فحماس الآن فقدت الحليف السوري، والحليف الإيراني غضب منها وتـقريبا قطع الدعم عنها، واعتمدت على الإخوان في مصر، ولكن حكم الإخوان في مصر قد انتهى، وعزل الرئيس محمد مرسي سبب لحماس مشكلة كبيرة، وقد بدأت السلطات المصرية بإجراءات حازمة ضد حماس سبقتها وتوازيها حملة إعلامية شعواء تستهدف الحركة وقادتها ومنهجها، وتصريحات صدرت عن دبلوماسيين ومسؤولين مصريين تدل على أن طريقة تعاملهم مع حماس لن تكون ودية إطلاقا، وترجمت الأقوال إلى أفعال بإغلاق معبر رفح وعدم فتحه إلا سويعات قليلة ولحالات خاصة جدا، وهدم الأنـفاق وتدميرها بل نسف البيوت التي قد تكون منفذا لأي نـفق في رفح المصرية، وهو ما سبب لقطاع غزة الذي تحكمه حماس أزمة وقود، وأزمة اقتصادية كان القطاع قد بدأ يتعافى منها، وهناك كلام على أن مصر قد تلجأ إلى عملية عسكرية واسعة أو محدودة في قطاع غزة، وزاد الطين بلة ظهور مجموعة «تمرد» التي تستوحي اسمها من حركة مصرية قيل بأنها سيرت التظاهرات في 30-6 الماضي ضد الرئيس مرسي مما قاد إلى تدخل الجيش وعزله، علما بأنه قد اتضح الحجم الحقيقي لهذه الحركة في مصر، والكل يعلم أنها ليست هي من عزل مرسي بل الجيش، وتبين أصلا أن مرسي لم يكن يمسك بشيء في الدولة المصرية، ومن المؤكد أن استنساخ تجارب الآخرين غير مجدي، لأن لكل بلد خصوصياته.
ويرى هؤلاء المحللون بأن حماس هي الخاسر الأكبر مما جرى في مصر، وأنها ترى السكين يوشك أن يجزّ رأسها، ولا تملك تجاه ذلك سوى النزق والارتباك والتخبط واللجوء إلى الخيار الأمني في التعامل مع سكان غزة، ولن تجرؤ حماس على استئناف المقاومة من غزة لأن العرب منشغلون بأمورهم الداخلية، ومعهم المجتمع الدولي بأسره، وستخسر حماس فوق خسارتها لو فكرت بإشعال جبهة غزة، وحتى دعوة السيد إسماعيل هنية للفصائل للمشاركة في إدارة قطاع غزة ليست إلا علامة ضعف ومحاولة يائسة للفرار من المصير المحتوم، وأن حماس تمنّي نفسها بعودة الرئيس مرسي إلى الحكم في مصر، وهو أمر لن يحدث بل إن ما جرى لمرسي والإخوان هو ما سيجري لهنية وحماس!
هذه مجمل نتائج القراءة لوضع حماس كما يراها بعض أو كثير من المحللين والخبراء والكتبة والمتابعين، وهناك من يشمت ويتشفى، وهناك من يشعر بالشفقة، وهناك من يقترح ويطرح حلولا ليساعد حماس -من منطلق وطني- على تجاوز أزمتها الكبيرة، ومأزقها الرهيب.
وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه:هل حماس وحدها تعيش مأزقا وورطة أم أن الوضع الفلسطيني العام في مأزق والكل متورط؟قد يكون الجواب التلقائي السريع بأن الكل في مأزق، ولكن مأزق حماس أكبر وأعظم والخطر المحدق بها لم يسبق له مثيل، ومقارنة مأزق حماس مع مآزق غيرها أشبه بمقارنة مريض استشرى في جسده مرض السرطان بمن يشعر بصداع محتمل...هكذا يقولون!
الحقيقة أن هذه القراءة تعتمد على ما جرى في مصر، وهذا دليل قوي على أن وضعنا الداخلي يتأثر كثيرا بالوضع الإقليمي؛ وهنا تظل القراءة قاصرة لأنها تتعامل مع ما جرى في مصر على أنه ثابت غير متحرك، وقد قلت في مقال سابق بأن الله وحده يعلم إلى أين ستسير الأمور، ورأينا أن مصر خلال سنتين ونصف تغيرت فيها الأحوال أكثر من مرة دراماتيكيا، ومن الرغبوية النظر إلى أن مصر سثبتت فيها التحولات الجديدة، وإذا كان البعض يرى أنه من الأحلام توقع عودة مرسي، فإنه من الاستغباء تصديق ما يرد في الإعلام العام والخاص في مصر، أو ما يقوله «حسام فودة» مثلا، فالأمور في مصر تتفاعل وتتطور، ولم تعد مقتصرة على الإخوان ومرسي، فهناك قوى سياسية ومدنية وشخصيات نخبوية هي في خصومة سياسية وفكرية مع الإخوان ترفض ما يجري وتأبى التساوق مع المسار الحالي، وهي في تزايد مطرد...إذن وضع مصر لم يحسم، وقد يحتاج إلى وقت طويل كي يستقر، وقد لا ترسو سفينتها في أي شاطئ يشتهيه أي طرف، ولهذا وجب على الكل الفلسطيني تجنب المراهنات ومحاولة حل الأزمات فلسطينيا بالأساس بعيدا عن الأمنيات والأمنيات المضادة!
وماذا عن البقية؟فحماس بلا ريب خسرت مما جرى في مصر كثيرا، ومن المكابرة أن تـقول هي أو من يتوافق معها بأنها لم تخسر شيئا، ولكن هل بقية القوى والفصائل على خير ما يرام؟بل هل عموم شعبنا في خير وسلام وكل شيء عندهم عال العال؟
لو نظرنا إلى الحالة الفلسطينية عموما فماذا سنجد؟بالنسبة لحركة فتح وهي خصم حماس السياسي، والتي عمليا تحكم سكان الضفة الغربية، فإنها حددت هدف المفاوضات مرارا وتكرارا وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة على حدود الرابع من حزيران 1967م عاصمتها شرقي القدس، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين؛ ولكن هل الوضع على الأرض يشير إلى قرب تحقيق هذا الهدف تـفاوضيا؟وماذا عن تصريحات قادة الائتلاف الحاكم مثل «نفتالي بينيت» وغيره ممن يؤكدون على أن حل الدولتين قد بات مستحيلا، وعلى الأرض ما يؤكد هذه الاستحالة، من خلال الزيادة المحمومة في عطاءات بناء وحدات استيطانية جديدة، وعملية تهويد القدس تسارعت، ونوايا تـقسيم المسجد الأقصى لا تخفى على أحد في ظل الاقتحامات اليومية المبرمجة، ناهيك عن عمليات اقتحام ليلية لمناطق مختلفة في الضفة الغربية للمداهمة والاعتقال ثم مؤخرا تترافق مع عمليات قتل بشعة بدم بارد مثلما حدث في مخيمي جنين وقلندية والحبل على الجرار.
فالأرض التي هي لب الصراع باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى، ولا أمل في استعادتها بالتفاوض، ولا رغبة أمريكية في الضغط على الكيان، علما أن أمريكا جزء من المشكلة، وليست بابا إلى الحل، وأسلوب المقاومة الشعبية السلمية الذي شجعت عليه فتح تراجع كثيرا، وبات مقتصرا على مسيرات أسبوعية في مناطق محددة، ويضاف إلى ذلك الأزمة المالية وعدم التزام الدول المانحة بتعهداتها، بل مؤخرا أعلنت النرويج أنها لن تظل تقدم المساعدات ما لم يكن هناك تـقدم في الحل السياسي...هذه ملفات ساخنة تضطلع بها فتح بحكم موقعها على الخريطة السياسية الفلسطينية، فهل ثمة أمل في معالجتها جذريا؟!
أما اليسار الفلسطيني عموما فحدث ولا حرج، فقد نظّر وروّج إلى أن الربيع العربي هو مؤامرة أمريكية ممولة خليجيا، ثم هلل اليسار ورحب بما جرى في مصر، واعتبره ثورة حقيقية، مع أنه مدعوم خليجيا أيضا، وتراود اليسار أحلام عودة أمجاد موسكو، وكأن الحزب الشيوعي هو من يحكم روسيا اليوم، ويعلن اليسار عن رفضه للتفاوض وينظم مسيرات ضد المفاوضات، وفي نـفس الوقت يشارك في الحكم والإدارة والقيادة ومشاريع «الأنجزة»...فاليسار يعيش أزمة فكرية وسياسية وأزمة خيارات، في ظل بقائه في أحلام أو عقلية الحرب الباردة.
وبعيدا عن الفصائل والقوة السياسية الإسلامية والوطنية واليسارية هل نحن على ما يرام؟ألا تتفشى البطالة ويزداد الفقر بسبب الغلاء، والفرص أمام الشباب تكاد تكون مغلقة، ألم تصبح الهجرة في نظر كثير من شبابنا هي الحل؟ألا تخرج جامعاتنا عمليا أعضاء جددا في نادي البطالة المحلي؟ ألا نعاني من قسوة قلوب تجاه بعضنا، وتهتك في تماسكنا حتى على مستوى الأسرة والعائلة الواحدة؟ألم نصبح مظهريين في أفراحنا وأتراحنا، وتطغى علينا السطحية؟ألم ننفق 100 مليون شيكل حسب بعض المصادر في أسواق العدو في الداخل الفلسطيني المحتل سنة 1948م بدل أن ندعم بها سوقنا واقتصادنا المحلي؟ألا نسرف في إطلاق المفرقعات والألعاب النارية بسبب وبدون سبب، أليس هناك نوع من الاستغلال للعمال في القطاع الخاص؟ألا نتعامل مع بعضنا بنفعية ونـفاق اجتماعي، إلا من رحم ربي؟ ألم نتابع أخبار عرب أيدول بتفاعل وكثافة أكثر مما نتابع أخبار أسرانا المضربين عن الطعام؟!
إن مأزقنا الفلسطيني قد عمّ وطمّ الجميع، ولا يقتصر على حماس وحدها، وليس مأزق الأخيرة هو الأكبر كما يروّج البعض، فالكل كما نقول في المثل الشعبي «في الهوا سوا»، وكي يتغلب الكل على مأزقه مطلوب التعاون على قاعدة قناعة كل طرف بل كل فرد أن يدا واحدة لا تصفق، وألا جدوى من العمل الفردي، وأن الحل في الجهد الجماعي محدد الأهداف واضح الرؤية والآليات، وإلا سيظل الجميع يعيش مآزقه وورطاته متوهما أنه بخير.
حمى الله شعبنا بكل فئاته من الفتن، ومن المؤامرات وجعل بوصلته نحو القدس...وفقط القدس!
سري سمّور
تـقول القراءة إن حركة حماس تعيش أزمة لم يسبق لها مثيل، وينبري المحللون السياسيون، وما أكثرهم، لشرح معالم هذه الأزمة وأعراضها؛ فحماس الآن فقدت الحليف السوري، والحليف الإيراني غضب منها وتـقريبا قطع الدعم عنها، واعتمدت على الإخوان في مصر، ولكن حكم الإخوان في مصر قد انتهى، وعزل الرئيس محمد مرسي سبب لحماس مشكلة كبيرة، وقد بدأت السلطات المصرية بإجراءات حازمة ضد حماس سبقتها وتوازيها حملة إعلامية شعواء تستهدف الحركة وقادتها ومنهجها، وتصريحات صدرت عن دبلوماسيين ومسؤولين مصريين تدل على أن طريقة تعاملهم مع حماس لن تكون ودية إطلاقا، وترجمت الأقوال إلى أفعال بإغلاق معبر رفح وعدم فتحه إلا سويعات قليلة ولحالات خاصة جدا، وهدم الأنـفاق وتدميرها بل نسف البيوت التي قد تكون منفذا لأي نـفق في رفح المصرية، وهو ما سبب لقطاع غزة الذي تحكمه حماس أزمة وقود، وأزمة اقتصادية كان القطاع قد بدأ يتعافى منها، وهناك كلام على أن مصر قد تلجأ إلى عملية عسكرية واسعة أو محدودة في قطاع غزة، وزاد الطين بلة ظهور مجموعة «تمرد» التي تستوحي اسمها من حركة مصرية قيل بأنها سيرت التظاهرات في 30-6 الماضي ضد الرئيس مرسي مما قاد إلى تدخل الجيش وعزله، علما بأنه قد اتضح الحجم الحقيقي لهذه الحركة في مصر، والكل يعلم أنها ليست هي من عزل مرسي بل الجيش، وتبين أصلا أن مرسي لم يكن يمسك بشيء في الدولة المصرية، ومن المؤكد أن استنساخ تجارب الآخرين غير مجدي، لأن لكل بلد خصوصياته.
ويرى هؤلاء المحللون بأن حماس هي الخاسر الأكبر مما جرى في مصر، وأنها ترى السكين يوشك أن يجزّ رأسها، ولا تملك تجاه ذلك سوى النزق والارتباك والتخبط واللجوء إلى الخيار الأمني في التعامل مع سكان غزة، ولن تجرؤ حماس على استئناف المقاومة من غزة لأن العرب منشغلون بأمورهم الداخلية، ومعهم المجتمع الدولي بأسره، وستخسر حماس فوق خسارتها لو فكرت بإشعال جبهة غزة، وحتى دعوة السيد إسماعيل هنية للفصائل للمشاركة في إدارة قطاع غزة ليست إلا علامة ضعف ومحاولة يائسة للفرار من المصير المحتوم، وأن حماس تمنّي نفسها بعودة الرئيس مرسي إلى الحكم في مصر، وهو أمر لن يحدث بل إن ما جرى لمرسي والإخوان هو ما سيجري لهنية وحماس!
هذه مجمل نتائج القراءة لوضع حماس كما يراها بعض أو كثير من المحللين والخبراء والكتبة والمتابعين، وهناك من يشمت ويتشفى، وهناك من يشعر بالشفقة، وهناك من يقترح ويطرح حلولا ليساعد حماس -من منطلق وطني- على تجاوز أزمتها الكبيرة، ومأزقها الرهيب.
وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه:هل حماس وحدها تعيش مأزقا وورطة أم أن الوضع الفلسطيني العام في مأزق والكل متورط؟قد يكون الجواب التلقائي السريع بأن الكل في مأزق، ولكن مأزق حماس أكبر وأعظم والخطر المحدق بها لم يسبق له مثيل، ومقارنة مأزق حماس مع مآزق غيرها أشبه بمقارنة مريض استشرى في جسده مرض السرطان بمن يشعر بصداع محتمل...هكذا يقولون!
الحقيقة أن هذه القراءة تعتمد على ما جرى في مصر، وهذا دليل قوي على أن وضعنا الداخلي يتأثر كثيرا بالوضع الإقليمي؛ وهنا تظل القراءة قاصرة لأنها تتعامل مع ما جرى في مصر على أنه ثابت غير متحرك، وقد قلت في مقال سابق بأن الله وحده يعلم إلى أين ستسير الأمور، ورأينا أن مصر خلال سنتين ونصف تغيرت فيها الأحوال أكثر من مرة دراماتيكيا، ومن الرغبوية النظر إلى أن مصر سثبتت فيها التحولات الجديدة، وإذا كان البعض يرى أنه من الأحلام توقع عودة مرسي، فإنه من الاستغباء تصديق ما يرد في الإعلام العام والخاص في مصر، أو ما يقوله «حسام فودة» مثلا، فالأمور في مصر تتفاعل وتتطور، ولم تعد مقتصرة على الإخوان ومرسي، فهناك قوى سياسية ومدنية وشخصيات نخبوية هي في خصومة سياسية وفكرية مع الإخوان ترفض ما يجري وتأبى التساوق مع المسار الحالي، وهي في تزايد مطرد...إذن وضع مصر لم يحسم، وقد يحتاج إلى وقت طويل كي يستقر، وقد لا ترسو سفينتها في أي شاطئ يشتهيه أي طرف، ولهذا وجب على الكل الفلسطيني تجنب المراهنات ومحاولة حل الأزمات فلسطينيا بالأساس بعيدا عن الأمنيات والأمنيات المضادة!
وماذا عن البقية؟فحماس بلا ريب خسرت مما جرى في مصر كثيرا، ومن المكابرة أن تـقول هي أو من يتوافق معها بأنها لم تخسر شيئا، ولكن هل بقية القوى والفصائل على خير ما يرام؟بل هل عموم شعبنا في خير وسلام وكل شيء عندهم عال العال؟
لو نظرنا إلى الحالة الفلسطينية عموما فماذا سنجد؟بالنسبة لحركة فتح وهي خصم حماس السياسي، والتي عمليا تحكم سكان الضفة الغربية، فإنها حددت هدف المفاوضات مرارا وتكرارا وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة على حدود الرابع من حزيران 1967م عاصمتها شرقي القدس، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين؛ ولكن هل الوضع على الأرض يشير إلى قرب تحقيق هذا الهدف تـفاوضيا؟وماذا عن تصريحات قادة الائتلاف الحاكم مثل «نفتالي بينيت» وغيره ممن يؤكدون على أن حل الدولتين قد بات مستحيلا، وعلى الأرض ما يؤكد هذه الاستحالة، من خلال الزيادة المحمومة في عطاءات بناء وحدات استيطانية جديدة، وعملية تهويد القدس تسارعت، ونوايا تـقسيم المسجد الأقصى لا تخفى على أحد في ظل الاقتحامات اليومية المبرمجة، ناهيك عن عمليات اقتحام ليلية لمناطق مختلفة في الضفة الغربية للمداهمة والاعتقال ثم مؤخرا تترافق مع عمليات قتل بشعة بدم بارد مثلما حدث في مخيمي جنين وقلندية والحبل على الجرار.
فالأرض التي هي لب الصراع باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى، ولا أمل في استعادتها بالتفاوض، ولا رغبة أمريكية في الضغط على الكيان، علما أن أمريكا جزء من المشكلة، وليست بابا إلى الحل، وأسلوب المقاومة الشعبية السلمية الذي شجعت عليه فتح تراجع كثيرا، وبات مقتصرا على مسيرات أسبوعية في مناطق محددة، ويضاف إلى ذلك الأزمة المالية وعدم التزام الدول المانحة بتعهداتها، بل مؤخرا أعلنت النرويج أنها لن تظل تقدم المساعدات ما لم يكن هناك تـقدم في الحل السياسي...هذه ملفات ساخنة تضطلع بها فتح بحكم موقعها على الخريطة السياسية الفلسطينية، فهل ثمة أمل في معالجتها جذريا؟!
أما اليسار الفلسطيني عموما فحدث ولا حرج، فقد نظّر وروّج إلى أن الربيع العربي هو مؤامرة أمريكية ممولة خليجيا، ثم هلل اليسار ورحب بما جرى في مصر، واعتبره ثورة حقيقية، مع أنه مدعوم خليجيا أيضا، وتراود اليسار أحلام عودة أمجاد موسكو، وكأن الحزب الشيوعي هو من يحكم روسيا اليوم، ويعلن اليسار عن رفضه للتفاوض وينظم مسيرات ضد المفاوضات، وفي نـفس الوقت يشارك في الحكم والإدارة والقيادة ومشاريع «الأنجزة»...فاليسار يعيش أزمة فكرية وسياسية وأزمة خيارات، في ظل بقائه في أحلام أو عقلية الحرب الباردة.
وبعيدا عن الفصائل والقوة السياسية الإسلامية والوطنية واليسارية هل نحن على ما يرام؟ألا تتفشى البطالة ويزداد الفقر بسبب الغلاء، والفرص أمام الشباب تكاد تكون مغلقة، ألم تصبح الهجرة في نظر كثير من شبابنا هي الحل؟ألا تخرج جامعاتنا عمليا أعضاء جددا في نادي البطالة المحلي؟ ألا نعاني من قسوة قلوب تجاه بعضنا، وتهتك في تماسكنا حتى على مستوى الأسرة والعائلة الواحدة؟ألم نصبح مظهريين في أفراحنا وأتراحنا، وتطغى علينا السطحية؟ألم ننفق 100 مليون شيكل حسب بعض المصادر في أسواق العدو في الداخل الفلسطيني المحتل سنة 1948م بدل أن ندعم بها سوقنا واقتصادنا المحلي؟ألا نسرف في إطلاق المفرقعات والألعاب النارية بسبب وبدون سبب، أليس هناك نوع من الاستغلال للعمال في القطاع الخاص؟ألا نتعامل مع بعضنا بنفعية ونـفاق اجتماعي، إلا من رحم ربي؟ ألم نتابع أخبار عرب أيدول بتفاعل وكثافة أكثر مما نتابع أخبار أسرانا المضربين عن الطعام؟!
إن مأزقنا الفلسطيني قد عمّ وطمّ الجميع، ولا يقتصر على حماس وحدها، وليس مأزق الأخيرة هو الأكبر كما يروّج البعض، فالكل كما نقول في المثل الشعبي «في الهوا سوا»، وكي يتغلب الكل على مأزقه مطلوب التعاون على قاعدة قناعة كل طرف بل كل فرد أن يدا واحدة لا تصفق، وألا جدوى من العمل الفردي، وأن الحل في الجهد الجماعي محدد الأهداف واضح الرؤية والآليات، وإلا سيظل الجميع يعيش مآزقه وورطاته متوهما أنه بخير.
حمى الله شعبنا بكل فئاته من الفتن، ومن المؤامرات وجعل بوصلته نحو القدس...وفقط القدس!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية