ماذا نريد من إسرائيل؟ ... بقلم : عماد صلاح الدين

الإثنين 06 أبريل 2015

ماذا نريد من إسرائيل؟

عماد صلاح الدين

من خلال العودة إلى التاريخ المعاصر، والمراجعات الفكرية بخصوصه، بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، ومن خلال سبر وتحليل وفهم طبيعة وحقيقة وسياق الأنساق والديباجات الدينية، التي قدمتها ولا تزال تقدمها الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، في تبرير احتلالها واقتلاعها لفلسطين وسكانها الأصليين المقيمين عليها منذ قرون طويلة، أن الصراع في حقيقته وجوهره مرتبط بالمشروع الاستعماري الكولونيالي الغربي في المنطقة العربية الإسلامية، وفي القلب منها فلسطين؛ إذ هي حلقة الوصل والربط بين المشرق والمغرب العربيين. وان فكرة ورؤية المشروع الصهيوني هي فكرة ورؤية في الأساس غربية بريطانية بروتستانتية، تحديدا بدأت منذ القرن السابع عشر الميلادي في نهاية العهد الإقطاعي والزراعي التجاري في عموم أوروبا تقريبا، مرتبطة بأهداف سياسية واجتماعية اقتصادية ضمن نسق كولونيالي استعماري نفعي مصلحي وتوسعي، استخدمت فيه أبعاد دينية غير حقيقية ووهمية، من قبيل تحقيق أحلام الألفية واسترجاعها، وعودة الماشيح عبر التقديم له، ومن ثم حلوله؛ من خلال إقامة المشروع الصهيوني في فلسطين، لأجل التعجيل بهذا القدوم ومن ثم الخلاص أخيرا.

علما أن كل الأهداف الاستعمارية الغربية، سواء في سياق التوسع والتمدد الإمبراطوري والاحتلال الاستيطاني في المنطقة العربية الإسلامية، متمثلا بتركة رجل أوروبا المريض (الدولة العثمانية) في حينه، أو التخلص لاحقا من مشكلة يهود أوروبا تحديدا ولاحقا في أوروبا الشرقية؛ في بولندا وأوكرانيا ومن ثم روسيا. وهي مشكلة يهود الاشكناز اليديشين ذوي اللهجة اليديشية بالرطانة الألمانية. قد كانت مرجعيتها التبريرية والتشريعية إن جاز التعبير، ومن وجهة النظر الغربية هي نتاج هذا التطور الحاصل في النظرة الشمولية للإنسان والطبيعة والخالق، التي اختصرت كل المسافات واختزلت كل الثنائيات، باعتبار أن الإله حل في الإنسان ثم أخيرا حل في الطبيعة ثم اختفى نهائيا شكلا ومضمونا لصالح الأحادية المادية الواحدية، التي تجعل الأمور والأشياء والإنسان على سطح واحد منبسط ومفتوح وبلا حدود وبشكل مجرد مادي، تحكمها القوانين الطبيعية دون اعتبار لأي تركيبية أو ثنائية أو خصوصية إنسانية أو ثقافية حضارية. كل ذلك خدمة للمصلحة والمنفعة المادية واللذة الاستهلاكية، الهدف الأسمى فيها هو الوصول إلى الحالة الفردوسية الأرضية الأصيلة والبديلة عن كل جزاء أو ثواب انتظاري حقيقي مؤجل وأخروي .

إنني اسمح لنفسي بالقول، بأن النفعية المادية واللذة الاستهلاكية غير المنضبطة بحدود أو سبيل، وحالة الشره في استنزاف الشعوب وثرواتها ومقدراتها، بكل الإمكانات والوسائل الاستعمارية التقليدية، العائدة أحيانا والحديثة العصرية، وما يترتب على ذلك من استهداف للإنسان وقتله واستعماره واستيطان أرضه، وما يرتبط بكل ذلك من الإخلال بموازين العدل والإنسانية، ومن ثم تحقق الظلم والتمييز بين البشر على أسس غير صحيحة، إنما هو في الحقيقة امتداد لتراث التشويه، ومن ثم التشوه الديني ضمن انساق حلولية، تجعل المقدس مرة في الإنسان وحده(المركز)، ومرة أخرى في الطبيعة وقوانينها، ومرة ثالثة تنزع المقدس عن كل شيء؛ عن الله والإنسان والطبيعة نفسها، وتصبح المرجعية أي مرجعية هي مرجعية ذاتها (حالة سيولية شاملة)،وهو تراث ترابط ويترابط تداخل ويتداخل ضمن مرجعيات وثنية ودينية متوهمة ومختلقة في آن معا، تم تفسيرها وتجييرها ومن ثم تطبيقها وتنفيذها، بما يتناسب داما مع فكرة ونمط الظلم واللاعدالة والتمييز والاضطهاد ضد الآخر، سواء كان في انساق الحلولية اليهودية للجماعات اليهودية؛ كما هو الحال في التوراة الشفوية المتفوقة(التلمود كتاب الشريعة والفقه والتفسير)، الذي وضعه حاخامات اليهود عبر قرون متطاولة بتجلياته وتفرعاته وجماعاته وطبقاته، عبر العصور الممتدة أو من خلال التراث المسيحي في طبقته وطبعته الحلولية أيضا، أو من خلال بعض التصورات الحلولية وان بدرجة اخف، التي داخلت العقيدة والشريعة الإسلامية، عبر رؤى وأعراف ممارسية في التقليد الاجتماعي بين درجات من التفريطية والافراطية، والتي تدفع ثمنها المنطقة العربية والإسلامية، في إطار تصارع مذاهبها ورؤاها الفكرية تنظيرا ودما، باعتبار أن كل طرف منها صار يدعي القداسة وتجلي النورانية الإلهية عليه، وعلى توجهه المذهبي والطائفي، وربما العسكري المقاوم.

إن جوهر الأديان السماوية الصحيحة، وحتى النزعات الهيومانية الإنسانية، تقيم في اعتبارها مفاهيم المرجعية المتجاوزة للأطر المادية والإنسانية، أو حتى أنها تقر كما في النزعة الإنسانية، إلى أن حالة من التركيبية الإنسانية المعقدة والمبدعة كامنة في الإنسان نفسه.

وهي بهذا تدعو إلى العدل والمساواة والحرية، والى كرامة الإنسان، والى التعقل المتوازن في سياق العلاقات الإنسانية جميعها؛ بين الخالق والإنسان، أو ما بين الإنسان والإنسان، وأخيرا الإنسان ومحيطه البيئي الكلي .

لكن الأحادية المادية (الواحدية) التي لها منظور مادي طبيعي واحد، جعلت كل الأشياء بما فيها الإنسان على حالة واحدة ونسق واحد، دون مرجعية خاضعة لإمكانية القوة والقدرة دائما وباستمرار، لغايات الإخضاع ومن ثم الاستبداد والنهب والسلب والاستبعاد، بل والإفناء والترحيل من مكان إلى آخر، وعلى قصد النهائية والأبدية في إزاحة الآخرين كليا عن المشهد الحاضر والمتوقع.

والمشروع الصهيوني الإسرائيلي لا يخرج في حقيقته عن هذه النظرة الأحادية المادية، التي تظلم الآخر، وتستوطن أرضه، وتنفي شعبه وتطرده إلى الأبد، كما يريدون ويتوهمون. وهو (المشروع الإسرائيلي الحالي) انعكاس مائة بالمائة للمشروع الاستعماري الغربي، سواء البريطاني والفرنسي أولا، وتاليا الولايات المتحدة الأمريكية .

ولذا، ينبغي ونحن نتعامل مع واقع إسرائيل كدولة احتلال استيطاني، أن ننطلق من حقيقة انه مشروع استعماري كولونيالي تابع في الأساس للمشروع الاستعماري الغربي، بكل أهدافه وديباجاته المستخدمة دينيا وإنسانيا (لأجل التضليل والمخادعة).

وعلى هذا، يواجه الشعب الفلسطيني- في الأساس- الغرب الاستعماري والولايات المتحدة الأمريكية، بسبب فكر وتجليات الارتباط الممارسي الحثيث والمتلازم بصورة كبيرة ما بينه وما بين المشروع الصهيوني الإسرائيلي المتولد الأخير عنها. لذلك، فمن المفروض أن يكون معنا كفلسطينيين ضمن صف هذه المواجهة والاستهداف الأمة العربية؛ لأن المسالة هنا ليست فلسطين بحكم القداسة الحقيقية أو الأبعاد الدينية المتوهمة من البعض، بل من أكثرية القيادات والشعوب العربية والإسلامية، وإنما لدواعي الاستعمار والاستيطان، وتحقيق النفعية المادية الغربية والأمريكية في المنطقة العربية، عبر زرع الكيان الصهيوني فيها كجسم غريب عنها لا أكثر. وبغض النظر عن الاستخدامات الدينية الغربية والإسرائيلية، حول الشعب المختار، والدولة اليهودية الخالصة، والعرق اليهودي، والشعب اليهودي، واليهودية العالمية....الخ التي نقضت أوهامها وأساطيرها وكذبها الحقائق الإنسانية، ضمن منظومة الأخلاق والممارسة في الاجتماع والسياسة.

وعليه، فان المواجهة مع المشروع الاستعماري الاستيطاني الاحلالي الصهيوني، هي مواجهة قيمية عملية حقيقية شعارها وأدبياتها الطالقة، هي رفع الظلم والتمييز، ووقف نفي الآخر واستبعاده، وتمكينه من تقرير مصيره مبدأ وممارسة فعلية، والمستند في الأساس إلى مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية المستمدة من المخزون الثقافي والفكري الإسلامي والعروبي، وعبر تجاربه العديدة والمديدة، بما فيا وأهمها مواجهة الاحتلال الصهيوني الاستيطاني، وما لاقاه في النضال والجهاد معه من جرائم واضطهاد وتطهير عرقي وتدمير لمجالات حياته الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية.
كفلسطينيين وعرب عروبيين وإسلاميين، ومن خلال مساحة المشترك الإنساني والوطني الجامع الثقافي والأخلاقي والهوياتي، لا مشكلة لنا مع الديانات، ولا حتى مع طبقاتها الفكرية والشعائرية أو الطقسية في الحالات التي تقترب من الوثنية، بالنسبة للممارسة الطقسية، وليس الشعائرية أو التوحيدية أو الحلولية الوثنية أو الخليطية المشابة ببعض التوهمات والتهويمات الاساطيرية في الأديان نفسها .

لكننا فقط نرفض الظلم والاحتلال والتمييز وسرقة الأوطان وطرد أهلها والإجرام بحقها، وبغض النظر عن التقديمات والديباجات، بخصوص تحويرها وتبريرها على أساس ديني أو عرقي أو قومي أو غيرها، لا علاقة لنضال الفلسطينيين وجهادهم، بما يؤمن ويعتقد به الآخرون، طالما انه لا ظلم ولا استهداف منهم لهم.

وان حق تقرير المصير، يكون من خلال فهم البنية والهوية الوطنية المتشكلة، عبر قرون طويلة، ومن ثم اتخاذها إطارا جامعا للاستهداء والاسترشاد به، في النضال على طريق تحقيق حق العودة لجميع الفلسطينيين، ومن ثم ممارسة الحياة الطبيعية، وفي إطار من التنظيم السياسي والمرجعية الدستورية والقانونية، المتفق عليها باليات الشورية والممارسة الديمقراطية.

والمشكلة تبقى في المشروع الصهيوني ودولته إسرائيل، القائمة على الظلم والتهجير والطرد والاستبعاد والاستيطان والأمن المطلق، وعدم اعترافه في الجوهر بحقوق الشعب الفلسطيني. ولذلك تتم مواجهة هذا المشروع بكافة الوسائل النضالية والكفاحية، وبشكل متنوع ومتكامل، سواء بالمقاومة العسكرية أو المقاطعة المدنية والسياسية التفاوضية، وعبر الإعلام ومؤسسات حقوق الإنسان، والمحاكم والمرجعيات القانونية الدولية.

ويبقى أن لا مشكلة للفلسطينيين مع الإسرائيلي العادي؛ كإنسان ولد هنا ولديه الاستعداد لمواجهة الصهيونية، في إطار النضال الوطني والإنساني العام، لإعادة بلورة مفهوم جديد لحق تقرير المصير، يشمل جميع الفلسطينيين بما فيهم هذا الإسرائيلي، الذي هو ضحية حالة التوظيف الغربية الاستعمارية والصهيونية في خدمة مصالحهما الكولونيالية، في تحقيق النفعية واللذة على حساب الإنسانية وحقوقها.

وحق تقرير المصير الفلسطيني، ومن ناحية الحقوق الكاملة، سيكون بحسب ما هو كائن في الأساس وما سيكون مستقبلا.

ولا يظنن احد، أن الصراع مع المشروع الصهيوني، يجرد من أي بعد ديني بالمعني الأخلاقي القيمي، كمشروع ظلم للشعب الفلسطيني والشعوب العربية، بما فيه من مفردات الاستهداف بالاضطهاد، والاحتلال، والنفي للآخر، ومنعه من الوصول الثقافي والاجتماعي والمادي الحضاري اللائق بحراك الأمم ومساعيها، بل إن مواجهة هذا الظلم أي ظلم، هو قيام بواجب الدين في حفظ النفس والثروات والمقدرات، وتحقيق كرامة الإنسان وحريته المنشودة. وهذا البعد تقره وتوقره جميع الديانات التوحيدية السماوية الصحيحة، وكذلك النزعات والتوجهات الإنسانية، في تاريخ الفكر، والممارسة الأخلاقية العملية الإنسانية.

وهذا تحديدا متوافر لدينا، ضمن منظوماتنا ومرجعياتنا الفكرية، المستندة إلى تراث قيمي عربي إسلامي غني وثري بمفاهيم العدل والقسط ورفع الظلم عن الأمة وعموم الناس، بغض النظر عن أديانهم وتوجهاتهم وأعراقهم وأجناسهم البشرية، طالما أن هناك منظومة للحقوق والواجبات تظللها منظومة القيم والثقافة ومظلة العدل، كمقصد أول وأخير في الفكر والممارسة الإسلامية .

لعل الذي ذكر أعلاه، كان منطق ومنطلق التجريب الإسلامي الأول في وثيقة المدينة، التي أوصاها وأرساها الرسول محمد نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي، حين اعتبر المؤمنين ومن حالفهم واتفق معهم من اليهود امة من دون الناس، في إطار الدولة الجديدة، التي تتوزع فيها الحقوق والواجبات، بما يحقق العدل والمساواة للإنسانية المكرمة.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية