ماراثون غزة الثالث ...بقلم : جمال أبو ريدة

الجمعة 08 مارس 2013

ماراثون غزة الثالث

جمال أبو ريدة

أحسنت الحكومة الفلسطينية برئاسة رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية صنعًا، بقرارها الأخير بمنع النساء الفلسطينيات من المشاركة في (ماراثون) غزة الثالث، الذي كان مقررًا له في 10 نيسان (أبريل) القادم، وهو (الماراثون) الذي يشارك فيه عادة المئات من الشباب والشابات الأجانب والفلسطينيين جنبًا إلى جنب، وذلك بقصد جمع التبرعات لألعاب الصيف التي تنظمها (الأونروا) في غزة لطلبة المدارس الابتدائية والإعدادية منذ عام 2011م، وشارك فيها العام الماضي (2012م) ما يقارب من 250000 طالب وطالبة من طلبة وطالبات مدارس القطاع، ويقطع المتسابقون في هذا "الماراثون" القطاع من مدينة بيت حانون شمالًا إلى مدينة رفح جنوبًا سيرًا على الأقدام، أي ما يقرب من 42 كيلو متر، الأمر الذي من شأنه أن يسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء، وهو ما يرفضه مجتمعنا الفلسطيني المحافظ؛ التزامًا بتعاليم الدين الإسلامي بالدرجة الأولى، واحترامًا للعادات والتقاليد الفلسطينية المحافظة بالدرجة الثانية، وهو الأمر الذي يجب على (الأونروا) وغيرها من المؤسسات الكثيرة العاملة في غزة بعد اليوم أن تفهمه جيدًا قبل تنظيم أي فاعلية في القطاع على شاكلة هذه الفاعلية.

ولقد لاقى قرار الحكومة الفلسطينية رضا وارتياح الرأي العام الفلسطيني، وذلك لأنه من غير المقبول أن تسمح الحكومة الفلسطينية لوكالة (الأونروا)، أو لغيرها من المؤسسات العاملة في القطاع؛ بتنظيم أنشطة كهذه من شأنها أن تكون مدخلًا للاختلاط بين الرجال والنساء، وما يترتب على ذلك من آثار غاية في السوء،
أقلها تراجع التعاطف العربي والإسلامي مع غزة المحاصرة "إسرائيليًّا" منذ عام 2006م، والتي وقفت في وجه العدوان (الإسرائيلي) مرتين: الأولى في عام 2008م، والثانية في عام 2012م، وقدمت خلال ذلك أكثر من ألفي شهيد، فضلًا عن الجرحى والأسرى، وهي قبل ذلك الحكومة التي صوت لها الشعب الفلسطيني في الانتخابات التشريعية في عام 2006م، لتفوز بأغلب مقاعد المجلس التشريعي، وكان أحد أسباب هذا التصويت هو رغبة الشعب الفلسطيني في الخلاص من مظاهر الفساد التي "استشرت" في المرحلة السابقة، وكان الاختلاط هو أحد مظاهر الفساد التي كانت "تستفز" مشاعر الشعب الفلسطيني المحافظ، وسببت نقمة كبيرة على السلطة الفلسطينية، وجدت طريقها في صناديق الاقتراع للانتخابات التشريعية.

ولعل الأمر المستغرب أن هذا القرار بالقدر الذي لاقى فيه رضا وارتياح الرأي العام الفلسطيني قد لاقى استغراب بل استهجان بعض الفلسطينيين، وكانت حجتهم في ذلك أن الحكومة قد سمحت في العامين الماضيين (2011م، و2012م) بتنظيم هذا (الماراثون) بمشاركة النساء الفلسطينيات، وأن هذا القرار هو انتهاك لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة التي نادت بها القوانين الحديثة، إضافة إلى الكثير من الأقوال التي يصعب حصرها، وهي أقوال مردودة على أصحابها لأكثر من سبب: أولها أن الحكومة الفلسطينية من حقها بل من واجبها تجاه شعبها مراجعة قراراتها التي تنظم الحياة العامة كل مدة، وتصويب هذه القرارات التي فيها "عوج"، وتعزيز القرارات الصائبة التي تخدم المصلحة العامة الفلسطينية، فهذا القرار يحسب للحكومة ولا يحسب عليها، أما أن هذا القرار فيه انتهاك لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، فالمساواة بين الجنسين في غزة واضحة للعيان، ولعل زيارة بسيطة للوزارات والسلطات والهيئات التابعة للحكومة الفلسطينية، التي تعمل فيها المرأة جنبًا إلى جنب الرجل، وتتبوأ فيها مكانة رفيعة؛ تكفي لتأكيد بطلان هذا الزعم لهذا الفريق المعارض لقرار الحكومة.

إن قرار الحكومة الفلسطينية الأخير يجب أن يكون بداية ومدخلًا لقرارات جديدة، تضع حدًّا لتدخل الوكالة في الشأن الداخلي الفلسطيني وفي الحياة الفلسطينية، فهذه المؤسسة جاءت من أجل تقديم يد العون والمساعدة للشعب الفلسطيني، بعد النكبة التي حلت به في عام 1948م، ولكن المتتبع لسياسة الوكالة _وتحديدًا في السنوات الأخيرة_ يلحظ بما لا يدع مجالًا للشك أنها قد بدأت تتدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني بشكل مطرد، وفي تفاصيل الحياة اليومية للناس، بل أصبحت دولة داخل دولة، وتستخدم سياسة الترغيب والترهيب للتأثير على الرؤى الفكرية للناس جميعًا، ولعل حالات الفصل للعاملين في مؤسساتها الكثيرة _وتحديدًا المؤسسات التعليمية_ بحجة النشاط والانتماء السياسي للمفصولين كانت واضحة للعيان في المدة الأخيرة، الأمر الذي خلق حالة من الخوف في صفوف موظفيها، وتشير الإحصائيات في عام 2012م إلى أن هناك ما لا يقل عن 15 موظفًا في الضفة الغربية وغزة فصلوا من وظائفهم في وكالة الغوث الدولية على خلفية الانتماء السياسي، وتحت دعوى ممارسة أنشطة خارجية نقابية واجتماعية وتطوعية خارج نطاق عملهم في وكالة الغوث.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية