ما قالته "بيرزيت" في غفلة من فتح
كانت قيادة حركة فتح والسلطة في الضفة الغربية قد اطمأنت إلى أن عمودها الفقري (الأجهزة الأمنية) سيبقى متكفّلاً بإسناد قوامها وبمنعها من الذوبان، وبتحييد أزماتها الداخلية عن التأثير في نتيجة أية منافسة انتخابية في الضفة الغربية، ذلك أن الملاحقات والاعتقالات المستمرة في صفوف حركة حماس منذ ثمانية أعوام، ستفرز تلقائياً ضعفاً تنظيمياً حمساوياً وإرباكاً يحول بينها وبين القدرة على منافسة التنظيم المتمتع براحة واسعة كونه فصيل السلطة، وغير مستهدف بمطاردة الاحتلال ولا بتجفيف المنابع ولا بمحاولات الاستئصال عقب كل عملية مقاومة في الضفة الغربية.
لكن الإفراز المقابل لهذه الحالة غاب عن ذهن حركة فتح وشبيبة جامعاتها ومن خلفهما الأجهزة الأمنية، التي تجنّد كل طاقاتها مع اقتراب أية انتخابات طلابية، عبر اعتقال منافسي الشبيبة والتضييق عليهم، وتجنيد سيارات الأجهزة لجلب المقترعين من منازلهم، وتهديد ذوي الطلبة المحسوم تأييدهم لحماس. ما غاب عن ذهن فتح وأجهزتها هو أن شباب الكتلة الإسلامية منذ أن قرروا الصمود في مواقعهم وتحدي القمع قد وطنوا أنفسهم على كل الاحتمالات، وأن القمع حين يستنفذ جميع وسائله يصل مرحلة الإفلاس، وينتج مناعة تلقائية لدى الطرف المستهدف، تعطيه قدرة على التكيّف مع أقسى الظروف والعمل في ظلّها إن توفّرت له إرادة الاستمرار، وهذا ما حدث مع الكتل الإسلامية في الجامعات، فقد انقلب سحر الملاحقة على الساحر، حتى باتت تضرّ بمن يقارفها وليس بمن تقع عليه، وبات الجمهور الجامعي ومعه عموم الفلسطينيين على وعي بدوافع هذه الاعتقالات والملاحقات التي تُمارس بالتوازي مع الاحتلال مستهدفة العناصر ذاتها وللأسباب نفسها.
حين شن الاحتلال حملته على الضفة بعد عملية خطف مستوطنيه في الخليل، كانت جامعة بيرزيت من أوائل المواقع المستهدفة، وتحديداً مخزن الكتلة الإسلامية فيها، حيث تمت مصادرة حمولة شاحنة محتواها رايات حماس ومواد إعلامية ودعائية خاصة بها، أي أن الاحتلال هنا رفع درجة حظره لنشاط الكتلة حتى طال شاراتها ورمزياتها، ذلك أنه يعي تماماً ماذا قدّمت الكتلة الإسلامية في جامعات فلسطين لمشروع المقاومة على مرّ تاريخها.
بعد أقل من عام على تلك المداهمة كانت الكتلة الإسلامية في بيرزيت وقبلها في بوليتكنك فلسطين تحصد ثمار صمودها وإصرارها على الثبات تحت وقع ضربات الملاحقة، وكانت تجني نتيجة تضافر عوامل عدة ساهمت في صناعة تقدّمها اللافت، وهو في كل الأحوال ليس تقدماً جديدا، لكنه جديد بعد سنوات قمعها وحظرها الأخيرة وتغييبها القسري عن الساحة.
أما أبرز تلك العوامل فكانت:
- العمل الدؤوب لطلاب وطالبات الكتلة الإسلامية وجهودهم على الصعيد النقابي وفي خدمة الطلبة داخل الجامعات، وهو نشاط لا يرتبط بالمواسم الانتخابية بل يستمر طوال العام ويتميز بالإبداع والتجديد والاستمرار.
- بعد سنوات من إجراءات الاستئصال الأمنية التي مارسها الاحتلال والسلطة باتت الكتلة أكثر قدرة على التكيف مع هذا الوضع وتمكنت من اجتراح آليات تمكنها من العمل والاستمرار في ظل القمع والملاحقة.
- معركة العصف المأكول ألقت بظلالها على النتيجة وخصوصاً على وعي الجيل الجديد الذي لم يعايش في الضفة مقاومة الانتفاضة الأولى أو الثانية في مراحلها الذهبية، لكنها كان شاهدا على حرب غزة ومتابعاً لعمليات المقاومة النوعية التي استمرت على مدار شهرين، فكان هذا الحدث كفيلاً بتصويب وعيه ونفي آثار عمليات التضليل والتدجين التي حاولت استهدافه على مدى سنوات.
- حراك الضفة خلال العام الماضي الذي كانت حماس والكتلة الإسلامية في قلبه، بل ومحركة له في كثير من المواقع أسهم في صناعة هذا الإنجاز أيضا، حيث ظهرت الكتلة الإسلامية ببعدها الوطني والمقاوم إلى جانب رسالتها النقابية ونشاطها الجامعي، فباتت أقرب إلى نبض الطالب وهمومه المختلفة من أي وقت مضى.
- الشبيبة دفعت ثمن النهج السياسي والأمني للسلطة وحركة فتح، وثمن أزمة الحركة على الصعيدين السياسي والوطني، وثمن التنسيق الأمني الذي انكشف بصورة كبيرة مؤخرا.
- قيمة الفوز والنجاح للكتلة أنه في ظل الحراب والقمع والقهر، ودون أن تأخذ الكتلة فرصاً مساوية في المنافسة والحرية كتلك التي امتلكتها الشبيبة على مدار السنوات السابقة.
بقي أن تقرأ السلطة ما جرى بصورة عقلانية وواقعية، لتدرك أن نهج الاستئصال والإقصاء يعود عليها بالخسارة، ولا ينجح في إقصاء حماس أو تغييبها كفكرة ومنهج وخيار لدى عموم الفلسطينيين.
لمى خاطر
كانت قيادة حركة فتح والسلطة في الضفة الغربية قد اطمأنت إلى أن عمودها الفقري (الأجهزة الأمنية) سيبقى متكفّلاً بإسناد قوامها وبمنعها من الذوبان، وبتحييد أزماتها الداخلية عن التأثير في نتيجة أية منافسة انتخابية في الضفة الغربية، ذلك أن الملاحقات والاعتقالات المستمرة في صفوف حركة حماس منذ ثمانية أعوام، ستفرز تلقائياً ضعفاً تنظيمياً حمساوياً وإرباكاً يحول بينها وبين القدرة على منافسة التنظيم المتمتع براحة واسعة كونه فصيل السلطة، وغير مستهدف بمطاردة الاحتلال ولا بتجفيف المنابع ولا بمحاولات الاستئصال عقب كل عملية مقاومة في الضفة الغربية.
لكن الإفراز المقابل لهذه الحالة غاب عن ذهن حركة فتح وشبيبة جامعاتها ومن خلفهما الأجهزة الأمنية، التي تجنّد كل طاقاتها مع اقتراب أية انتخابات طلابية، عبر اعتقال منافسي الشبيبة والتضييق عليهم، وتجنيد سيارات الأجهزة لجلب المقترعين من منازلهم، وتهديد ذوي الطلبة المحسوم تأييدهم لحماس. ما غاب عن ذهن فتح وأجهزتها هو أن شباب الكتلة الإسلامية منذ أن قرروا الصمود في مواقعهم وتحدي القمع قد وطنوا أنفسهم على كل الاحتمالات، وأن القمع حين يستنفذ جميع وسائله يصل مرحلة الإفلاس، وينتج مناعة تلقائية لدى الطرف المستهدف، تعطيه قدرة على التكيّف مع أقسى الظروف والعمل في ظلّها إن توفّرت له إرادة الاستمرار، وهذا ما حدث مع الكتل الإسلامية في الجامعات، فقد انقلب سحر الملاحقة على الساحر، حتى باتت تضرّ بمن يقارفها وليس بمن تقع عليه، وبات الجمهور الجامعي ومعه عموم الفلسطينيين على وعي بدوافع هذه الاعتقالات والملاحقات التي تُمارس بالتوازي مع الاحتلال مستهدفة العناصر ذاتها وللأسباب نفسها.
حين شن الاحتلال حملته على الضفة بعد عملية خطف مستوطنيه في الخليل، كانت جامعة بيرزيت من أوائل المواقع المستهدفة، وتحديداً مخزن الكتلة الإسلامية فيها، حيث تمت مصادرة حمولة شاحنة محتواها رايات حماس ومواد إعلامية ودعائية خاصة بها، أي أن الاحتلال هنا رفع درجة حظره لنشاط الكتلة حتى طال شاراتها ورمزياتها، ذلك أنه يعي تماماً ماذا قدّمت الكتلة الإسلامية في جامعات فلسطين لمشروع المقاومة على مرّ تاريخها.
بعد أقل من عام على تلك المداهمة كانت الكتلة الإسلامية في بيرزيت وقبلها في بوليتكنك فلسطين تحصد ثمار صمودها وإصرارها على الثبات تحت وقع ضربات الملاحقة، وكانت تجني نتيجة تضافر عوامل عدة ساهمت في صناعة تقدّمها اللافت، وهو في كل الأحوال ليس تقدماً جديدا، لكنه جديد بعد سنوات قمعها وحظرها الأخيرة وتغييبها القسري عن الساحة.
أما أبرز تلك العوامل فكانت:
- العمل الدؤوب لطلاب وطالبات الكتلة الإسلامية وجهودهم على الصعيد النقابي وفي خدمة الطلبة داخل الجامعات، وهو نشاط لا يرتبط بالمواسم الانتخابية بل يستمر طوال العام ويتميز بالإبداع والتجديد والاستمرار.
- بعد سنوات من إجراءات الاستئصال الأمنية التي مارسها الاحتلال والسلطة باتت الكتلة أكثر قدرة على التكيف مع هذا الوضع وتمكنت من اجتراح آليات تمكنها من العمل والاستمرار في ظل القمع والملاحقة.
- معركة العصف المأكول ألقت بظلالها على النتيجة وخصوصاً على وعي الجيل الجديد الذي لم يعايش في الضفة مقاومة الانتفاضة الأولى أو الثانية في مراحلها الذهبية، لكنها كان شاهدا على حرب غزة ومتابعاً لعمليات المقاومة النوعية التي استمرت على مدار شهرين، فكان هذا الحدث كفيلاً بتصويب وعيه ونفي آثار عمليات التضليل والتدجين التي حاولت استهدافه على مدى سنوات.
- حراك الضفة خلال العام الماضي الذي كانت حماس والكتلة الإسلامية في قلبه، بل ومحركة له في كثير من المواقع أسهم في صناعة هذا الإنجاز أيضا، حيث ظهرت الكتلة الإسلامية ببعدها الوطني والمقاوم إلى جانب رسالتها النقابية ونشاطها الجامعي، فباتت أقرب إلى نبض الطالب وهمومه المختلفة من أي وقت مضى.
- الشبيبة دفعت ثمن النهج السياسي والأمني للسلطة وحركة فتح، وثمن أزمة الحركة على الصعيدين السياسي والوطني، وثمن التنسيق الأمني الذي انكشف بصورة كبيرة مؤخرا.
- قيمة الفوز والنجاح للكتلة أنه في ظل الحراب والقمع والقهر، ودون أن تأخذ الكتلة فرصاً مساوية في المنافسة والحرية كتلك التي امتلكتها الشبيبة على مدار السنوات السابقة.
بقي أن تقرأ السلطة ما جرى بصورة عقلانية وواقعية، لتدرك أن نهج الاستئصال والإقصاء يعود عليها بالخسارة، ولا ينجح في إقصاء حماس أو تغييبها كفكرة ومنهج وخيار لدى عموم الفلسطينيين.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية