ما وراء اللقاءات الاستكشافية ؟!
جمال أبو ريدة
فاجأت السلطة الفلسطينية الكل الفلسطيني مطلع العام الجديد بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع الجانب (الإسرائيلي) دون قيد أو شرط، وذلك بعد (16) شهرًا من توقف المفاوضات بين الجانبين، وتحديدًا منذ أكتوبر/ 2010م، وذلك بعد رفض حكومة "نتنياهو" اليمينية وقف الاستيطان في الضفة الغربية وشرقي القدس كشرط فلسطيني للعودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات، ولعل الجديد في هذه اللقاءات أنها تعقد في العاصمة الأردنية، وتحت رعاية الأردن، وبحضور مندوبين عن اللجنة الرباعية الدولية، في الوقت الذي تدرك فيه الأردن أكثر من غيرها، واللجنة الرباعية كذلك، عدم وجود أي رغبة لدى حكومة " نتنياهو" في التقدم قيد أنملة في عملية السلام، بغض النظر عن التنازلات التي يمكن أن تقدمها السلطة في سبيل التقدم في عملية السلام.
وقد بررت السلطة العودة "المفاجئة" إلى المفاوضات بمحاولة "استكشاف" موقف الجانب (الإسرائيلي) من قضايا: القدس، اللاجئين، الحدود، الأمن، المياه وهي تبريرات – في حدود علمي- لا تنطلي على أحد من العاملين في الحقل السياسي، ويمكن القول أن هذه المفاوضات قد جاءت تحت تأثير الضغوط الأمريكية المباشرة على الجانب الفلسطيني للعودة إلى طاولة المفاوضات دون قيد أو شرط، وذلك لتحقيق جملة من الأهداف التي تخدم المصالح الأمريكية العليا في المنطقة العربية خلال هذه الفترة على وجه التحديد، ومنها:
1 – تسليط الضوء أكثر على ما يدور في سوريا من ثورة شعبية ضد النظام السوري، الذي تسعي الولايات المتحدة جاهدة إلى إسقاطه خلال الفترة القادمة بكل السبل، وذلك في إطار السعي الأمريكي لجعل المنطقة العربية بجناحيها الأفريقي والأسيوي ضمن مناطق النفوذ الأمريكي.
2 – تعطيل تنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية الأخير الذي وقعت عليه حركتا "حماس" و"فتح" في القاهرة نهاية العام الماضي، وبادرت الحركتان إلى العمل على تنفيذ بنوده.
3 – قطع الطريق على حكومة "نتنياهو" اليمينية في اللجوء إلى أي عمل عسكري ضد إيران، قد يكون سببًا في حرب كونية جديدة، لم تستعد الولايات المتحدة لها بعد، وهي التي ما زالت تحت تأثير هزيمتها المدوية في أفغانستان والعراق.
وعليه، فإنه يمكن القول إن توجه السلطة إلى اللقاءات "الاستكشافية" هو عمل غير مبرر على الإطلاق، ولا يخدم المصلحة الفلسطينية من قريب أو بعيد، فضلاً عن أنه يظهرها بمظهر الطرف الضعيف الذي يدور في الفلك الأمريكي سلبًا وإيجابًا، ومن شأن هذا الموقف زيادة الابتزاز الأمريكي لها مستقبلاً، لتكون طرفًا في لعبة المحاور في المنطقة العربية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبًا على القضية الفلسطينية مستقبلاً، في الوقت الذي يفترض منها أن تتعلم الدرس جيدًا من الأنظمة العربية التي سبقتها، والتي دارت في الفلك الأمريكي طويلاً، وكانت النتيجة أنها أول الأنظمة التي سقطت بعد ربيع الثورة العربية، ولعل ما جرى للنظام المصري المخلوع مبارك يكفي السلطة للابتعاد عن لعبة المحاور، حتى لا تلقى المصير نفسه الذي لاقاه حلفاء أمريكا في المنطقة.
ويمكن القول إن السلطة الفلسطينية قد أدركت حقيقة هذه اللقاءات "الاستكشافية" على وجه السرعة، وأنه لا فائدة ترجى منها على الإطلاق، وأعلنت على استحياء أن لقاءات عمان لن تتعدى 26 يناير الجاري، وهو موعد انتهاء مهلة الـ(90) يومًا التي حددتها اللجنة الرباعية لإجراء محادثات "تقريبية" لغرض التمهيد لاستئناف محادثات السلام المتعثرة بين الجانبين الفلسطيني و(الإسرائيلي) منذ أكتوبر/ 2010م.
ولعله من المفيد القول ‘ن الجهود التي بذلتها السلطة في اللقاءات "الاستكشافية" لا تستقيم بأي حال من الأحوال مع الإجماع الوطني الفلسطيني الذي يرفض العودة إلى المفاوضات مع الجانب (الإسرائيلي) بعد اليوم، وذلك في ظل بناء وتوسيع المستوطنات المتسارع في الضفة الغربية وشرقي القدس، وذلك لخلق حقائق جديدة على الأرض تحدد شكل ومضمون الدولة الفلسطينية التي تريدها (إسرائيل) للشعب الفلسطيني مستقبلاً، وهي دولة منزوعة السلاح على أجزاء من الضفة الغربية، وبدون القدس الشرقية.
ويبقى السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: أين ذهبت تهديدات السلطة الفلسطينية التي كانت إلى وقت قريب تتهدد وتتوعد حكومة "نتنياهو" باتخاذ خطوات من شأنها تغيير وجه المنطقة العربية، إذا ما أصرت على الاستمرار في الاستيطان ؟!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية