متاهة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية...بقلم : بلال الحسن

الأحد 15 يناير 2012

متاهة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية


بلال الحسن

دخلت المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية في مرحلة المتاهة. الكل موجود، والكل يسير إلى الأمام، لكن طرق المتاهة لا تلتقي مع بعضها بعضاً.

الفلسطينيون يقولون إنهم يريدون المفاوضات ولا يريدون غيرها. لكن المفاوضات إما أن تتعثر وإما أن تتلاشى. والإسرائيليون يقولون إنهم يريدون المفاوضات ولا يريدون غيرها، لكن المفاوضات من وجهة نظرهم تعني الاستيلاء على أراض فلسطينية جديدة. ويعبر بنيامين نتنياهو عن ذلك ببراعة، حين يتحدث عن حدود «آمنة»، متجاهلاً كلمة الانسحاب، ومركزاً على حدود «تضمن الأمن» ل"إسرائيل".

ولا يمكن لهذا الواقع التفاوضي أن يتغير من دون اللجوء إلى تكتيكات ضغط جديدة، وبخاصة من قبل الفلسطينيين، فالسائد الآن ترجمة كلمة «مفاوضات» إلى مجرد لقاءات يتم فيها تبادل الآراء والاقتراحات، بينما يعرف الجميع وفي مقدمتهم تلاميذ المدارس الابتدائية، أنه لا يمكن إجراء مفاوضات من دون ضغوط تدفع بالطرف المحتل إلى التراجع.

و"إسرائيل" تضغط من خلال مواصلة الاحتلال، لكن الفلسطينيين يتراجعون عن الضغط إلى الكلام، ويقولون إنه لا عودة إلى استعمال العنف، أي لا عودة إلى نهج المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وإذا كانت قد برزت مؤخراً فكرة المقاومة الشعبية، فإن هذه الفكرة مريحة للاحتلال الإسرائيلي، وهو اعتاد أن يتعامل معها، إما بالتجاهل، أو بالقمع الشعبي التقليدي.

إن المفاوضات في التاريخ كله، بين طرفين تواجها بالسلاح، تعني ترجمة موازين القوى إلى واقع، وحين يغيب ضغط المقاومة للاحتلال من قبل الفلسطينيين، يصبح الاحتلال هو القوة المهيمنة، ويشعر الاحتلال بأنه قادر على الاستمرار، ما دامت الضغوط التي يواجهها من النوع الذي يمكن التعامل معه، بل ونقول إنه من النوع الذي يمكن احتواؤه.

إن الواقع التفاوضي الآن يقوم على ثلاثة مرتكزات:

المرتكز الأول: أن القيادة الفلسطينية ترفض مبدأ المقاومة المسلحة، وهي لا تسعى إلى إيجاد حالة يشعر معها الاحتلال بأنه يدفع ثمناً مقابل الاحتلال.
المرتكز الثاني: أن الفلسطينيين يواجهون "إسرائيل" بعمل دبلوماسي فلسطيني بحت، وحين تكون القوة الفلسطينية وحدها في وجه "إسرائيل"، يشعر الإسرائيليون بنوع من الارتياح، فالوضع ليس متفجراً إقليمياً، وليس متوتراً دولياً، ولذلك يمكن إدارة الصراع بين شد وجذب، إلى أن يحدث تغيير ما، تغيير ليس قائماً في الواقع المنظور.

المرتكز الثالث: أن الولايات المتحدة الأميركية تواصل دعمها ل"إسرائيل"، وترفع من وتيرة هذا الدعم، بحيث تشعر "إسرائيل" بالراحة، وتواصل احتلالها بدعم دولي كبير. ولعل من أبرز مظاهر الدعم الأميركي الجديد ل"إسرائيل"، الإصرار الأميركي على إبقاء موضوع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، خارج نطاق البحث في المؤسسات الدولية، مثل مجلس الأمن، حتى إن الولايات المتحدة الأميركية أعلنت رسمياً أنها لن تقدم مساعدات للفلسطينيين إذا هم أصروا على طرح قضيتهم في المحافل الدولية. وهذا موقف أميركي وحيد من نوعه، يطرح بهذه الطريقة الفجة للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، وفي تاريخ التعامل الأميركي مع الصراع العربي - الإسرائيلي.

ولا بد أن نتذكر هنا كيف بادرت الولايات المتحدة إلى منع الرئيس محمود عباس من الوصول إلى مجلس الأمن لإلقاء خطاب باسم فلسطين، وأجبرته إثر ذلك على أن يلقي خطابه على باب مجلس الأمن وليس داخل مجلس الأمن، قائلة إن الخطابات في مجلس الأمن هي للدول فقط، وفلسطين ليست دولة. إن الولايات المتحدة تغطي موقفها اللامنطقي هذا، بالإصرار على دعوة الطرفين إلى العودة للتفاوض المباشر بينهما، وقد بات معروفاً للجميع أن تفاوضاً مباشراً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من دون دعم دولي لمبادئ المفاوضات (حتمية انسحاب المحتل)، ومن دون دعم عربي مباشر وعلني للموقف الفلسطيني، لن ينتج سوى حلول تصب في مصلحة "إسرائيل"، ولا تصل إلى مستوى إقرار مبدأ الانسحاب الإسرائيلي من أرض احتلت بالقوة حسب منطوق القرارات الدولية المعلنة.

على ضوء هذه الوقائع، لا بد من استخلاص النتائج المنطقية، وأبرزها: أنه، ومن خلال عمل دبلوماسي فلسطيني مستقل، فإن ما تم التوصل إليه هو السقف الوحيد المنتظر.. وأنه، من دون دعم عربي، ومن دون تحرك عربي مشترك وداعم علناً للموقف الفلسطيني، لا يمكن تغيير هذه الصورة.

يفرض هذا على الفلسطينيين أن يتخلوا عن نظرية العمل الفلسطيني المستقل، وأن يبادروا إلى اتصالات مكثفة مع الدول العربية كافة، لوضع خطة عربية شاملة ومشتركة، تطرح في الأمم المتحدة، وفي مجلس الأمن، وتشكل ضغطاً مباشراً على الولايات المتحدة الأميركية وعلى "إسرائيل". ومن دون ذلك فإن الضغط الأميركي الدائم والمعلن ضد التحرك الفلسطيني سيعطي ثماراً مرة، وسيقود إلى فرض التصور الأميركي - الإسرائيلي للتسوية.

لم تعد الدبلوماسية الفلسطينية قادرة وحدها على اجتياز الحواجز الأميركية - الإسرائيلية، ولم تعد الدبلوماسية العربية قادرة على أن تعمل لصالح الفلسطينيين من دون رفع سقف المطالب الفلسطينية.

لا بد من الذهاب إلى الأمم المتحدة، وإلى مجلس الأمن، بمشروع عربي وليس بمشروع فلسطيني، وهنا يمكن للوضع الدولي أن يتحرك، وأن يشعر بالحاجة إلى عمل ما يخفف من حالة التوتر في المنطقة العربية.

وهنا لا بد من وقفة قصيرة أمام قضية مبدئية. إذ حين يوجد احتلال أجنبي لأرض شعب ما، فإن كل القوانين الدولية تعطي هذا الشعب حق المقاومة بكل الأساليب، وفي مقدمتها المقاومة المسلحة. وللأسف فإن القائم فلسطينياً هو الإعلان عن رفض المقاومة المسلحة، والتركيز على ضرورة المقاومة الشعبية فقط. وحتى هذه المقاومة الشعبية ليست قائمة بفعالية.

المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي عمل موجه ضد "إسرائيل"، وقد بات واضحاً أن هذا الاحتلال يتمتع بحماية الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك لا بد هنا من ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأميركية حتى تلغي هذه الحماية غير القانونية. وهذه مهمة كبيرة، ولا يستطيع الفلسطينيون وحدهم إنجازها. والمنطق يقضي أن يكون هناك مشروع عمل فلسطيني في هذا الاتجاه، يذهب به الفلسطينيون إلى العرب أولاً، ليضمنوا وجود تأييد كامل له، ثم يطرح الموضوع على الأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن، كمشروع عربي - فلسطيني واحد.

ثم إن المقاومة الشعبية لأي احتلال ستفضي بالضرورة إلى مقاومة مسلحة، وقد آن للقيادة الفلسطينية الجديدة أن تدرك ذلك، لتصل الأمور بين المحتلين والشعب المحتل إلى نهاياتها المنطقية.

صحيفة الشرق الأوسط
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية