متى ستوقع الأجهزة الأمنية على اتفاق المصالحة؟!
لمى خاطر
طرائف كثيرة باتت متداولة هذه الأيام في الضفة الغربية بعد مرور كل هذا الوقت على توقيع اتفاق المصالحة، ودون حدوث تغيّر يذكر على السياسة الأمنية في الضفة.
صحيح أن الاعتقالات خفّت وتيرتها على نحو كبير، ولم تسجل سوى بضع حالات اعتقال منذ اتفاق المصالحة، لكن المعتقلين السابقين ما زالوا محتجزين، فيما زادت الاستدعاءات الموجهة إلى مناصري حماس، وفيما لا يجد محققو الأجهزة ضيراً في التأكيد لكل من يستجوبونه بأن الاتفاق السياسي شيء ونهجهم الأمني شيء آخر، وهو ما يشي بانتفاء مجرد الاستعداد لتغيير السياسة الأمنية القمعية الجائرة التي تبيح لنفسها اعتقال الناس والتحقيق معهم على خلفيات الفكر والانتماء، أو النشاط السياسي العام.
أرجو أن تفطن القيادات السياسية المجتمعة في القاهرة لمناقشة تشكيلة الحكومة القادمة أن ما ذكر أعلاه يجري بعد اتفاق المصالحة وفي ظل الحديث عن وضع اللمسات الأخيرة على حكومة التوافق، وأرجو أن يفهموا كذلك أن وضع الضفة البائس لم يعد يستوعب مزيداً من الاحتمال، وأنه لا معنى لأن يجلس القادة السياسيون سوياً ويتبادلون الابتسامات فيما الواقع في الضفة يقول إن أجهزة الأمن التابعة لفتح ما زالت تبيح لنفسها أن تحاسب الناس على حركاتهم وسكناتهم، وأن تحقق مع شاب أو فتاة على خلفية انتمائه لحماس أو نشاطه في صفوفها كما رصدت وسائل الإعلام مؤخراً بخصوص بعض الحالات التي تم استجوابها أو أرسلت لها بلاغات بذلك، مثل الطالبة الجامعية (حياة العواودة) من الخليل، التي أعلنت رفضها الذهاب للاستجواب لدى جهاز المخابرات بعد أن كان قد استجوبها قبل نحو أسبوع حول نشاطها داخل الجامعة ومشاركتها في مسيرة إنهاء الانقسام، وقبلها الشاب مهند الهيموني الذي نشر استدعاءً وصله من المخابرات على صفحته على الفيسبوك، وأعلن بصراحة وجرأة عزمه الامتناع عن الخضوع له مهما كلفه ذلك من تبعات!
وبطبيعة الحال، لا نتوقع أن حماس تنتظر أن يسجل جميع أبنائها ومناصريها مظالمهم بأنفسهم لتقف على حجم المأساة، فالترهيب الممارس بحقهم لا يتيح ذلك للكثيرين، ويكفي أن تعلم الحركة أن هناك معتقلين أفرج عنهم حديثاً قد ذاقوا صنوفاً قاسية من التعذيب، وتم تهديدهم قبل الإفراج عنهم، في حال تحدثوا للإعلام عما أصابهم! ويكفي أن تعلم القيادات السياسية كلّها كذلك أن التعويل على المصالحة والثقة بنتائجها قد بدأ يخفت شيئاً فشيئاً في نفوس الناس والمتابعين، وخصوصاً أولئك الذين توقعوا أن يكون العمل على إنهاء ملف الاعتقال السياسي سابقاً لأي إجراء آخر، ومتقدماً بخطوات على موضوع الحكومة والتباحث حول رئيسها ووزرائها، إلا إن كان هناك من يظن أن حماس قادرة على وصول محطة الانتخابات القادمة وهو مستنزفة على أكثر من صعيد، وكأنه لا يكفي ما يتعرض له عناصر الحركة من حملات اعتقال يومية على أيدي قوات الاحتلال كي تأتي الأجهزة الأمنية بدورها فتمنح نفسها الحق في مساءلة أنصار حماس عن نشاطهم، وابتزازهم للحصول على المعلومات.
ومع أننا على ثقة بأن حماس تستطيع بذل المزيد من الجهود للتخفيف عن أبنائها ونفسها في الضفة، إلى أن المطلوب اليوم رؤية نماذج مشابهة لمهند وحياة وغيرهم ممن لم يضرهم أن يقولوا لا لكاتم الصوت، ولا للخضوع للاستدعاءات، ولا كنتُ إن لم أعش بكرامة، كما قال مهند الهيموني في صرخته في وجه الظلم. ولا يجوز أن يتم تكبيل خطوات التحدي والإصرار تلك بدعوى انتظار ثمار المصالحة، فالعقلية الأمنية المهيمنة على أجهزة الضفة تحتاج ما هو أكثر من مجرد قرار سياسي يلزمها بالكف عن تجاوزاتها، وإنهاء مرحلة الاستقواء والتغول على حقوق الناس وحرياتهم المختلفة!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية